تابع مسند ابن عباس


تفسير

رقم الحديث : 2592

حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ الْجُهَنِيُّ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا سورة طه آية 40 سَأَلْتُهُ عَنِ الْفُتُونِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : اسْتَأْنِفِ النَّهَارَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا طَوِيلا ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لأَنْتَجِزَ مِنْهُ مَا وَعَدَني مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ ، فَقَالَ : تَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ مَا يَشُكُّونَ فِيهِ ، وَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ، فَلَمَّا هَلَكَ ، قَالُوا : لَيْسَ كَذَلِكَ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ فِرْعَوْنُ : فَكَيْفَ تَرَوْنَهُ ؟ فَأْتَمَرُوا ، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ رِجَالا مَعَهُمُ الشِّفَارُ يَطُوفُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إِلا ذَبَحُوهُ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكِبَارَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ ، وَالصَّغَارَ يُذْبَحُونَ ، قَالُوا : يُوشِكُ أَنْ تُفْنُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَتَصِيرُونَ إِلَى أَنْ تُبَاشِرُوا مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ ، فَاقْتُلُوا عَامًا كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ ، فَيَقِلَّ نَبَاتُهُمْ ، وَدَعُوا عَامًا فَلا يُقْتَلُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، فَيَنْشَأُ الصِّغَارُ مَكَانَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْكِبَارِ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بِمَنْ تَسْتَحْيُونَ مِنْهُمْ ، فَتَخَافُوا مُكَاثَرَتَهُمْ إِيَّاكُمْ ، وَلَنْ يُفْنَوْا بِمَنْ تَقْتُلُونَ ، فَتَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ فِي الْعَامِ الَّذِي لا يُذْبَحُ فِيهِ الْغِلْمَانُ ، فَوَلَدَتْهُ عَلانِيَةً آمِنَةً ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَمَلَتْ بِمُوسَى ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا الْهَمُّ ، وَالْحُزْنُ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ مَا دَخَلَ مِنْهُ فِي قَلْبِ أُمِّهِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهَا : وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ سورة القصص آية 7 وَأَمَرَهَا إِذَا وَلَدَتْ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي تَابُوتٍ ، ثُمَّ تُلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ ، فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهَا ابْنُهَا ، أَتَاهَا الشَّيْطَانُ ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا : مَا صَنَعْتُ بِابْنٍ ، لَوْ ذُبِحَ عِنْدِي فَوَارَيْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقِيَهُ بِيَدِي إِلَى زَفَرَاتِ الْبَحْرِ ، وَحِيتَانِهِ ؟ فَانْتَهَى الْمَاءُ بِهِ حَتَّى انْتَهَى بِهِ فُرْضَةَ مُسْتَقَى جَوَارِي امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَخَذْنَهُ ، فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوتَ ، فَقَالَ بَعْضُهُنَّ : إِنَّ فِي هَذَا مَالا ، وَإِنَّا إِنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تَصَدِّقْنَا امْرَأَةُ الْمَلَكِ بِمَا وَجَدْنَا فِيهِ ، فَحَمَلْنَهُ بِهَيْئَتِهِ لَمْ يُحَرِّكْنَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى دَفَعْنَهُ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فِيهِ غُلامًا ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحَبَّةٌ لَمْ تَجِدْ مِثْلَهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ قَطُّ ، فَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا مِنْ ذِكْرِ شَيْءٍ إِلا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى ، فَلَمَّا سَمِعَ الذَّبَّاحُونَ بِأَمْرِهِ ، أَقْبَلُوا بِشِفَارِهِمْ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ لِيَذْبَحُوهُ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، فَقَالَتْ لَهُمُ : اتْرُكُوهُ ، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لا يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَتَّى آتِيَ فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبَهُ مِنْهُ ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ ، فَأَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ ، فَقَالَتْ : قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ، قَالَ فِرْعَوْنُ : يَكُونُ لَكِ ، فَأَمَّا لِي فَلا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ ، لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتِ امْرَأَتُهُ ، لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَى امْرَأَتَهُ ، وَلَكِنْ حَرَمَهُ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ لِتَخْتَارَ لَهُ ظِئْرًا ، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لِتُرْضِعَهُ ، لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا حَتَّى أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ ، فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ ، فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ وَمَجْمَعِ النَّاسِ تَرْجُو أَنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُ مِنْهَا ، فَلَمْ يَقْبَلْ ، فَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى وَالِهَةً ، فَقَالَتْ لأُخْتِهِ : قُصِّيهِ : قُصِّي أَثَرَهُ وَاطْلُبِيهِ ، هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا ؟ أَحَيٌّ ابْنِي أَمْ قَدْ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ ، وَنَسِيَتْ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا فِيهِ ، فَبَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، وَالْجُنُبُ : أَنْ يَسْمُوَ بَصَرُ الإِنْسَانِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ لا يَشْعُرُ بِهِ ، فَقَالَتْ مِنَ الْفَرَحِ حِينَ أَعْيَاهُمُ الظُّؤَارُ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ، فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا : مَا يُدْرِيكِ مَا نُصْحُهُمْ لَهُ ؟ هَلْ تَعْرِفُونَهُ ؟ حَتَّى شَكُّوا فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، فَقَالَتْ : نَصِيحَتُهُمْ لَهُ ، وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ رَغْبَةً فِي صِهْرِ الْمَلَكِ ، وَرَجَاءَ مَنْفَعَتِهِ ، فَأَرْسَلُوهَا ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا نَزَا إِلَى ثَدْيِهَا فَمَصَّهُ حَتَّى امْتَلأَ جَنْبَاهُ رِيًّا ، وَانْطَلَقَ الْبَشِيرُ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يُبَشِّرُهَا أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لابْنِكِ ظِئْرًا ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ بِهَا وَبِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ بِهَا ، قَالَتْ لَهَا : امْكُثِي عِنْدِي تُرْضِعِينَ ابْنِي هَذَا ، فَإِنِّي لَمْ أُحِبَّ حُبَّهُ شَيْئًا قَطُّ ، فَقَالَتْ أُمُّ مُوسَى : لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي فَنَضِيعُ ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُكِ أَنْ تُعْطِينِيهِ ، فَأَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَيْتِي ، فَيَكُونَ مَعِي لا آلُوهُ خَيْرًا ، وَإِلا فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي ، وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهَا ، فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ ، وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ ، فَرَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا بِابْنِهَا ، فَأَصْبَحَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مُجْتَمِعِينَ يَمْتَنِعُونَ مِنَ السُّخْرَةِ وَالظُّلْمِ مَا كَانَ فِيهِمْ ، قَالَ : فَلَمَّا تَرَعْرَعَ ، قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لأُمِّ مُوسَى : أُرِيدُ أَنْ تُرِينِي ابْنِي ، فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُرِيهَا إِيَّاهُ ، فَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِخُزَّانِهَا ، وَقَهَارِمَتِهَا ، وَظُئُورَتِهَا : لا يَبْقَيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلا اسْتَقْبِلَ ابْنِي الْيَوْمَ بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لأَرَى ذَلِكَ فِيهِ ، وَأَنَا بَاعِثَةٌ أَمِينًا يُحْصِيَ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ ، فَلَمْ تَزَلِ الْهَدَايَا ، وَالْكَرَامَةُ ، وَالنِّحَلُ تَسْتَقْبِلُهُ مِنْ حِينِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ إِلَى أَنْ أُدْخِلَ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنِ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا بَجَّلَتْهُ ، وَأَكْرَمَتْهُ ، وَفَرِحَتْ بِهِ ، وَأَعْجَبَهَا ، وَبَجَّلَتْ أُمَّهُ بِحُسْنِ أَثَرِهَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَتْ : لآتِيَنَّ بِهِ فِرْعَوْنَ فَلَيُبَجِّلَنَّهُ ، وَلَيُكْرِمَنَّهُ ، فَلَمَّا دَخَلَتْ بِهِ عَلَيْهِ جَعَلَتْهُ فِي حِجْرِهِ ، فَتَنَاوَلَ مُوسَى لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ ، فَمَدَّهَا إِلَى الأَرْضِ ، فَقَالَ الْغُوَاةُ أَعْدَاءُ اللَّهِ لِفِرْعَوْنَ : أَلا تَرَى إِلَى مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ نَبِيَّهُ أَنَّهُ يَرُبُّكَ ، وَيَعْلُوكَ ، وَيَصْرَعُكَ ؟ ! فَأَرْسَلَ إِلَى الذَّبَّاحِينَ لِيَذْبَحُوهُ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ بَعْدَ كُلِّ بَلاءٍ ابْتُلِيَ ، وَأَرْبِكْ بِهِ فُتُونًا ! فَجَاءَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تَسْعَى إِلَى فِرْعَوْنَ ، فَقَالَتْ : مَا بَدَا لَكَ فِي هَذَا الْغُلامِ الَّذِي وَهَبْتَهُ لِي ؟ قَالَ : تَرَيْنَهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَصْرَعُنِي وَيَعْلُونِي ، قَالَتِ : اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَمْرًا تَعْرِفُ الْحَقَّ فِيهِ : ائْتِ بِجَمْرَتَيْنِ وَلُؤْلُؤَتَيْنِ فَقَرِّبْهُنَّ إِلَيْهِ ، فَإِنْ بَطَشَ بِاللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْنِ عَرَفْتَ أَنَّهُ يَعْقِلُ ، وَإِنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ وَلَمْ يُرِدِ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ ، عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا لا يُؤْثِرُ الْجَمْرَتَيْنِ عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَهُوَ يَعْقِلُ ، فَقَرَّبَ ذَلِكَ ، فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ ، فَانْتَزَعُوهُمَا مِنْ يَدِهِ مَخَافَةَ أَنْ تَحْرِقَاهُ ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : أَلا تَرَى ؟ فَصَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَمَا كَانَ قَدْ هَمَّ بِهِ ، كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَالِغًا فِيهِ أَمْرَهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ أَشَدَّهُ وَكَانَ مِنَ الرِّجَالِ ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِظُلْمٍ ، وَلا سُخْرَةٍ حَتَّى امْتَنَعُوا كُلَّ الامْتِنَاعِ ، فَبَيْنَمَا مُوسَى فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أَحَدُهُمَا فِرْعَوْنِيٌّ وَالآخَرُ إِسْرَائِيلِيٌّ ، فَاسْتَغَاثَهُ الإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ ، فَغَضِبَ مُوسَى غَضَبًا شَدِيدًا لأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَحِفْظَهُ لَهُمْ لا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الرَّضَاعِ ، إِلَّا أُمُّ مُوسَى ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَطْلَعَ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ ، فَوَكَزَ مُوسَى الْفِرْعَوْنِيَّ فَقَتَلَهُ ، وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَالإِسْرَائِيلِيُّ ، فَقَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ : هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ سورة القصص آية 15 ، ثُمَّ قَالَ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ سورة القصص آية 16 وَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الأَخْبَارَ ، فَأُتِيَ فِرْعَوْنُ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا رَجُلا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، فَخُذْ لَنَا حَقَّنَا ، وَلا تُرَخِّصْ لَهُمْ ، فَقَالَ : ابْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْمَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَفْوُهُ مَعَ قَوْمٍ لا يَسْتَقِيمُ لَهُ أَنْ يُقِيدَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلا ثَبْتٍ ، فَاطْلُبُوا لِي عِلْمَ ذَلِكَ آخُذْ لَكُمْ بِحَقِّكُمْ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لا يَجِدُونَ ثَبْتًا ، إِذَا مُوسَى قَدْ رَأَى مِنَ الْغَدِ ذَلِكَ الإِسْرَائِيلِيَّ يُقَاتِلُ رَجُلا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ آخَرَ ، فَاسْتَغَاثَهُ الإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ ، فَصَادَفَ مُوسَى قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ ، فَكَرِهَ الَّذِي رَأَى لِغَضَبِ الإِسْرَائِيلِيِّ ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ ، فَقَالَ لِلإِسْرَائِيلِيِّ لِمَا فَعَلَ أَمْسِ وَالْيَوْمَ : إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ سورة القصص آية 18 ، فَنَظَرَ الإِسْرَائِيلِيُّ إِلَى مُوسَى حِينَ قَالَ لَهُ مَا قَالَ ، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالأَمْسِ ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ ، وَمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ ، وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ ، فَخَافَ الإِسْرَائِيلِيُّ ، فَحَاجَزَ الْفِرْعَوْنِيَّ ، قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ سورة القصص آية 19 ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى لِيَقْتُلَهُ ، وَتَنَازَعَا وَتَطَاوَعَا ، وَانْطَلَقَ الْفِرْعَوْنِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنَ الإِسْرَائِيلِيِّ مِنَ الْخَبَرِ حِينَ يَقُولُ : أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ سورة القصص آية 19 ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ لِيَقْتُلُوا مُوسَى ، فَأَخَذَ رُسُلُ فِرْعَوْنَ الطَّرِيقَ الأَعْظَمَ يَمْشُونَ عَلَى هَيْئَتِهِمْ يَطْلُبُونَ لِمُوسَى ، وَهُمْ لا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتَهُمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، فَاخْتَصَرَ طَرِيقًا قَرِيبًا حَتَّى يَسْبِقَهُمْ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، فَخَرَجَ مُوسَى مُتَوَجِّهًا نَحْوَ مَدْيَنَ لَمْ يَلْقَ بَلاءً قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ بِالطَّرِيقِ عِلْمٌ إِلا حُسْنَ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ { 22 } وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ سورة القصص آية 22-23 يَعْنِي بِذَلِكَ : حَابِسَتَيْنِ غَنَمَهُمَا ، فَقَالَ لَهُمَا : مَا خَطْبُكُمَا مُعْتَزِلَتَيْنِ لا تَسْقِيَانِ مَعَ النَّاسِ ؟ قَالَتَا : لَيْسَ لَنَا قُوَّةٌ نُزَاحِمُ الْقَوْمَ ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ فُضُولَ حِيَاضِهِمْ ، فَسَقَى لَهُمَا ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ فِي الدَّلْوِ مَاءً كَثِيرًا حَتَّى كَانَ أَوَّلَ الرِّعَاءِ فَرَاغًا ، فَانْصَرَفَتَا بِغَنَمِهِمَا إِلَى أَبِيهِمَا ، وَانْصَرَفَ مُوسَى فَاسْتَظَلَّ بِشَجَرَةٍ ، فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ سورة القصص آية 24 ، فَاسْتَنْكَرَ أَبُوهُمَا سُرْعَةَ صُدُورِهِمَا بِغَنَمِهِمَا حُفَّلا بِطَانًا ، فَقَالَ : إِنَّ لَكُمَا الْيَوْمَ لَشَأْنًا ، فَأَخْبَرَتَاهُ بِمَا صَنَعَ مُوسَى ، فَأَمَرَ إِحْدَاهُمَا تَدْعُوهُ لَهُ ، فَأَتَتْ مُوسَى فَدَعَتْهُ ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ : لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ سورة القصص آية 25 ، لَيْسَ لِفِرْعَوْنَ ، وَلا لِقَوْمِهِ عَلَيْنَا سُلْطَانٌ ، وَلَسْنَا فِي مَمْلَكَتِهِ ، قَالَ : قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ سورة القصص آية 26 ، فَاحْتَمَلَتْهُ الْغَيْرَةُ عَلَى أَنْ قَالَ : وَمَا يُدْرِيكِ مَا قُوَّتُهُ ، وَمَا أَمَانَتُهُ ؟ قَالَتْ : أَمَّا قُوَّتُهُ ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الدَّلْوِ حِينَ سَقَى لَنَا ، لَمْ أَرَ رَجُلا أَقْوَى فِي ذَلِكَ السَّقْيِ مِنْهُ ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ ، فَإِنَّهُ نَظَرَ إِلَيَّ حِينَ أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ وَشَخَصْتُ لَهُ ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنِّي امْرَأَةٌ صَوَّبَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ حَتَّى بَلَّغْتُهُ رِسَالَتَكَ ، ثُمَّ قَالَ : امْشِي خَلْفِي ، وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ ، فَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا الأَمْرَ إِلا وَهُوَ أَمِينٌ ، فَسُرِّيَ عَنْ أَبِيهَا فَصَدَّقَهَا وَظَنَّ بِهِ الَّذِي قَالَتْ ، فَقَالَ لَهُ : هَلْ لَكَ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ سورة القصص آية 27 ، فَفَعَلَ فَكَانَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانُ سِنِينَ وَاجِبَةً ، وَكَانَتْ سَنَتَانِ عِدَةً مِنْهُ ، فَقَضَى اللَّهُ عَنْهُ عِدَتَهُ فَأَتَمَّهَا عَشْرًا ، قَالَ سَعِيدٌ : فَلَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى ؟ قُلْتُ : لا ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ لا أَدْرِي ، فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ ثَمَانِيًا كَانَ عَلَى مُوسَى وَاجِبَةً وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللَّهِ لِيَنْقُصَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَاضٍ عَنْ مُوسَى عِدَتَهُ الَّتِي وَعَدَ ، فَإِنَّهُ قَضَى عَشْرَ سِنِينَ ، فَلَقِيتُ النَّصْرَانِيَّ فَأَخْبَرْتُهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : الَّذِي سَأَلْتَهُ فَأَخْبَرَكَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَجَلْ ، وَأَوْلَى ، فَلَمَّا سَارَ مُوسَى بِأَهْلِهِ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّارِ ، وَالْعَصَا ، وَيَدِهِ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي الْقُرْآنِ ، فَشَكَا إِلَى رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا يَتَخَوَّفُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فِي الْقَتْلِ ، وَعَقْدِ لِسَانِهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي لِسَانِهِ عُقْدَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْكَلامِ ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعِينَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ يَكُونُ لَهُ رِدْءًا ، وَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ بِكَثِيرٍ مِمَّا لا يُفْصِحُ بِهِ لِسَانُهُ ، فَآتَاهُ اللَّهُ سُؤْلَهُ وَحَلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَارُونَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْقَاهُ ، فَانْدَفَعَ مُوسَى بِعَصَاهُ حَتَّى لَقِيَ هَارُونَ ، فَانْطَلَقَا جَمِيعًا إِلَى فِرْعَوْنَ ، فَأَقَامَا عَلَى بَابِهِ حِينًا لا يُؤْذَنُ لَهُمَا ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُمَا بَعْدَ حِجَابٍ شَدِيدٍ ، فَقَالا : إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ سورة طه آية 47 ، قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى سورة طه آية 49 ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ : فَمَا تُرِيدُ ، وَذَكَّرَهُ الْقَتِيلَ ، فَاعْتَذَرَ بِمَا قَدْ سَمِعْتَ ، وَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَتُرْسَلَ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَقَالَ : ائْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ فَاغِرَةٌ فَاهَا ، مُسْرِعَةٌ إِلَى فِرْعَوْنَ ، فَلَمَّا رَآهَا فِرْعَوْنُ قَاصِدَةً إِلَيْهِ خَافَهَا ، فَاقْتَحَمَ عَنْ سَرِيرِهِ ، وَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ فَفَعَلَ ، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَرَآهَا بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سَوْءٍ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ، ثُمَّ رَدَّهَا فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الأَوَّلِ ، فَاسْتَشَارَ الْمَلأَ حَوْلَهُ فِيمَا رَأَى ، فَقَالُوا لَهُ : إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى سورة طه آية 63 يَعْنِي مُلْكَهُمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْعَيْشَ ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا مِمَّا طَلَبَ ، وَقَالُوا لَهُ : اجْمَعْ لَنَا السَّحَرَةَ ، فَإِنَّهُمْ بِأَرْضِكَ كَثِيرٌ حَتَّى يَغْلِبَ سِحْرُهُمْ سِحْرَهُمَا ، فَأَرْسَلَ فِي الْمَدِينَةِ ، فَحَشَرَ لَهُ كُلَّ سَاحِرٍ مُتَعَالِمٍ ، فَلَمَّا أَتَوْا فِرْعَوْنَ ، قَالُوا : بِمَ يَعْمَلُ هَذَا السَّاحِرُ ؟ قَالُوا : يَعْمَلُ بِالْحَيَّاتِ ، قَالُوا : فَلا وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ فِي الأَرْضِ يَعْمَلُ السَّحَرَ بِالْحَيَّاتِ وَالْعِصِيِّ الَّذِي نَعْمَلُ ، فَمَا أَجْرُنَا إِنْ نَحْنُ غَلَبْنَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّكُمْ أَقَارِبِي وَخَاصَّتِي ، فَأَنَا صَانِعٌ إِلَيْكُمْ كُلَّ مَا أَحْبَبْتُمْ ، فَتَوَاعَدُوا يَوْمَ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى سورة طه آية 59 ، قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ الزِّينَةِ الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَالسَّحَرَةِ ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ ، قَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْطَلِقُوا فَلْنَحْضُرْ هَذَا الأَمْرَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ سورة الشعراء آية 40 يَعْنُونَ مُوسَى وَهَارُونَ اسْتِهْزَاءً بِهِمَا ، فَقَالُوا : يَا مُوسَى لِقُدْرَتِهِمْ بِسِحْرِهِمْ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ سورة الأعراف آية 115 قَالَ بَلْ أَلْقُوا سورة طه آية 66 ، فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ سورة الشعراء آية 44 ، فَرَأَى مُوسَى مِنْ سِحْرِهِمْ مَا أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ : أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ سورة الأعراف آية 117 ، فَلَمَّا أَلْقَاهَا صَارَتْ ثُعْبَانًا عَظِيمًا فَاغِرَةً فَاهَا ، فَجَعَلَتِ الْعِصِيُّ بِدَعْوَةِ مُوسَى تَلَبَّسُ بِالْحِبَالِ حَتَّى صَارَتْ جُرَزًا إِلَى الثُّعْبَانِ تَدْخُلُ فِيهِ ، حَتَّى مَا أَبْقَتْ عَصًا ، وَلا حَبْلا ، إِلا ابْتَلَعَتْهُ ، فَلَمَّا عَرَفَ السَّحَرَةُ ذَلِكَ قَالُوا : لَوْ كَانَ هَذَا سِحْرًا لَمْ يَبْلُغْ مِنْ سِحْرِنَا هَذَا ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى ، وَنَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ ، وَكَسَرَ اللَّهُ ظَهْرَ فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ وَأَشْيَاعِهِ ، وَأَظْهَرَ الْحَقَّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { 118 } فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ { 119 } سورة الأعراف آية 118-119 وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ بَارِزَةٌ مُتَبَذِّلَةٌ تَدْعُو اللَّهَ بِالنَّصْرِ لِمُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ ، فَمَنْ رَآهَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ظَنَّ أَنَّهَا ابْتَذَلَتْ لِلشَّفَقَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْيَاعِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ حُزْنُهَا وَهَمُّهَا لِمُوسَى ، فَلَمَّا طَالَ مُكْثُ مُوسَى لِمَوَاعِيدِ فِرْعَوْنَ الْكَاذِبَةِ ، كُلَّمَا جَاءَهُ بِآيَةٍ وَعَدَهُ عِنْدَهَا أَنْ يُرْسِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِذَا مَضَتْ أَخْلَفَ مَوَاعِيدَهُ ، وَقَالَ : هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يَصْنَعَ غَيْرَ هَذَا ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ الطُّوفَانَ ، وَالْجَرَادَ ، وَالْقُمَّلَ ، وَالضَّفَادِعَ ، وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ ، كُلُّ ذَلِكَ يَشْكُو إِلَى مُوسَى ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ ، وَيُوَافِقُهُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِذَا كَفَّ ذَلِكَ عَنْهُ أَخْلَفَ مَوْعِدَهُ وَنَكَثَ عَهْدَهُ ، حَتَّى أُمِرَ بِالْخُرُوجِ بِقَوْمِهِ ، فَخَرَجَ بِهِمْ لَيْلًا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ فِرْعَوْنُ وَرَأَى أَنَّهُمْ قَدْ مَضَوْا ، أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَتْبَعُهُمْ بِجُنُودٍ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْبَحْرِ : أَنْ إِذَا ضَرَبَكَ عَبْدِي مُوسَى بِعَصَاهُ ، فَانْفَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا حَتَّى يَجُوزَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ، ثُمَّ الْتَقِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَشْيَاعِهِ ، فَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِالْعَصَا ، فَانْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ وَلَهُ قَصِيفٌ مَخَافَةَ أَنْ يَضْرِبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ وَهُوَ غَافِلٌ ، فَيَصِيرَ عَاصِيًا ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ وَتَقَارَبَا ، قَالَ قَوْمُ مُوسَى : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ سورة الشعراء آية 61 ، افْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ ، فَإِنَّكَ لَنْ تُكْذَبَ وَلَنْ تَكْذِبَ ، فَقَالَ : وَعَدَنِي إِذَا أَتَيْتُ الْبَحْرَ أَنْ يُفَرْقَ لِي اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا حَتَّى أُجَاوِزَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَصَا ، فَضَرَبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ ، فَانْفَرَقَ لَهُ حِينَ دَنَا أَوَائِلُ جُنْدِ فِرْعَوْنَ مِنْ أَوَاخِرِ جُنْدِ مُوسَى ، فَانْفَرَقَ الْبَحْرُ كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ ، وَكَمَا وُعِدَ مُوسَى ، فَلَمَّا أَنْ جَاوَزَ مُوسَى وَأَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ ، وَدَخَلَ فِرْعَوْنُ وَأَصْحَابُهُ ، الْتَقَى عَلَيْهِمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَنْ جَاوَزَ مُوسَى الْبَحْرَ ، قَالُوا : إِنَّا نَخَافُ أَنْ لا يَكُونَ فِرْعَوْنُ غَرِقَ ، فَلا نُؤْمِنُ بِهَلاكِهِ ، فَدَعَا رَبَّهُ ، فَأَخْرَجَهُ لَهُ بِبَدَنِهِ حَتَّى اسْتَيْقَنُوا بِهَلاكِهِ ، ثُمَّ مَرُّوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ { 138 } إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { 139 } سورة الأعراف آية 138-139 ، قَدْ رَأَيْتُمْ مِنَ الْعِبَرِ ، وَسَمِعْتُمْ مَا يَكْفِيكُمْ ، وَمَضَى فَأَنْزَلَهُمْ مُوسَى مَنْزِلا ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَطِيعُوا هَارُونَ ، فَإِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُهُ عَلَيْكُمْ ، وَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ، وَأَجَّلَهُمْ ثَلاثِينَ يَوْمًا أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا أَتَى رَبَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي ثَلاثِينَ وَقَدْ صَامَهُنَّ : لَيْلَهُنَّ وَنَهَارَهُنَّ ، كَرِهَ أَنْ يُكَلِّمَ رَبَّهُ وَيَخْرُجَ مِنْ فَمِهِ رِيحَ فَمِ الصَّائِمِ ، فَتَنَاوَلَ مُوسَى شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ فَمَضَغَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ حِينَ أَتَاهُ : أَفَطَرْتَ ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالَّذِي كَانَ ، قَالَ : رَبِّ كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلا وَفَمِي طَيِّبُ الرِّيحِ ، قَالَ : " أَوَمَا عَلِمْتَ يَا مُوسَى أَنَّ رِيحَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدِي مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ؟ ارْجِعْ حَتَّى تَصُومَ عَشْرًا ، ثُمَّ ائْتِنِي " ، فَفَعَلَ مُوسَى مَا أُمِرَ بِهِ ، فَلَمَّا رَأَى قَوْمُ مُوسَى أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ لِلأَجَلِ ، قَالَ : سَاءَهُمْ ذَلِكَ ، وَكَانَ هَارُونُ قَدْ خَطَبَهُمْ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ وَلِقَوْمِ فِرْعَوْنَ عَوَارٍ وَوَدَائِعُ ، وَلَكُمْ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ ، وَأَنَا أَرَى أَنْ تَحْتَسِبُوا مَالَكُمْ عِنْدَهُمْ ، وَلا أُحِلُّ لَكُمْ وَدِيعَةً وَلا عَارِيَةً ، وَلَسْنَا بِرَادِّينَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلا مُمْسِكِيهِ لأَنْفُسِنَا ، فَحَفَرَ حَفِيرًا ، وَأَمَرَ كُلَّ قَوْمٍ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعٍ ، أَوْ حِلْيَةٍ أَنْ يَقْذِفُوهُ فِي ذَلِكَ الْحَفِيرِ ، ثُمَّ أَوَقَدَ عَلَيْهِ النَّارَ فَأَحْرَقَهُ ، فَقَالَ : لا يَكُونُ لَنَا وَلا لَهُمْ ، وَكَانَ السَّامِرِيُّ رَجُلا مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ ، جِيرَانٍ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَاحْتَمَلَ مَعَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ احْتَمَلُوا ، فَقُضِيَ لَهُ أَنْ رَأَى أَثَرًا ، فَأَخَذَ مِنْهُ قَبْضَةً ، فَمَرَّ بِهَارُونَ ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ : يَا سَامِرِيُّ ، أَلا تُلْقِي مَا فِي يَدِكَ ؟ وَهُوَ قَابِضٌ عَلَيْهِ لا يَرَاهُ أَحَدٌ طَوَالَ ذَلِكَ ، قَالَ : هَذِهِ قَبْضَةٌ مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ الَّذِي جَاوَزَ بِكُمُ الْبَحْرَ ، فَلا أُلْقِيهَا بِشَيْءٍ ، إِلا أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ إِذَا أَلْقَيْتُهَا أَنْ يَكُونَ مَا أُرِيدُ ، فَأَلْقَاهَا ، وَدَعَا لَهُ هَارُونُ ، وَقَالَ : أُرِيدُ أَنْ أُكَوِّنَ عِجْلا ، فَاجْتَمَعَ مَا كَانَ فِي الْحُفْرَةِ مِنْ مَتَاعٍ ، أَوْ حِلْيَةٍ ، أَوْ نُحَاسٍ ، أَوْ حَدِيدٍ ، فَصَارَ عِجْلا أَجْوَفَ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ لَهُ خُوَارٌ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلا وَاللَّهِ مَا كَانَ لَهُ صَوْتٌ قَطُّ ، إِنَّمَا كَانَتِ الرِّيحُ تَدْخُلُ مِنْ دُبُرِهِ وَتَخْرُجُ مِنْ فِيهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ الصَّوْتُ مِنْ ذَلِكَ ، فَتَفَرَّقَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِرَقًا : فَقَالَتْ فِرْقَةٌ : يَا سَامِرِيُّ ، مَا هَذَا فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ ؟ قَالَ : هَذَا رَبُّكُمْ ، وَلَكِنَّ مُوسَى أَضَلَّ الطَّرِيقَ ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : لا نُكَذِّبُ بِهَذَا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ، فَإِنْ كَانَ رَبَّنَا لَمْ نَكُنْ ضَيَّعْنَاهُ ، وَعَجَزْنَا فِيهِ حِينَ رَأَيْنَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبَّنَا ، فَإِنَّا نَتَّبِعُ قَوْلَ مُوسَى ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : هَذَا عَمَلُ الشَّيْطَانِ ، وَلَيْسَ بِرَبِّنَا ، وَلا نُؤْمِنُ بِهِ ، وَلا نُصَدِّقُ ، وَأُشْرِبَ فِرْقَةٌ فِي قُلُوبِهِمُ التَّصْدِيقَ بِمَا قَالَ السَّامِرِيُّ فِي الْعِجْلِ ، وَأَعْلَنُوا التَّكْذِيبَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ : يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ سورة طه آية 90 لَيْسَ هَكَذَا ، قَالُوا : فَمَا بَالُ مُوسَى وَعَدَنَا ثَلاثِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ أَخْلَفَنَا ؟ هَذِهِ أَرْبَعُونَ قَدْ مَضَتْ ، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ : أَخْطَأَ رَبَّهُ فَهُوَ يَطْلُبُهُ وَيَتْبَعُهُ ، فَلَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى ، وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ ، أَخْبَرَهُ بِمَا لَقِيَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا سورة طه آية 86 ، فَقَالَ لَهُمْ مَا سَمِعْتُمْ فِي الْقُرْآنِ : وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ سورة الأعراف آية 150 ، وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ ، ثُمَّ إِنَّهُ عَذَرَ أَخَاهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، وَانْصَرَفَ إِلَى السَّامِرِيِّ ، فَقَالَ لَهُ : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ : قَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ وَفَطِنْتُ لَهَا ، وَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ فَقَذَفْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي { 96 } قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا { 97 } سورة طه آية 96-97 ، وَلَوْ كَانَ إِلَهًا لَمْ تَخْلُصْ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ ، فَاسْتَيْقَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَاغْتَبَطَ الَّذِينَ كَانَ رَأْيُهُمْ فِيهِ مِثْلَ رَأْي هَارُونَ ، وَقَالُوا جَمَاعَتُهُمْ لِمُوسَى : سَلْ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَفْتَحَ لَنَا بَابَ تَوْبَةٍ نَصْنَعُهَا فَتُكَفِّرَ مَا عَمِلْنَا ، فَاخْتَارَ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِذَلِكَ لإِتْيَانِ الْجَبَلِ مِمَّنْ لَمْ يُشْرِكْ فِي الْعِجْلِ ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ لِيَسْأَلَ لَهُمُ التَّوْبَةَ ، فَرَجَفَتْ بِهِمُ الأَرْضُ ، فَاسْتَحْيَا نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ قَوْمِهِ وَوَفْدِهِ حِينَ فُعِلَ بِهِمْ مَا فُعِلَ ، فَقَالَ : رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا سورة الأعراف آية 155 ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مَا أُشْرِبَ مِنْ حُبِّ الْعِجْلِ إِيمَانًا بِهِ ، فَلِذَلِكَ رَجَفَتْ بِهِمُ الأَرْضُ ، فَقَالَ : رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ سورة الأعراف آية 156 - 157 ، فَقَالَ : رَبِّ سَأَلْتُكَ التَّوْبَةَ لِقَوْمِي ، فَقُلْتَ : إِنَّ رَحْمَتَكَ كَتَبْتَهَا لِقَوْمٍ غَيْرِ قَوْمِي ، فَلَيْتَكَ أَخَّرْتَنِي حَتَّى تُخْرِجَنِي حَيًّا فِي أُمَّةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْحُومَةِ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : إِنَّ تَوْبَتَهُمْ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كُلَّ مَنْ لَقِيَ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ ، فَيَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ لا يُبَالِي مَنْ قَتَلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ ، وَيَأْتِي أُولَئِكَ الَّذِينَ خَفِيَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ مَا اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَاعْتَرَفُوا بِهَا ، وَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ ، فَغَفَرَ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ مُوسَى مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَأَخَذَ الأَلْوَاحَ بَعْدَمَا سَكَتَ عَنْهُ الْغَضَبُ ، فَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مِنَ الْوَظَائِفِ ، فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا ، فَنَتَقَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ، وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ ، فَأَخَذُوا الْكِتَابَ بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُصْغُونَ إِلَى الْجَبَلِ وَالأَرْضِ ، وَالْكِتَابُ بِأَيْدِيهِمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى أَتَوُا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ، فَوَجَدُوا فِيهَا مَدِينَةً فِيهَا قَوْمٌ جَبَّارُونَ ، خَلْقُهُمْ خَلْقٌ مُنْكَرٌ ، وَذَكَرُوا مِنْ ثِمَارِهِمْ أَمْرًا عَجِيبًا مِنْ عِظَمِهَا ، فَقَالُوا : يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ سورة المائدة آية 22 ، لا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ ، وَلا نَدْخُلُهَا مَا دَامُوا فِيهَا ، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ سورة المائدة آية 22 ، قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ سورة المائدة آية 23 مِنَ الْجَبَّارِينَ : آمَنَّا بِمُوسَى ، فَخَرَجَا إِلَيْهِ ، فَقَالا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِقَوْمِنَا ، إِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تَخَافُونَ مِمَّا تَرَوْنَ مِنْ أَجْسَامِهِمْ وَعِدَّتِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لا قُلُوبَ لَهُمْ ، وَلا مَنَعَةَ عِنْدَهُمْ ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ، فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ سورة المائدة آية 23 ، وَيَقُولُ نَاسٌ : إِنَّهُمَا مِنْ قَوْمِ مُوسَى ، وَزُعِمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا مِنَ الْجَبَابِرَةِ آمَنَا بِمُوسَى ، يَقُولُ : مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ سورة المائدة آية 23 إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ يَخَافُهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ سورة المائدة آية 24 ، فَأَغْضَبُوا مُوسَى ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ فَاسِقِينَ ، وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَإِسَاءَتِهِمْ ، حَتَّى كَانَ يَوْمُئِذٍ ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فَسَمَّاهُمْ كَمَا سَمَّاهُمْ مُوسَى : فَاسِقِينَ ، وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ ، يُصْبِحُونَ كُلَّ يَوْمٍ فَيَسِيرُونَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ ، ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَابًا لا تَبْلَى وَلا تَتَّسِخُ ، وَجَعَلَ بَيْنَ ظُهُورِهِمْ حَجَرًا مُرَبَّعًا ، وَأَمَرَ مُوسَى فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا سورة البقرة آية 60 فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ ثَلاثَةُ أَعْيُنٍ ، وَأَعْلَمَ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمُ الَّتِي يَشْرَبُونَ مِنْهَا لا يَرْتَحِلُونَ مِنْ مَنْقَلَةٍ ، إِلا وُجِدَ ذَلِكَ الْحَجَرُ فِيهِمْ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ بِالأَمْسِ ، رَفَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَدَّقَ ذَلِكَ عِنْدِي ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ، حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ : أَنْ يَكُونَ الْفِرْعَوْنِيُّ هَذَا الَّذِي أَفْشَى عَلَى مُوسَى أَمْرَ الْقَتِيلِ الَّذِي قُتِلَ ، قَالَ : فَكَيْفَ يُفْشِي عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ ، وَلا ظَهَرَ عَلَيْهِ إِلا الإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي حَضَرَ ذَلِكَ ، وَشَهِدَهُ ؟ فَغَضِبَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَخَذَ بِيَدِ مُعَاوِيَةَ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، هَلْ تَذْكُرُ يَوْمَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتِيلِ مُوسَى الَّذِي قَتَلَهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ : الإِسْرَائِيلِيُّ أَفْشَى عَلَيْهِ أَمِ الْفِرْعَوْنِيُّ ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا أَفْشَى عَلَيْهِ الْفِرْعَوْنِيُّ بِمَا سَمِعَ مِنَ الإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي شَهِدَ ذَلِكَ وَحَضَرَهُ .

الرواه :

الأسم الرتبة
ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ

ثقة ثبت

الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ

ثقة

أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ الْجُهَنِيُّ

ثقة

يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ

ثقة متقن

أَبُو خَيْثَمَةَ

ثقة ثبت