تفسير

رقم الحديث : 22085

حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الآمُلِيُّ ، قَالَ : ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ الْجُهَنِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أبي أَيُّوبَ ، قَالَ : ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ " عَنْ قَوْلِ اللَّهِ لِمُوسَى : وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا سورة طه آية 40 ، فَسَأَلْتُهُ عن الْفُتُونِ ، مَا هِيَ ؟ ، فَقَالَ لِي : اسْتَأْنِفِ النَّهَارَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا طَوِيلا ، قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لأَنْتَجِزَ مِنْهُ مَا وَعَدَنِي ، قَالَ : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ وَمَا يَشُكُّونَ ، وَلَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ، فَلَمَّا هَلَكَ ، قَالُوا : لَيْسَ هَكَذَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ : فَكَيْفَ تَرَوْنَ ؟ ، قَالَ : فَأْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ ، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ رِجَالا مَعَهُمُ الشِّفَارُ يَطُوفُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إِلا ذَبَحُوهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكِبَارَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ ، وَأَنَّ الصَّغَارَ يُذْبَحُونَ ، قَالُوا : تُوشِكُون أَنْ تُفْنُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَتَصِيرُوا إِلَى أَنْ تُبَاشِرُوا مِنَ الأَعْمَالِ وَالْخِدْمَةِ الَّتِي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ ، فَاقْتُلُوا عَامًا كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ ، فَيَقِلَّ أَبَناؤُهُمْ ، وَدَعُوا عَامًا فَلا تقْتَلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا ، فَتَشِبُّ الصِّغَارُ مَكَانَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْكِبَارِ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بِمَنْ تَسْتَحْيُونَ مِنْهُمْ ، فَتَخَافُون مُكَاثَرَتَهُمْ إِيَّاكُمْ ، وَلَنْ يَقِلُّوا بِمَنْ تَقْتُلُونَ ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ الَّذِي لا يُذْبَحُ فِيهِ الْغِلْمَانُ ، فَوَلَدَتْهُ عَلانِيَةً آمِنَةً ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَمَلَتْ بِمُوسَى ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا الْهَمُّ وَالْحُزْنُ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا : وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ سورة القصص آية 7 ، وَأَمَرَهَا إِذَا وَلَدَتْهُ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي تَابُوتٍ ، ثُمَّ تُلْقِيَهِ فِي الْيَمِّ ، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ فَعَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ ، حَتَّى إِذَا تَوَارَى عَنْهَا ابْنُهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا : مَا صَنَعْتُ بِابْنِي ، لَوْ ذُبِحَ عِنْدِي فَوَارَيْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقِيهِ بِيَدِي إِلَى حِيتَانِ الْبَحْرِ وَدَوَابِّهِ ، فَانْطَلَقَ بِهِ الْمَاءُ حَتَّى أَوْفَى بِهِ عِنْدَ فُرْضَةِ مُسْتَقَى جَوَارِي آلِ فِرْعَوْنَ ، فَرَأَيْنَهُ فأَخَذْنَهُ ، فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ الباب ، فَقَالَ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ : إِنَّ فِي هَذَا مَالا ، وَإِنَّا إِنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدِّقْنَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ بِمَا وَجَدْنَا فِيهِ ، فَحَمَلْنَهُ كَهَيْئَتِهِ لَمْ يُحَرِّكْنَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى دَفَعْنَهُ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فِيهِ الغُلامَ ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحَبَّةً لَمْ يُلْقَ مِثْلُهَا مِنْهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا سورة القصص آية 10 مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى ، فَلَمَّا سَمِعَ الذَّبَّاحُونَ بِأَمْرِهِ أَقْبَلُوا إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ بِشِفَارِهِمْ ، يُرِيدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، فَقَالَتْ لِلذَّبَّاحِينَ : انْصَرِفُوا عَنِّي ، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لا يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَآتِي فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبُهُ إِيَّاهُ ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ ، فَلَمَّا أَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ ، قَالَتْ : قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ سورة القصص آية 9 ، قَالَ فِرْعَوْنُ : يَكُونُ لَكِ ، فَأَمَّا أَنَا فَلا حَاجَةَ لِي فِيهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ بِهِ ، لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ كُلِّ أُنْثَى لَهَا لَبَنٌ ، لِتَخْتَارَ لَهُ ظِئْرًا ، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لِتُرْضِعَهُ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا ، حَتَّى أَشْفَقَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ ، فَحَزَّنَهَا ذَلِكَ ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ مَجْمَعِ النَّاسِ تَرْجُو أَنْ تُصِيبَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُ مِنْهَا ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ ، وَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى ، فَقَالَتْ لأُخْتِهِ : قُصِّيهِ وَاطْلُبِيهِ ، هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا ؟ أَحَيُّ ابْنِي ، أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابُّ الْبَحْرِ وَحِيتَانُهُ ؟ وَنَسِيَتِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا ، فَبَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، فَقَالَتْ : مِنَ الْفَرَحِ حِينَ أَعْيَاهُمُ الظُّئُورَاتُ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ، فَأَخَذُوهَا ، وَقَالُوا : وَمَا يُدْرِيكِ مَا نُصْحُهُمْ لَهُ ؟ هَلْ يَعْرِفُونَهُ ؟ حَتَّى شَكُّوا فِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، فَقَالَتْ : نُصْحُهُمْ لَهُ وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ ، رَغْبَتُهُمْ فِي ظُئُورَةِ الْمَلِكِ ، وَرَجَاءُ مَنْفَعَتِهِ ، فَتَرَكُوهَا ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ ، فَجَاءَتْ ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا نَزَا إِلَى ثَدْيِهَا حَتَّى امْتَلأَ جَنْبَاهُ ، فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاءُ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يُبَشِّرُونَها أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لابْنِكِ ظِئْرًا ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا ، فَأُتِيَتْ بِهَا وَبِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ بِهَا ، قَالَتِ : امْكُثِي عِنْدِي تُرْضِعِي ابْنِي هَذَا فَإِنِّي لَمْ أُحِبَّ حُبَّهُ شَيْئًا قَطُّ ، قَالَ : فَقَالَتْ : لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي ، فَيَضِيعُ ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُكِ أَنْ تُعْطِينِيهِ فَأَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَيْتِي فَيَكُونَ مَعِي لا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْتُ ، وَإِلا فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي ، وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا ، فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ ، وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنْجِزٌ وَعْدَهُ ، فَرَجَعَتْ بِابْنِهَا إِلَى بَيْتِهَا مِنْ يَوْمِهَا ، فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًا ، وَحَفِظَهُ لِمَا قَضَى فِيهِ ، فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالسُّخْرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِمْ . فَلَمَّا تَرَعْرَعَ ، قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لأُمِّ مُوسَى : أَزِيرِينِي ابْنِي . فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُزِيرُهَا إِيَّاهُ فِيهِ ، فَقَالَتْ لِحَوَاضِنِهَا وَظُئُورَتِهَا وَقَهَارِمَتِهَا : لا يَبْقَيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلا اسْتَقْبَلَ ابْنِي بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ ليرَى ذَلِكَ ، وَأَنَا بَاعِثَةٌ أَمِينَةً تُحْصِي كُلَّ مَا يَصْنَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ ، فَلَمْ تَزَلِ الْهَدِيَّةُ وَالْكَرَامَةُ وَالتُّحَفُ تَسْتَقْبِلُهُ مِنْ حِينِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ إِلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا نَحَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَفَرِحَتْ بِهِ ، وَأَعْجَبَهَا مَا رَأَتْ مِنْ حُسْنِ أَثَرِهَا عَلَيْهِ ، وَقَالَتِ : انْطَلِقْنَ بِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ ، فَلْيُنْحِلْهُ وَلْيُكْرِمْهُ . فَلَمَّا دَخَلْن بِهِ عَلَيْهِ جَعَلْنَهُ فِي حِجْرِهِ ، فَتَنَاوَلَ مُوسَى لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ حَتَّى مَدَّهَا ، فَقَالَ : عَدُوٌّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ : أَلا تَرَى مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَيَصْرَعُكَ وَيَعْلُوكَ ، فَأَرْسِلْ إِلَى الذَّبَّاحِينَ لِيَذْبَحُوهُ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، بَعْدَ كُلِّ بَلاءٍ ابْتُلِيَ بِهِ وَأُرِيدُ بِهِ . فَجَاءَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تَسْعَى إِلَى فِرْعَوْنَ ، فَقَالَتْ : مَا بَدَا لَكَ فِي هَذَا الصَّبِيِّ الَّذِي قَدْ وَهَبْتَهُ لِي ؟ قَالَ : أَلا تَرَيْنَه يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيَصْرَعُنِي وَيَعْلُونِي ، فَقَالَتِ : أجْعَلُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَمْرًا تَعْرِفُ فِيهِ الْحَقَّ ، ائْتِ بِجَمْرَتَيْنِ وَلُؤْلُؤَتَيْنِ ، فَقَرِّبْهُنَّ إِلَيْهِ ، فَإِنْ بَطَشَ بِاللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْنِ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَعْقِلُ ، وَإِنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ وَلَمْ يُرِدِ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا لا يُؤْثِرُ الْجَمْرَتَيْنِ عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَهُوَ يَعْقِلُ ، فَقَرَّبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْنِ ، فَنَزَعُوهُمَا مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ تَحْرِقَا يَدَهُ ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : أَلا تَرَى ؟ فَصَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَا كَانَ قَدْ هَمَّ بِهِ ، وَكَانَ اللَّهُ بَالِغًا فِيهِ أَمْرَهُ . فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ، وَكَانَ مِنَ الرِّجَالِ ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِظُلْمٍ وَلا سُخْرَةٍ ، حَتَّى امْتَنَعُوا كُلَّ امْتِنَاعٍ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ، إِذْ هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ، أَحَدُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَالآخَرُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، فَاسْتَغَاثَهُ الإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ ، فَغَضِبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ؛ لأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَحِفْظَهُ لَهُمْ ، وَلا يَعْلَمُ النَّاسُ إِلا أَنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّضَاعَةِ غَيْرَ أُمُّ مُوسَى ، إِلا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَطْلَعَ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ ، فَوَكَزَ مُوسَى الْفِرْعَوْنيَّ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَدٌ إِلا اللَّهُ وَالإِسْرَائِيلِيُّ ، فَقَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ : هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ سورة القصص آية 15 ، ثُمَّ قَالَ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ سورة القصص آية 16 . فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الأَخْبَارَ ، فَأُتِيَ فِرْعَوْنُ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، فَخُذْ لَنَا بِحَقِّنَا وَلا تُرَخِّصْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : أبْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ يَشَهَدُ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ أَنْ نَقْضَيَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلا ثَبْتٍ ، فَطَلَبُوا لَهُ ذَلِكَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لا يَجِدُونَ ثَبْتًا ، إِذْ مَرَّ مُوسَى مِنَ الْغَدِ ، فَرَأَى ذَلِكَ الإِسْرَائِيلِيَّ يُقَاتِلُ فِرْعَوْنِيًّا ، فَاسْتَغَاثَهُ الإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ ، فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ بِالأَمْسِ وَكَرِهَ الَّذِي رَأَى ، فَغَضِبَ مُوسَى ، فَمَدَّ يَدَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ ، فَقَالَ لِلإِسْرَائِيلِيِّ لِمَا فَعَلَ بِالأَمْسِ وَالْيَوْمَ : إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ سورة القصص آية 18 . فَنَظَرَ الإِسْرَائِيلِيُّ إِلَى مُوسَى بَعْدَ مَا قَالَ ما قال ، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالأَمْسِ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الْفِرْعَوْنِيَّ ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ : إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ سورة القصص آية 18 . أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ ، وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ ، إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ فَخَافَ الإِسْرَائِيلِيُّ فَحَاجَزَ الْفِرْعَوْنِيَّ ، فَقَالَ : يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ سورة القصص آية 19 . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى لِيَقْتُلَهُ ، فَتَتَارَكَا ، فَانْطَلَقَ الْفِرْعَوْنِيُّ إِلَى قَوْمِهِ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنَ الإِسْرَائِيلِيِّ مِنَ الْخَبَرِ حِينَ يَقُولُ : أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ سورة القصص آية 19 . فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ إلى الذَّبَّاحِينَ ، فَسَلَكَ مُوسَى الطَّرِيقَ الأَعْظَمَ ، فَطَلَبُوهُ وَهُمْ لا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتَهُمْ ، وَكان رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، فَاخْتَصَرَ طَرِيقًا قَرِيبًا حَتَّى سَبَقَهُمْ إِلَى مُوسَى ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ

صحابي

سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ

ثقة ثبت

الْقَاسِمُ بْنُ أبي أَيُّوبَ

ثقة

أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ الْجُهَنِيُّ

ثقة

يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ

ثقة متقن

الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الآمُلِيُّ

ثقة