تفسير

رقم الحديث : 1377

وَبِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلَمَنَكِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَهْدِي ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : " جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ : " اعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً " ، قَالَ : يا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي صَاحِبُ إِبِلٍ ، قَالَ : فَانْحَرْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً " . وَقَالُوا : لما أوجب اللَّه تَعَالَى عَلَى قاتل الخطأ ولا ذنب لَهُ كَفَّارَة فِي ذَلِكَ ، كَانَ العامد المذنب أحق بالكفارة . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أما حَدِيث واثلة فلا يصح ، لأن الغريف مجهول ، وَقَدْ ظن قوم أَنَّهُ عَبْد اللَّهِ بْن فيروز الديلمي وَهَذَا خَطَأ ، لأن ابْن المبارك نسب الغريف ، عَنِ ابْن علية فَقَالَ ابْن عياش : وَلَمْ يكن فِي بَنِي عَبْد اللَّهِ بْن فيروز أحد يسمى عياشا ، وَابْن المبارك أوثق وأضبط من عَبْد اللَّهِ بْن سالم . ثُمَّ لو صح هَذَا الْخَبَر لما كانت لهم فِيهِ حجة ، لأنه لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ قتل عمدا ، فإذ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ : فلا شبهة لهم فِي هَذَا الْحَدِيث أصلا . وإنما فِيهِ أَن صاحبا لنا قَدْ أوجب ، ولا يعرف فِي اللغة أَن أوجب بمعنى قتل عمدا ، فصار هَذَا التأويل كذبا مجردا ، ودعوى عَلَى اللغة لا تعرف . وَقَدْ يَكُون معنى أوجب أي أوجب لنفسه النار بكثرة معاصيه ، ويكون معنى قَدْ أوجب أي قَدْ حضرت منيته فَقَدْ ، يقال : هَذَا أوجب فُلان ؟ بمعنى مَات ، فبطل قولهم . وَقَدْ قَالَ قوم : إِن سكوت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَر عَنْ ذَكَرَ الرقبة ، أَن تكون مؤمنة ، وَعَن تعويض الشهرين : دَلِيل عَلَى بطلان قَوْل من أوجب الْكَفَّارَة فِي قتل العمد . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَأَمَّا خَبَر عُمَر بْن الْخَطَّاب ، فلا يصح ، لأن فِي طريقه إسرائيل وَهُوَ لَيْسَ بالقوي وسماك بْن حرب ، وَكَانَ يقبل التلقين . وَأَيْضًا ، فكان يَكُون فِي إيجاب ذَلِكَ عَلَى كُل من قتل نفسا فِي الجاهلية وَهُوَ كافر حربي كما كَانَ قيس بْن عَاصِم المأمور بِهَذِهِ الْكَفَّارَة ، فِي هَذَا الْحَدِيث وهم لا يقولون بِهَذَا أصلا ، فبطل تعلقهم بِهَذَا الْخَبَر . وَأَمَّا الشَّافِعِي : فإنه وإن كَانَ أطرد مِنْهُمْ للخطأ فِي قولهم ، فَقَدْ أخطأ معهم فِيهِ أَيْضًا ، لأن من أصلهم أَن لا يقاس الشَيْء إلا عَلَى نظيره ، وما يشبهه لا عَلَى ضده ، وما لا يشبهه ، فالخطأ هاهنا فِي قياس العمد عَلَى الخطأ وَهُوَ ضده . وأخطئوا أَيْضًا كلهم مَعَهُ فِي قياسهم المخطئ فِي الصيد يقتله محرما عَلَى المحرم يقتله عامدا ، فقاسوا أَيْضًا هنالك الخطأ عَلَى العمد ، وَهُوَ ضده . وأخطئوا أَيْضًا مَعَهُ كلهم فِي قياسهم ترك الصلاة عمدا عَلَى تركها نسيانا . وَقَدْ شاركهما الشَّافِعِي أَيْضًا فِي خَطَأ آخر فِي هَذَا الْبَاب ، وَهُوَ قولهم كلهم : أَن لا يقاس متعمد التسليم من الصلاة قبل إتمامها فِي إيجاب السجدتين عَلَيْهِ عَلَى الْمُسْلِم من الصلاة قبل إتمامها نسيانا فَهَذِهِ صفة الْقِيَاس ، وصفة أقوالهم فِي قياساتهم كلها ، يهدم بَعْضهَا بَعْضًا ، وينقض بَعْضهَا بَعْضًا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : فإذ لا حجة فِي إيجاب الْكَفَّارَة عَلَى قاتل العمد ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، فَإِن اللَّه تَعَالَى يَقُول : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ سورة الأنعام آية 38 ، وَقَالَ تَعَالَى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا سورة المائدة آية 3 ، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " . فصح أَن الدين كله قَدْ كمل وبينه اللَّه تَعَالَى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وبيقين ندري أَنَّهُ لو كَانَ فِي قتل العمد كَفَّارَة محدودة لبينها اللَّه تَعَالَى ، كما بَيْنَ لنا الْكَفَّارَة فِي قتل الخطأ . وكما بَيْنَ لنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجود الْقَوَد ، أَوِ الدِّيَة ، أَوِ المفاداة ، فِي ذَلِكَ . فإذ لَمْ يخبرنا اللَّه تَعَالَى بشَيْء من ذَلِكَ ، ولا أوجبه هُوَ ، ولا رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن نشهد بشهادة اللَّه تَعَالَى ، أَنَّهُ مَا أراد قط كَفَّارَة محدودة فِي ذَلِكَ ، ولكن اللَّه تَعَالَى يَقُول : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ سورة الأنبياء آية 47 إِلَى قَوْله تَعَالَى : وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ سورة الأنبياء آية 47 ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ سورة هود آية 114 ، فمن ابتلي بقتل مُسْلِم عمدا فَقَد ابتلي بأكبر الكبائر بَعْد الشرك ، وترك الصلاة ففرض عَلَيْهِ أَن يسعى فِي خلاص نَفْسه من النار ، فليكثر من فعل الخير : العتق ، والصدقة ، والجهاد ، والحج ، والصوم والصلاة ، وذكر اللَّه تَعَالَى ، فلعله يَأْتِي من ذَلِكَ بمقدار يوازي إساءته فِي القتل ، فيسقط عَنْهُ . ونسأل اللَّه العافية .

الرواه :

الأسم الرتبة
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

صحابي

النُّعْمَانِ

صحابي صغير

إِسْرَائِيلُ

ثقة

عَبْدُ الرَّزَّاقِ

ثقة حافظ

الْحَسَنُ بْنُ مَهْدِي

صدوق حسن الحديث

أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ

ثقة حافظ

مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ

ضعيف الحديث

ابْنُ مُفَرِّجٍ

ثقة حافظ

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلَمَنَكِيُّ

ثقة حافظ