حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سدوس النسوي ، حَدَّثَنَا حميد بْن زَنْجَويه ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خداش ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن قُتَيْبَة ، عَن ميسرة بْن عَبْد ربه ، عَن عُمَرَ بْن سُلَيْمَان الدمشقي ، عَن الضحاك ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، مَرْفُوعًا : " لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ فِيهَا أَعَاجِيبَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ الَّذِي رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ دِيكٌ لَهُ زَغَبٌ أَخْضَرُ ، وَرِيشٌ أَبْيَضُ ، بَيَاضُ رِيشِهِ كَأَشَدِّ بَيَاضٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ ، وَزَغَبُهُ تَحْتَ رِيشِهِ أَخْضَرُ كَأَشَدِّ خُضْرَةٍ رَأَيْتُهَا قَطُّ ، وَإِذَا رِجْلاهُ فِي تُخُومِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى ، وَرَأْسُهُ تَحْتَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ ثَانِيَ عُنُقِهِ تَحْتَ الْعَرْشِ ، لَهُ جَنَاحَانِ فِي مَنْكِبَيْهِ ، إِذَا نَشَرَهُمَا جَاوَزَا الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ ، فَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ وَخَفَقَ بِهِمَا ، وَصَرَخَ بِالتَّسْبِيحِ لِلَّهِ ، يَقُولُ : سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ ، لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ . فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَبَّحَتْ دِيَكَةُ الأَرْضِ كُلُّهَا ، وَخَفَقَتْ بِأَجْنِحَتِهَا ، وَأَخَذَتْ فِي الصُّرَاخِ ، فَإِذَا سَكَنَ ذَلِكَ الدِّيكُ فِي السَّمَاءِ سَكَنَتِ الدِّيَكَةُ فِي الأَرْضِ " . قَالَ ابن حبان : وذكر حديثًا طويلاً فِي قصة المعراج شبيهًا بعشرين ورقة ، قلتُ : وتَمامه " ثُمَّ إذا كَانَ فِي بعض الليل نشر جناحيه فِي آفاق المشرق والمغرب ، فخفق بِهما ، وصرخ بالتسبيح لله تعالى ، ويقول : سبحان الله العلي العظيم ، سبحان الله العزيز القهار ، سبحان الله ذي العرش المجيد الرفيع ، فإذا فعل ذَلِكَ سبحت ديكة الأرض كلها عَنْد قوله ، وخفقت بأجنحتها ، وأخذت فِي الصريخ ، فإذا سكن ذَلِكَ الديك سكنت الديكة فِي الأرض ، ثُمَّ إذا هاج ذَلِكَ الديك هاجت الديكة فِي الأرض ، إذ يجاوبنه بالتسبيح لله تعالى تُعلن مثل قوله ، فلم أزل منذ رأيت ذَلِكَ الديك مشتاقًا إلى أن أراهُ الثانية ، ثُمَّ مررتُ بِخلق عجب من العجب من الملائكة ، نصف جسده مما يلي رأسه ثلج ، والآخر نار ما بينهما رتق ، فلا النار تُذيب الثلج ، ولا الثلج يُطفئ النار ، وهو قائم يُنادي بصوت لَهُ رفيع جدًا ، يَقُولُ : سبحان ربي الَّذِي كف برد هذا الثلج ، فلا يُطفئ حر النار ، سبحان ربي الَّذِي كف حر هذه النار فلا تُذيب هذا الثلج ، اللَّهُمَّ مؤلفًا بين الثلج والنار ، ألف بين قلوب عبادك المؤمنين ، فقلتُ : من هذا يا جبريل ؟ فقال : ملكُ من الملائكة ، وصله الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين ، وهو من أنصح الملائكة لأهل الأرض من المؤمنين يدعو لَهُم بِما تسمع ، فهذا قوله منذ خلق . ثُمَّ مررت بِملك آخر جالس عَلَى كرسي ، فإذا جميع الدُّنْيَا ومن فيها بين ركبتيه ، وبيده لوحٌ من نور مكتوب ينظر فِيهِ لا يلتفتُ عَنْهُ يمينًا ولا شمالاً ، مقبلٌ عَلَيْهِ ، فقلتُ لَهُ : من هذا يا جبريل ؟ قَالَ : هذا ملك الموت دائب فِي قبض الأرواح ، وهو أشد الملائكة عَملاً . فقلتُ : يا جبريل ، إن كل من مات من ذوي الأرواح أو هُوَ ميت فيما بعد ، أهذا يقبض روحه ، قَالَ : نعم . قلتُ : أفيراهم أينما كانوا ، ويشهدهم بنفسه ؟ قَالَ : نعم ، فقلتُ : كفى بالموت طامة . فقال جبريل : إن ما بعد الموت أطم وأعظم ، فقلتُ : وما ذاك يا جبريل ؟ قَالَ : منكرٌ ونكير ، يأتيان كل إنسان من البشر حين يوضعُ فِي قبره ، ويترك وحيدًا ، فقلتُ : أرنيهما يا جبريل ؟ قَالَ : لا تفعل يا مُحَمَّد ، فإني أرهبُ أن تفزع منهما ، وتهال أشد الهول ، ولا يراهما أحد من ولد آدم إلا بعد الموت ، ولا يراهما أحد من البشر إلا مات فزعًا منهما ، وهما أعظمُ شأنًا مما تظن . قلتُ : يا جبريل ، صفهما لي . قَالَ : نعم . من غير أن أذكر لك طولهما ، ذكر ذَلِكَ منهما أفظعُ ، غير أن أصواتَهُما كالرعد القاصف ، وأعينهما كالبرق الخاطف ، وأنيابَهُما كصياصي البقر ، يخرجُ لَهب النار من أفواههما ومناخرهما ومسامعهما ، يكسحان الأرضِ بأشعارهما ، ويحفران الأرض بأظفارهما ، مَعَ كل واحد منهما عمود من حديد ، لو اجتمع عَلَيْهِ جميع من فِي الأرض ما حركوهُ ، يأتيانِ الْإِنْسَان إذا وضع فِي قبره ، وترك وحيدًا ، يسلطان عَلَيْهِ فترد روحه فِي جسده بإذن الله تعالى ، ثُمَّ يقعدانه فِي قبره ، وينتهرانه انتهارًا تتقعقعُ منه عظامه ، وتزولُ أعضاؤه من مفاصله ، فيخر مغشيًا عَلَيْهِ ، ثُمَّ يقعدانه فِي قبره ، فيقولان : يا هذا ، إنك فِي البرزخ فاعقل ذَلِكَ ، واعرف مكانك . وينتهرانه ثانيًا ، ويقولانِ : يا هذا قد ذهبت من الدُّنْيَا وأفضيتَ إلى معادك ، أَخْبَرَنَا من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ؟ فإن كَانَ مؤمنًا لقنه الله تعالى حجته ، فيقول : ربي الله ، ونبيي مُحَمَّد ، وديني الْإسْلَام . فينتهرانه عِنْدَ ذَلِكَ انتهارًا يرى أن أوصاله قد تفرقت ، وعروقه قد تقطعت ، فيقولان : تثبت يا هذا ، وانظر ما تَقُولُ . فيثبت الله عبده المؤمن بالقول الثابت فِي الحياة الدُّنْيَا وفي الآخرة ، ويلقيه الأمن ويدرأ عَنْهُ الفزع حتى لا يخافهما ، فإذا فعل الله ذَلِكَ بعبده المؤمن استأنس إليهما ، وأقبلَ عليهما ، ويقول : تهدداني كيما أشكُ فِي ديني ، أتريدان أن أتخذ غيره وليًا ، فأشهدُ أن لا إله إلا هُوَ ربي وربكما ، ورب كل شيء ، ونبيي مُحَمَّد ، وديني الْإسْلَام . فينتهرانه ويسألانه الثلاثة ، فيقولُ : ربي الله فاطر السماوات والأرض ، فإيّاهُ كنت أعبد ، لَم أشرك بِهِ شيئًا ، ولَمْ أتخذ غيره وليًا ، أتريدان أن ترداني عَن معرفة ربي وعبادتي إيّاهُ ، هُوَ الله لا إله إلا هُوَ ربي وربكما ورب كل شيء ، ونبيي مُحَمَّد ، وديني الْإسْلَام . فإذا قَالَ ذَلِكَ ثلاث مرات مجاوبة لَهما ، تواضعا حتى يستأنسُ إليهما أحسن ما يكون فِي الدُّنْيَا إلى أهل وده وقرابته ، فيقولان : صدقت وبررت وفقك الله وثبتك ، أبشر بالجنة وكرامة الله . ثُمَّ يدفعان قبره فيتسع عَلَيْهِ مد البصر ، ويفتحان لَهُ بابًا إلى الجنة ، فيدخل عَلَيْهِ من ريح الجنة وطيب نسيمها ونورها ما يعرف بِهِ كرامة الله ، فإذا رأى ذَلِكَ استيقنَ الفوز وحمد الله ، فيفرشانِ لَهُ فراشًا من استبرق الجنة ، ويضعانِ لَهُ مصباحًا من نور عِنْدَ رأسه ، ومصباحًا من نور عِنْدَ رجليه ، يزهران لَهُ فِي قبره بأضوأ من الشمس ، لا يُطفئان عَنْهُ إلى يوم القيامة ، حتى يبعث من قبره ، ثُمَّ يدخل عَلَيْهِ من الجنة ريحٌ ، فحين يشمها يغشاهُ النعاس وينامُ ، ويقولان لَهُ : ارقد رقدة العروس قرير العين لا خوف عليك ولا حزن . ثُمَّ يمثلان لَهُ عمله الصالح فِي أحسن صورة وأطيب ريح ، فيكون عِنْدَ رأسه ، ويقولان : هذا عملكَ الصالِح وكلامك الطيب ، قد مثله الله فِي أحسن ما ترى من صورة يريك فِي قبرك فلا تكون وحيدًا ، ويدرأُ عنك هوام الأرض وكل أذى ، ولا يخذلك فِي قبرك ولا فِي شيء من مواطن القيامة ، حتى يُدخلك الجنة برحمة ربك ، فنم سعيدًا طوبى لك وحسن مآب . ثُمَّ يسلمان عَلَيْهِ . وينصرفان عَنْهُ ، قلتُ : يا جبريل ، لقد شوقتني إلى الموت من حسن حديثك ، فأدنني من ملك الموت . فأدناني فسلمتُ عَلَيْهِ ، وقال لَهُ جبريل : هذا مُحَمَّد نبي الرحمة الَّذِي أرسله الله فِي العرب رسولاً نبيًّا . فرحب بي وحياني بالسلام ، وأنعم بشاشتي وأحسن بشراي ، ثُمَّ قَالَ : أبشر يا مُحَمَّد ، فإن إليك الخير كله فِي أمتك . فقلت : الحمد لله المنان بالنعم ، ذَلِكَ من رحمة ربي لي ونعمته عَلَى . قلت : ما هذا اللوح الَّذِي بين يديك يا ملك الموت ؟ قَالَ : مكتوب فِيهِ آجال الخلق . قلتُ : أفلا تخبرني عمن قبضت روحه فِي الدهور الخالية . قَالَ : تِلْكَ الأرواح فِي ألواح أخرى ، قد علمت عليها ، وكذلك أصنعُ بكل ذي روح ، إذا قبضت روحه علمت عَلَيْهِ . فقلت : يا ملك الموت ، فكيف تقدر عَلَى قبض أرواح جميع من فِي الأرض أهل بلادها وكورها وما بين مشارقها ومغاربها ؟ قَالَ : ألا ترى أن الدُّنْيَا كلها بين ركبتي ، وجميع الخلائق بين عيني ، ويداي يبلغان المشرق والمغرب وخلفهما بعيدًا ، فإذا نفذ أجل عَبْد نظرت إِلَيْهِ ، فإذا أبصر أعواني من الملائكة نظري إلى عَبْد من عُبَيْد الله عرفوا أَنَّهُ مقبوض ، فعمدوا إِلَيْهِ فبطشوا بِهِ يُعالجون من نزع روحه ، فإذا بلغت الروح الحلقوم علمت ذَلِكَ ولا يخفى عَليَّ من أمره شيء ، مددتُ يدي إِلَيْهِ فانتزعتُ روحه من جسده وأقبضه ، فذلك أمري وأمر ذوي الأرواح من عباد الله . فأبكاني حديثه ، ثُمَّ جاوزناهُ فمررتُ بِملك عظيم ما رأيتُ من الملائكة خلقًا مثله ، كالح الوجه ، كريه المنظر ، شديد البطش ، ظاهر الغضب ، فلما نظرت إِلَيْهِ رعبت ، فقلت : يا جبريل ، من هذا ؟ فإني قد رعبتُ منه رعبًا شديدًا . قَالَ : لا تعجب أن ترعب منه يا مُحَمَّد ، فكلنا بِمنزلتك من الرعب منه ، هذا مالك خازن جهنم لَم يتبسم قط ، ولَمْ يزل منذ ولاه الله جهنم يزدادُ كل يوم غضبًا وغيظًا عَلَى أعداء الله وأهل معصيته ، لينتقمَ الله بِهِ منهم . فسلمتُ عَلَيْهِ فرد عليّ ، وكلمته فأجابني وبشرني بالجنة ، قلتُ لَهُ : مذ كم أنت واقد عَلَى جهنم ؟ قَالَ : منذ خلقت حتى الآن ، وكذلك حتى الساعة . قلت : يا جبريل ، مره فليفتح بابًا منها . فأمره بذلك ففعل ، فخرج منها لهبٌ ساطع أسود معه دخانٌ كدر مظلم امتلأت منه الآفاق وسطع اللهب فِي السماء ، لَهُ قصيف ومعمة ، فرأيتُ منه هَولاً فظيعًا وأمرًا عظيمًا أعجزَ عَن صفته ، فكاد يغشى عليّ وتزهقُ نفسي ، فقلتُ : يا جبريل ، مره فليردده فأمر بذلك ، ففعل ، ثُمَّ جاوزناهُ ومررتُ بِملائكة كثيرة لا يُحصي عددهم إلا الله الواحد الملك القهار ، منهم من لَهُ وجوه كثيرة بين كتفيه الله أعلم بعدِّها ، ثُمَّ وجوه كثيرة فِي صدره ، وفي كل وجه من تِلْكَ الوجوه أفواه وألسن ، وهم يَحْمَدون الله ويُسبحونه بتلك الألسن كلها ، فرأيت من خلقهم وعبادتهم لله أمرًا عظيمًا ، فجاوزنَاهم من سماء إلى سماء ، حتى بلغنا بقوة الله إلى السماء السادسة ، فإذا خلق كثير فوق وصف الواصفين يَموجُ بعضهم فِي بعض كثرة ، وإذا كل ملك منهم ممتلئ ما بين رأسه ورجليه وجوه وأجنحة ، وليس من فم ، ولا رأس ، ولا وجه ، ولا عين ، ولا لسان ، ولا أذن ، ولا جناح ، ولا يد ، ولا رَجُل ، ولا عضو ، ولا شعر ، إلا يُسبح الله بِحمده ويذكر من آلائه وثنائه بِكلام لا يذكره العضو الآخر ، رافعين أصواتَهم بالبكاء من خشية الله والتحميد لَهُ وعبادته ، لو سَمِعَ أهلُ الأرض صوت ملك منهم لماتوا كلهم فزعًا من شدة هوله ، قلت : يا جبريل ، من هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : سبحان الله العظيم هَؤُلَاءِ الكروبيون عَن عبادتهم لله وتسبيحهم لَهُ ، وبكائهم من خشيته ، خلقوا كما ترى لم يكلم واحد منهم صاحبه إلى جنبه قط ، ولم ير وجهه ، ولَم يرفعوا رءوسهم إلى السماء السابعة منذ خلقوا ، ولَمْ ينظروا إلى ما تَحْتَهُم من السماوات والأرضين خشوعًا ، فِي جسمهم ، وخوفًا من ربهم . فأقبلتُ عليهم بالسلام ، فجعلوا يردونَ علي إيماء ولا يكلموني ، ولا ينظرونَ إلى من الخشوع ، فلما رأى ذَلِكَ جبريل ، قَالَ : هذا مُحَمَّد ، نبي الرحمة الَّذِي أرسله الله فِي العرب نبيًّا ، وهو خاتَمُ الأنبياء وسيد البشر ، أفلا تكلمونه ؟ فلما سمعوا ذَلِكَ من جبريل ، وذكره أمري بِما ذكر ، أقبلوا علي بالتحية والسلام ، فأحسنوا بشارتي وكلموني ، وبشروني بالخير لأمتي ، ثُمَّ أقبلوا عَلَى عبادتهم كما كانوا ، فأطلقت المكث عندهم ، والنظر إليهم تعجبًا منهم لعظم خلقهم وفضل عبادتهم ، ثُمَّ جاوزناهم ، فحملني جبريل فأدخلني السماء السابعة ، فأبصرتُ فيها خلقًا وملائكة من خلق ربهم ، لَمْ يؤذن لي أن أحدثكم عنهم ولا أصفهم لكم ، ثُمَّ أخبركم إن الله أعطاني عِنْدَ ذَلِكَ مثل قوة أهل الأرض ، وزادني من عنده ما هُوَ أعلم بِهِ ، ومنَّ عليّ بالثبات وحدد بصري لرؤية نورهم ، ولولا ذَلِكَ ما استطعتُ النظر ، فقلتُ : سبحان الله العظيم الَّذِي خلق مثل هَؤُلَاءِ . قلت : من هَؤُلَاءِ يا جبريل ؟ فأخبرني وقص علي من شأنِهم العجب ، ولَمْ يؤذن لي أن أحدثكم عنهم ، ثُمَّ جاوزناهم فأخذ جبريل بيدي ، فرفعني إلى عليين حتى انتهى بي إلى أشراف الملائكة وعظمائهم ورؤسائهم ، فنظرتُ إلى سبعين صفًا من الملائكة صفًا خلف صف ، وقد افترقت أقدامهم تخوم الأرض السابعة ، وجاوزت حيث لا يعلمه إلا الله ، حتى استقرت عَلَى السهوم يعني حجابًا فِي الظلمة ، وامترقت رءوسهم السماء السابعة العليا ، ونفذت فِي عليين حيث شاء الله فِي الهواء ، وإذا من وسط رءوسهم إلى منتهى أقدامهم وجوه ونور وأجنحة ، ووجوه شتى لا يشبه بعضها بعضًا ، وأنوارهم شتى لا يشبه بعضها بعضًا ، وأجنحتهم شتى لا يشبه بعضها بعضًا ، تَحارُ أبصارُ الناظرين دونهم ، فنبت عيناي عنهم لما نظرت من عجائب خلقهم وشدة هولِهم وتلألؤ نورهم ، فخالطني منهم فزع شديد حتى استعلتني الرعدة ، فنظرتُ إلى جبريل ، فقال : لا تَخف يا مُحَمَّد ، فإن الله عز وجل قد أكرمكَ بكرامة لَمْ يُكرم بِهَا أحد قبلك وبلغ بك مكانًا لَم يبلغ إِلَيْهِ أحد قبلك ، وإنك سترى أمرًا عظيمًا وخلقًا عجيبًا من خلق رب العزة ، فتثبت يقوك الله ، وتجلد فإنك سترى أعجب من الَّذِي رَأَيْته وأعظم أضعافًا كثيرة . ثُمَّ جاوزناهم بإذن الله تعالى يتصعد بي إلى عليين ، حتى ارتفعنا فوقهم مسيرة خمسين ألف سنة لغيرنا ، ولكن الله قدر لنا سرعة جوازه فِي ساعة من الليل ، فانتهينا أيضًا إلى سبعين صفًا من الملائكة ، صفًا خلف صف ، قد ضاقَ كل صف منهم بالصف الَّذِي يليه ، فرأيت من خلقهم العجب العجيب من تلألؤ نورهم ، وكثرة وجوههم وأجنحتهم ، وشدة هولِهم ، ودوي أصواتِهم بالتسبيح لله والثناء عَلَيْهِ ، فنظرتُ إليهم ، فحمدتُ الله عَلَى ما رأيت من قدرته وكثرة عجائب خلقه ، ثُمَّ جاوزناهم بإذن الله متصعدين إلى عليين ، حتى أشرفنا فوقهم مسيرة خمسين ألف سنة بقوة الله وإسرائه بنا فِي ساعة ، حتى انتهينا إلى سبعين صفًّا من الملائكة صفًّا خلف صف ، ثُمَّ كذلك إلى سبع صفوف ، ما بين كل صفين من الصفوف السبعة مسيرة خمسين ألف سنة للراكب المسرع ، قد ماج بعضهم فِي بعض ، وقد ضاقَ كل صف منهم بالصف الَّذِي يليه فهم طبق واحد متراصونَ بعضهم إلى بعض وبعضهم خلف بعض ، فلقد خيل إليّ أني قد نسيت كل ما رأيت من عجائب خلق الله الَّذِي دونهم ، ولَم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم ، ولو كَانَ أذن لي فِي ذَلِكَ لم أستطع أن أصفهم لكم ، ولكن أخبركم أن لو كنت ميتًا قبل أجلي فزعًا من شيء لَمُت عِنْدَ رؤيتهم وعجائب خلقهم ودوي أصواتِهم وشعاع نورهم ، ولكن الله تعالى قواني لذلك برحمته وتمام نعمته ، ومن عَليّ بالثبات عندما رأيت من شعاع نورهم ، وسمعت دوي أصواتِهم بالتسبيح ، وحدد بصري لرؤيتهم كي لا يخطف من نورهم ، وهم الصافون حول عرش الرَّحْمَن ، والذين دونهم المسبحونَ فِي السماوات ، فحمدتُ الله عَلَى ما رأيت من العجب فِي خلقهم ، ثُمَّ جاوزناهم بإذن الله متصعدين إلى عليين حتى ارتفعنا فوق ذَلِكَ ، فانتهينا إلى بحر من نور يتلألأ لا يرى لَهُ طرف ولا منتهى ، فلما نظرت إِلَيْهِ حار بصري دونه ، حتى ظننتُ أن كل شيء من خلق ربي قد امتلأ نورًا والتهبَ نارًا ، فكاد بصري يذهبُ من شدة نور ذَلِكَ البحر ، وتعاظمني ما رأيت من تلألؤه وأفظعني حتى فزعت منه جدًا ، فحمدتُ الله تعالى عَلَى ما رأيت من هول ذَلِكَ البحر وعجائبه ، ثُمَّ جاوزناهُ بإذن الله تعالى متصعدين إلى عليين ، حتى انتهينا إلى بحر أسود ، فنظرتُ فإذا ظلماتٌ متراكبة بعضها فوق بعض فِي كثافة لا يعلمها إلا الله ، ولا أرى لذلك البحر منتهى ولا طرفًا ، فلما نظرت إِلَيْهِ اسْوَدَّ بصري وغشي علي ، حتى ظننتُ أن خلق ربي قد اسود ، وأعتمت فِي الظلام فلم أر شيئًا وظننتُ أن جبريل قد فاتني ، وفزعت وتعاظمني جدًّا ، فلما رأى جبريل ما بي ، أخذ بيدي وأنشأ يؤنسني ويُكلمني ، ويقول : لا تَخف يا مُحَمَّد ، أبشر بكرامة الله واقبلها بقبولها ، هَلْ تدري ما ترى ، وأين يذهبُ بك ؟ إنك ذاهبٌ إلى ربك رب العزة ، فتثبت لِما ترى من عجائب خلقه يثيبك الله فحمدتُ الله عَلَى ما بشرني بِهِ جبريل ، وعلى ما رأيتُ من عجائب ذَلِكَ البحر ، ثُمَّ جاوزنا بإذن الله متصعدين إلى عليين ، حتى انتهينا إلى بحر من نار يتلظى نارًا ، ويستعر استعارًا ، ويَمُوجُ موجًا ، ويأكلُ بعضه بعضًا ، ولناره شعاع ولَهب ساطع ، وفيه دوي ومعمعة وهو هائل ، فلما نظرتُ إِلَيْهِ وامتلأت خوفًا ورعبًا ، وظننتُ أن كل شيء من خلق الله قد التهبَ نارًا ، وغشي بصري حتى رددت يدي عَلَى عيني لما رأيت من هول تِلْكَ النار ، فنظرتُ إلى جبريل ، فعرف ما بي من الخوف ، فقال لي : يا مُحَمَّد لا تخف ، تثبت وتَجلد بقوة الله تعالى ، واعرف فضل ما أنت فِيهِ ، وإلى ما أنت سائر ، وخذ ما يريك الله من آياته وعجائب خلقه بشكر . فحمدت الله عَلَى ما رأيت من عجائب تِلْكَ النار ، ثُمَّ جاوزناها بإذن الله متصعدين إلى عليين ، حتى انتهينا إلى جبال الثلج بعضها خلف بعض لا يحصيها إلا الله ، شوامخ منيعة الذرى فِي الهواء ، وثلجها شديد البياض لَهُ شعاع كشعاع الشمس ، فنظرتُ فإذا هُوَ يرعد ، كأنه ماء يجري ، فحار بصري من شدة بياضه ، وتعاظمني ما رأيت من كثرة الجبال وارتفاع ذراها فِي الهواء ، حتى ثبت عيناي عنها ، فقال لي جبريل : لا تَخف يا مُحَمَّد ، وتثبت لِما يريك الله من عجائب خلقه . فحمدتُ الله عَلَى ما رأيتُ من عظم تِلْكَ الجبال ، ثُمَّ جاوزناها بإذن الله متصعدين إلى عليين ، حتى انتهينا إلى بحر آخر من نار ، تزيد ناره أضعافًا لَهبًا وتلظيًا واستعارًا وأمواجًا ودويًا ومعمة ، وهولًا وإذا جبال الثلج بين النار ولا تطفئها ، فلما وقف بي عَلَى ذَلِكَ وهول تِلْكَ النار ، استحملني من الخوف والفزع أمر عظيم ، واستقبلتني الرعدة حتى ظننت أن كل شيء من خلق ربي قد التهب نارًا ، لما تفاقم أمرها عندي ورأيتُ من فظاعة هولها ، فنظر إليَّ جبريل ، فلما رأى ما بي من الخوف والرعدة ، قَالَ : سبحان الله يا مُحَمَّد ! ما لك ، أأنت مواقع هذه النار ، فما كل هذا الخوف ؟ إنّما أنت فِي كرامة الله والصعود إِلَيْهِ ، ليريك من عجائب خلقه وآياته الكبرى ، فاطمئن برحمة ربك وأقبل ما أكرمك بِهِ ، فإنك فِي مكان لَمْ يصل إِلَيْهِ آدمي قبلك قط ، فخذ ما أنتَ فِيهِ بشكرك ، وتثبت لِما ترى من خلق ربك ودع عنك من خوفك ، فإنك آمن مما تخاف ، وإن كنت تعجب مِمَّا تَرَى فما أنت راء بعد هذا أعجبُ مما رأيت قبل ذَلِكَ . فأفرغ روعي وهدأتُ نفسي ، فحمدُت الله عَلَى ما رأيت من عجائب آلائه ، ثُمَّ جاوزنا تِلْكَ النار متصعدين ، حتى انتهينا إلى بحر من ماء وهو بحر البحور ، لا أطيق أصفه لكم ، غير أني لم آت عَلَى موطن من تِلْكَ المواطن التي حدثتكم كنت فِيهِ أشد فزعًا ولا هولاً مني حين وقف بي عَلَى ذَلِكَ البحر ، من شدة هوله ، وكثرة أمواجه ، وتراكب أواذيه ، والأذي هُوَ الموج العظيم كالجبال الرواسي ، بعضها فوق بعض ، محبوك بغوارب يعني : طرائق ، وهي الأمواج الصغار ، فتعاظمني ما رأيت من ذَلِكَ البحر ، حتى ظننت أَنَّهُ لَمْ يبق شيء من خلق الله إلا قد غمره ذَلِكَ الماء ، فنظر إليّ جبريل ، فقال : يا مُحَمَّد ، لا تَخف من هذا ، فإنك إن رعبت من هذا فما بعد هذا أروع وأعظم ، هذا خلق وإنّما نذهب إلى الخالق ربي وربك ورب كل شيء . فجلا عني ما كَانَ يستحملني من الخوف واطمأننتُ برحمة ربي ، فنظرتُ فِي ذَلِكَ البحر ، فرأيت خلقًا عجبًا فوق وصف الواصفين ، قلت : يا جبريل ، أَيْنَ منتهى هذا البحر ، وأين قعره ؟ قَالَ : جاوز قعره الأرض السابعة السفلي إلى حيث شاء الله ، هيهات هيهات شأنُ هذا البحر ، وما فِيهِ من خلق ربك أعظم وأعجب مما ترى يا مُحَمَّد ، فرميت ببصري فِي نواحيه ، فإذا أَنَا فِيهِ بملائكة قيام قد غمروا بخلقهم خلق جميع الملائكة ، وبذوا بنورهم نور جميع الملائكة لعظم أنوارِهم وكثرة أجنحتهم فِي اختلاف خلقها ، ناشرة خلف أطراف السماوات والأرضين ، خارجة فِي الْهواء تخفق بالتسبيح لله تعالى ، قد جاوزت الهواء حيث شاء الله ، لَهُمْ من نورهم ، وهج من تلألؤ نورهم كوهج النار ، فلولا أن الله تعالى أيدني بقوته ، ومنَّ علي بالثبات ، وألبسني جنة من رحمته فكلأني بِهَا ، لتخطف نورهم بصري ، ولأحرقت وجوههم جسدي ، ولكن برحمة الله وتَمام نعمته عَليّ درأ عَن وهج نورهم ، وحدد بصري لرؤيتهم ، فنظرتُ إليهم فِي مقامهم ، فإذا ماء البحر وهو بحر البحور فِي كثافته وكثرة أمواجه وأمواج أواذيه ، لَمْ يُجاوز ركبهم ، قلت : يا جبريل ، ما هذا البحر الَّذِي قد غمر البحور كلها ، وقد كدتُ أنسى من شدة هوله ، وكثرة مائه كل عجب رأيت من خلق الله ، ومع بعد قعره لَم يجاوز ركبهم ، فأين منتهى أقدامهم ؟ قَالَ : يا مُحَمَّد ، قد أخبرتك عَن شأن هذا البحر ، وعن عجائب هذا الخلق الَّذِي فِيهِ منتهى أقدامهم عِنْدَ أصل هذا الماء الَّذِي فِي قعر هذا البحر ، ومنتهى رءوسهم عِنْدَ عرش رب العزة . وإذا لَهم دوي بالتسبيح لو سَمِعَ أهل الأرض صوت ملك واحد منهم لصعقوا أجمعون وماتوا ، وإذا هُمْ يقولونَ : سبحان الله وبِحمده ، سبحان الله العظيم الحي القيوم ، سبحان الله وبِحمده ، سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله القدوس ، فحمدت الله عَلَى ما رأيت من عجائب ذَلِكَ البحر ومن فِيهِ ، ثُمَّ جاوزناهم بإذن الله إلى عليين ، حتى انتهينا إلى بحر من نور قد علا نوره وسطع فِي عليين ، فرأيتُ من شعاع تلألؤه أمرًا عظيمًا ، لو جهدت أن أصفه لكم ما استطعت ذَلِكَ ، غير أن نوره بزَّ كل نور وغمر ، كل نار وعلا كل شعاع رَأَيْته قبل ذَلِكَ مما حدثتكم ، فلما نظرت إِلَيْهِ كاد شعاعه يخطف بصري ، ولقد كل وعشى دونه حتى جعلت لا أبصر شيئًا ، كأني إنّما أنظرُ إلى ظلمة لا إلى نور ، فلمّا رأى جبريل ما بي ، قَالَ : اللَّهُمَّ ثبته برحمتك وأيده بقوتك ، وأتمم عَلَيْهِ نعمتك . فلما دعا بذلك جلى عَن بصري ، وحدده الله لرؤية شعاع ذَلِكَ النور ، ومنَّ علي بالثبات لذلك ، فنظرتُ إِلَيْهِ وقبلت بصري فِي نواحي ذَلِكَ البحر ، فلما امتلأت عيني ظننتُ أن السماوات السبع والأرضين ، وكل شيء متلألئ نورًا ومتأجج نارًا ، ثُمَّ حار بصري حتى ظننت أن نوره يتلون عَلَى ما بين الحمرة والصفرة والبياض والخضرة ، ثُمَّ اختلطن والتبسن جميعًا حتى ظننت أَنَّهُ قد أظلم ، من شدة وهجه وشعاع تلألؤه وإضاءة نوره ، فنظرتُ إلى جبريل فعرف ما بي ، فأنشأ يدعو لي الثانية بنحو من دعائه الأول ، فرد الله إليّ بصري برحمته وحدده لرؤية ذَلِكَ ، وأيدني بقوته حتى ثبت وقمت لَهُ وهون ذَلِكَ علي بمنه ، حتى أقلب بصري فِي أواذي نور ذَلِكَ البحر ، فإذا فِيهِ ملائكة قيام صفًا واحدًا متراصين ، كلهم متضايقين بعضهم فِي بعض ، قد أحاطوا بالعرش واستداروا حوله ، فلمّا نظرت إليهم ورأيت عجائب خلقهم ، كأنِّي أنسيت كل شيء كَانَ قبلهم مما رأيت من الملائكة ، وما وصفتُ لكم قبلهم ، حتى ظننت أني حين رأيت عجائب خلقهم كأني نسيت كل شيء كَانَ قبلهم مما رأيت من الملائكة ، لعجب خلق أولئك الملائكة ، وقد نهيت أن أصفهم لكم ، ولو كَانَ أذن لي فِي ذَلِكَ فجهدتُ أن أصفهم لكم لَم أطق ذَلِكَ ، ولَم أبلغ جزءًا واحدًا من مائة جزء ، فالحمد لله الخلاق العليم العظيم شأنه ، فإذا هُمْ قد أحاطوا بالعرش وغضوا أبصارهم دونه ، لَهم دوي بالتسبيح كأن السماوات والأرضين ، والجبال الرواسي ينضمُ بعضها إلى بعض ، بل أكثر من ذَلِكَ وأعجب فوق وصف الواصفين ، فأصغيتُ لتسبيحهم كي أفهمه ، فإذا هُمْ يقولون : لا إله إلا الله ذو العرش الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا اله الحي القيوم . فإذا فتحوا أفواههم بالتسبيح لله خرج من أفواههم نورٌ ساطع كأنه لهبان النار ، لولا أنها بتقدير الله تُحيط بنور العرش ، لظننت يقينًا أن نور أفواههم كَانَ يحرق ما دونهم من خلق الله كلهم ، فلو أمر الله واحدًا منهم أن يلتقم السماوات السبع والأرضين السبع ، ومن فيهن من الخلائق بلقمة واحدة ، لفعل ذَلِكَ ولهان عَلَيْهِ ، لما شرفهم وعظم من خلقهم ، وما يوصفونَ بشيء إلا هُمْ أعجب وأمرهم أعظم من ذَلِكَ ، قلت : يا جبريل ، من هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : سبحان الله القهار فوق عباده يا مُحَمَّد ، ما ينبغي لك أن تعلم من هَؤُلَاءِ ، أرأيت أهل السماء السادسة وما فوق ذَلِكَ إلى هَؤُلَاءِ ، وما رأيت فِيما بين ذَلِكَ ، وما لَمْ تر أعظم وأعجب فهم الكروبيون أصناف شتى ، وقد جعل الله تعالى فِي جلاله وتقدس فِي أفعاله ما ترى ، وفضلهم فِي مكانهم وخلقهم ، وجعلهم فِي درجاتِهم وصورهم ونورهم كما رأيت ، وما لَمْ تر أكثر وأعجب . فحمدتُ الله عَلَى ما رأيت من شأنِهم ، ثُمَّ جاوزناهم بإذن الله متصعدين فِي جو عليين ، أسرع من السهم والريح بإذن الله وقدرته ، حتى وصل بي إلى العرش ذي العزة العزيز الواحد القهار ، فلما نظرت إلى العرش ، فإذا ما رَأَيْته من الخلق كله قد تصاغرَ ذكره وتَهاونَ أمره ، واتضع خطره عِنْدَ العرش ، وإذا السماوات السبع والأرضون السبع وأطباق جهنم ودرجات الجنة وستور الحجب ، والنار والبحار والجبال التي فِي عليين ، وجميع الخلق والخليقة إلى عرش الرَّحْمَن ، كحلقة صغيرة من حلق الدرع فِي أرض فلاة واسعة تيماء لا يعرف أطرافها من أطرافها ، وهكذا ينبغي لِمقام رب العزة أن يكون عظيمًا لِعظم ربوبيته ، وهو كذلك ، وأعظم وأجل وأعز وأكرم وأفضل ، وأمره فوق وصف الواصفين ، وما تلهجُ بِهِ ألسن الناطقين ، فلما أسري بي إلى العرش وحاذيته دلي لي رفرف أخضر لا أطيق صفته لكم ، فأهوى بي جبريل ، فأقعدني عَلَيْهِ ، ثُمَّ قصر دوني ورد يديه عَلَى عينيه مخافة عَلَى بصره أن يلتمع من تلألؤ نور العرش ، وأنشأ يبكي بصوت رفيع ، ويسبح الله ويحمده ويُثْنِي عَلَيْهِ ، فرفعني ذَلِكَ الرفرف بإذن الله ورحمته إيّاي ، وتَمام نعمته عَلي إلى سيد العرش ، إلى أمر عظيم لا تناله الألسن ولا تبلغه الأوهام ، فحار بصري دونه حتى خفتُ العمى ، فغمضت عيني وكان توفيقًا من الله ، فلمّا غمضتُ بصري رد إلهي بصري فِي قلبي ، فجعلتُ أنظر بقلبي نحو ما كنت أنظر بعيني ، نورًا يتلألأ نُهيت أن أصف لكم ما رأيت من جلاله ، فسألتُ ربي أن يكرمني بالثبات لرؤيته بقلبي كي أستتم نعمته ، ففعل ذَلِكَ ربي وأكرمني بِهِ ، فنظرتُ إِلَيْهِ بقلبي حتى أثبته وأثبت رؤيته ، فإذا هُوَ حين كشف عَنْه حجبه مستو عَلَى عرشه فِي وقاره وعزه ومجده وعلوه ، ولَم يؤذن لي فِي غير ذَلِكَ من صفته لكم سبحانه بِجلاله وكرم فعاله ، فِي مكانه العلي ونوره المتلألئ ، فمال إلي من وقاره بعض الميل ، فأدناني منه ، فذلك قوله فِي كتابه يُخبركم فعاله بي وإكرامه إياي : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى { 6 } وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى { 7 } ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى { 8 } فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى سورة النجم آية 6-9 يعني : حيث مال إلى فقربني منه قدر ما بين طرفي القوس ، بل أدنى من الكبد إلى السية فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى سورة النجم آية 10 يَعْنِي : ما قضى من أمره الَّذِي عهد إليّ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى سورة النجم آية 11 يعني : رؤيتي إيّاهُ بقلبي لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى سورة النجم آية 18 فَلمَّا مال إلي من وقاره سبحانه ، وضع إحدى يديه بين كتفي ، فلقد وجدتُ برد أنامله عَلَى فؤادي حينًا ، ووجدتُ عِنْدَ ذَلِكَ حلاوته وطيب ريحه وبرد لذاذته ، وكرامة رؤيته ، فاضمحلَ كل هولٍ كنت لقيت ، وتجلت عني روعاتي ، واطمأن قلبي ، وامتلأت فرحًا ، وقرت عيناي ، ووقع الاستبشار والطرب عَلي ، حتى جعلتُ أميل وأتكفأ يمينًا وشمالاً ، ويأخذني مثل السبات ، وظننتُ أن من فِي الأرض والسماوات ماتوا كلهم ، لأني لا أسمعُ شيئًا من أصوات الملائكة ولَم أر عِنْدَ رؤية ربي أجرام ظلمة ، فتركني إلهي كذلك إلى ما شاء الله ، ثُمَّ رد إلي ذهني ، فكأني كنت مستوسنًا وأفقتُ ، فثاب إلي عقلي واطمأننتُ بِمعرفة مكاني ، وما أَنَا فِيهِ من الكرامة الفائقة والإيثار البين ، فكلمني ربي سبحانه وبِحمده ، فقال : يا مُحَمَّد ، هَلْ تدري فيم يَخْتصم الملأ الأعلى ؟ قلتُ : يا رب أنت أعلمُ بذلك ، وبكل شيء ، وأنت علام الغيوب . قَالَ : اختصموا فِي الدرجات والحسنات ، هَلْ تدري يا مُحَمَّد ، ما الدرجات والحسنات ؟ قلت : يا رب أنت أعلمُ وأحكم . فقال : الدرجات : إسباغ الوضوء فِي المكروهات ، والمشي عَلَى الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، والحسنات : إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والتهجد بالليل والناس نيام ، فما سَمِعْتُ شيئًا قط ألذ ولا أحلى من نغمة كلامه ، فاستأنستُ إِلَيْهِ من لذاذة نغمته حتى كلمته بحاجتي ، فقلت : يا رب ، إنك اتخذت إِبْرَاهِيم خليلًا ، وكلمت مُوسَى تكليمًا ، ورفعت إدريس مكانًا عليًّا ، وآتيت سُلَيْمَان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده ، وآتيتَ داود زبورًا ، فما لي يا رب ؟ قَالَ : يا مُحَمَّد ، اتخذتك خليلًا كما اتخذت إِبْرَاهِيم خليلاً ، وكلمتك كما كلمت مُوسَى تكليمًا ، وأعطيتك فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، وكانتا من كنوز عرشي ، ولم أعطهما نبيًّا قبلك ، وأرسلتك إلى أبيض أهل الأرض وأسودهم وأحمرهم ، وجنهم وإنسهم ، ولَم أرسل إلى جماعتهم نبيًّا قبلك ، وجعلتُ الأرض برها وبحرها لك ولأمتك طهورًا ومسجدًا ، وأطعمتُ أمتك الفيء ولَم أطعمه أمة قبلها ، ونصرتُك بالرعب حتى أن عدوك ليفر منك وبينك وبينه مسيرة شهر ، وأنزلت عليك سيد الكتب كلها ومهيمنًا عليها قرآنًا فرقناهُ ، ورفعت لك ذكرك حتى قرنته بذكري ، فلا أذكر بشيء من شرائع ديني إلا ذكرتك معي . ثُمَّ أفضى إلى من بعد هذا أمور لَم يؤذن لي أن أحدثكم بِهَا ، فلمّا عهد إليّ عهده وتركني ما شاء ، ثُمَّ استوى عَلَى عرشه سبحانه بِجلاله ووقاره وعزه ، نظرت وإذا قد حيل بيني وبينه ، وإذا دونه حجاب من نور يلتهبُ التهابًا لا يعلم مسافته إلا الله ، لو هتك فِي موضع لأحرق خلق الله كلهم ، ودلاني الرفرفُ الأخضر الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ فجعل يخفضني ويرفعني فِي عليين ، فجعلتُ أرتفع مرة كأنه يطار بي ، ويخفضني مرة كأنه يخفض بي إلى ما هُوَ أسفل مني ، فظننتُ أني أهوي فِي جو عليين ، فلَمْ يزل ذَلِكَ الرفرف يفعلُ ذَلِكَ بي خفضًا ورفعًا ، حتى أهوى بي إلى جبريل فتناولني منه ، وارتفعَ الرفرفُ حتى توارى عَن بصري ، فإذا إلهي قد ثبت بصري فِي قلبي ، وإذا أَنَا أبصرُ بقلبي ما خلفي كما أبصرُ بعيني ما أمامي ، فلما أكرمني ربي برؤيته أحد بصري ، فنظر إلي جبريل فلما رأى ما بي ، قَالَ : لا تخف يا مُحَمَّد ، وتثبت بقوة الله أيدك الله بالثبات لرؤية نور العرش ، ونور الحجب ، ونور البحار والجبال التي فِي عليين ، ونور الكروبيين ، وما تحت ذَلِكَ من عجائب خلق ربي إلى منتهى الأرض ، أرى ذاك كله بعضه من تحت بعض بعدما كَانَ يشق علي رؤية واحد منهم ، ويُحار بصري دونه ، فسمعتُ فإذا أصوات الكروبيين وما فوقهم ، وصوتُ العرش ، وأصوات الحجب قد ارتفعت حولي بالتسبيح لله والتقديس لله والثناء عَلَى الله ، فسمعتُ أصواتًا شتى ، منها صرير ، ومنها زجل ، ومنها هدير ، ومنها دوي ، ومنها قصيف ، مختلفة بعضها فوق بعض ، فروعت لذلك روعًا لما سمعتُ من العجائب ، فقال لي جبريل : لم تفزع يا رسول الله ؟ أبشر ، فإن الله تعالى قد درأ عنك الروعات والمخاوف كلها ، واعلم علمًا يقينًا أنك خيرته من خلقه وصفوته من البشر ، حباك بما لَمْ يحبه أحدًا من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولقد قربك الرَّحْمَن عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ قريبًا من عرشه ، مكانًا لَمْ يصل إِلَيْهِ ، ولا قرب منه أحد من خلقه قط ، لا من أهل السماوات ولا من أهل الأرض ، فهناك الله بكرامته واجتباكَ بِهِ ، وأنزلك من المنزلة الأثيرة والكرامة الفائقة ، فجدد لربك بشكره ، فإنه يحب الشاكرين ، ويستوجبُ لك المزيد منه عِنْدَ الشكر منك ، فحمدت الله عَلَى ما اصطفاني بِهِ وأكرمني ، ثُمَّ قَالَ جبريل : يا رسول الله ، انظر إلى الجنة حتى أريك مالك فيها ، وما أعد الله لك فيها فتعرف ما يكون معادك بعد الموت ، فتزداد فِي الدُّنْيَا زهادة إلى زهادتكَ فيها ، وتزداد فِي الآخرة رغبة إلى رغبتك فيها . قلت : نعم . فسرت مَعَ جبريل بِحمد ربي من عليين يهوي منقضًا أسرع من السهم والريح ، فذهب روعي الَّذِي كَانَ قد استحملني بعد سماع المسبحين حول العرش ، وثاب إلى فؤادي ، فكلمتُ جبريل وأنشأت أسأله عما كنت رأيت فِي عليين ، قلت : يا جبريل ، ما تِلْكَ البحور التي رأيت من النور والظلمة ، والنار ، والماء والدر والثلج والنور ؟ قَالَ : سبحان الله ! تِلْكَ سرادقات رب العزة التي أحاطَ بِهَا عرشه ، فهي ستره دون الحجب السبعين التي احتجبَ بِهَا الرَّحْمَن من خلقه ، وتلك السرادقات ستور للخلائق من نور الحجب ، وما تحت ذَلِكَ كله من خلق الله ، وما عسى أن يكون ما رأيت من ذَلِكَ يا رسول الله إلى ما غاب ، مما لَمْ تره من عجائب خلق ربك فِي عليين ، فقلت : سبحان الله العظيم ، ما أكثر عجائب خلقه ، ولا أعجب من قدرته عِنْدَ عظم ربوبيته . ثُمَّ قلت : يا جبريل ، من الملائكة الذين رأيت فِي البحور ، وما بين بحر النار إلى بحر الصافين ، والصفوف بعد الصفوف كأنّهم بنيانٌ مرصوص ، متضايقين بعضهم فِي بعض ، ثُمَّ ما رأيتُ خلفهم نحوهم مصطفون صفوفًا بعد صفوف ، وفيما بينهم وبين الآخرين من البعد والأمد والنأي . فقال : يا رسول الله ، أما تسمعُ ربك يَقُولُ فِي بعض ما نزل عليك : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا سورة النبأ آية 38 ، وأخبرك عَن الملائكة ، أنهم قَالُوا : وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ { 165 } وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ سورة الصافات آية 165-166 فالذين رأيت فِي بِحور عليين ، هُمُ الصافون حول العرش إلى منتهى السماء السادسة ، وما دون ذَلِكَ هُمُ المسبحون فِي السماوات ، والروح رئيسهم الأعظم كلهم ، ثُمَّ إسرافيل بعد ذَلِكَ . فقلتُ : يا جبريل ، فمن الصف الأعلى ، الَّذِي فِي البحر الأعلى فوق الصفوف كلها الذين أحاطوا بالعرش واستداروا حوله ؟ فقال جبريل : يا رسول الله ، إن الكروبيين هُمْ أشرف الملائكة وعظماؤهم ورؤساؤهم ، وما يَجْتَرئ أحد من الملائكة أن ينظرَ إلى ملك من الكروبيين ، ولو نظرت الملائكة الذين فِي السماوات والأرض إلى ملك واحد من الكروبيين ، لخطف وهج نورهم أبصارهم ، ولا يَجْتَرئ ملك واحد من الكروبيين أن ينظر إلى ملك واحد من أهل الصف الأعلى ، الذين هُمْ أشراف الكروبيين وعظماؤهم ، وهم أعظمُ شأنًا من أن أطيق صفتهم لك ، وكفى بِما رأيتَ فيهم . ثُمَّ سَأَلْتُ جبريلَ عَن الحجب ، وما كنت أسمع من تسبيحها وتَمْجيدها ، وتقديسها لله تعالى ، فأخبرني عنها حجابًا ، وبَحْرًا بَحْرًا ، وأصناف تسبيحها بِكلام كثير ، فِيهِ العجب كل العجب من الثناء عَلَى الله والتمجيد لَهُ ، ثُمَّ طافَ بي جبريل فِي الجنة بإذن الله ، فما ترك مكانًا إلا أرانيه وأخبرني عَنْهُ ، فلأنا أعرفُ بكل درجة ، وقصر وبيت وغرفة وخيمة ، وشجرة ونهر وعين مني بِما فِي مسجدي هذا ، فلَمْ يزل يطوفُ بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى ، فقال : يا مُحَمَّد ، هذه الشجرة التي ذكرها الله تعالى فيما أنزل فقال : عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى سورة النجم آية 14 لأنّها كَانَ ينتهي إليها كل ملك مقرب ونبي مرسل ، لَمْ يجاوزها عَبْد من عباد الله قط غيرك ، وأنا فِي سببك مرتي هذه ، وأمّا قبلها فلا ، وإليها ينتهي أمر الخلائق بإذن الله وقدرته ، ثُمَّ يقضي الله فِيهِ بعد ذَلِكَ ما يشاء . فنظرتُ إليها ، فإذا ساقها فِي كثافة لا يعلمها إلا الله ، وفرعها فِي جنة المأوى ، وهي أعلى الجنات كلها ، فنظرتُ إلى فرع السدرة ، فإذا عليها أغصان نابتة أكثر من تراب الأرض وثراها ، وعلى الغصون ورق لا يُحصيها إلا الله ، وإذا الورقة الواحدة من ورقها مغطية الدينا كلها ، وحملها من أصناف ثمار الجنة ضروب شتى ، وأصناف شتى ، وطعوم شتى ، وعلى كل غصن منها ملك ، وعلى كل ورقة منها ملك ، وعلى كل ثمرة منها ملك يسبحونَ الله بأصواتٍ مختلفة وبِكلامٍ شتى ، ثُمَّ قَالَ جبريل : أبشر يا رسول الله ، فإن لأزواجك ولولدك ولكثير من أمتك تحت هذه الشجرة ملكًا كبيرًا ، وعيشًا خطيرًا فِي أمان لا خوف عليكم فِيهِ ولا تَحْزنون . فنظرتُ فإذا نهر يجري من أصل الشجرة ، ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل ، ومجراهُ عَلَى رضراض در وياقوت وزبرجد ، حافتاهُ مسك أذفر فِي بياض الثلج ، فقال : ألا ترى يا رسول الله ، هذا النهر الَّذِي ذكره الله فيما أنزل عليك إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ سورة الكوثر آية 1 وهو تسنيم ، وإنّما سماهُ الله تسنيمًا ، لأنه يتسنم عَلَى أهل الجنة من تحت العرش إلى دورهم وقصورهم وبيوتهم وغرفهم وخيمهم ، فيمزجون بِهِ أشربتهم من اللبن والعسل والخمر ، فذلك قوله تعالى : عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا سورة الإنسان آية 6 ، أي : يقودونَها قودًا إلى منازلهُمْ ، وهي من أشرف شراب فِي الجنة . ثُمَّ انطلق يطوفُ بي فِي الجنة ، حتى انتهينا إلى شجرة لَم أر فِي الجنة مثلها ، فلمّا وقفتُ تحتها رفعتُ رأسي ، فإذا أَنَا لا أرى شيئًا من خلق ربي غيرها لعظمها ، وتفرق أغصانِها ، ووجدتُ منها ريحًا طيبة لَم أشم فِي الجنة أطيب منها ريحًا ، فقلبتُ بصري فيها ، فإذا ورقها حلل من طرائف ثياب الجنة ما بين الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر ، وثمارها أمثال القلال العظيم ، من كل ثمرة خلق الله فِي السماء والأرض من ألوان شتى وطعوم وريح شتى ، فعجبتُ من تِلْكَ الشجرة وما رأيت من حسنها ، فقلتُ : يا جبريل ، ما هذه الشجرة ؟ قَالَ : هذه التي ذكرها الله فيما أنزل عليك ، وهو قوله : طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ سورة الرعد آية 29 فهذه طوبى يا رسول الله ، ولك ولكثير من أهلك وأمتك فِي ظلها أحسن منقلب ونعيم طويل . ثُمَّ انطلق بي جبريل يطوف بي فِي الجنة ، حتى انتهى بي إلى قصور فِي الجنة من ياقوت أحمر لا آفة فيها ولا صدع ، فِي جوفها سبعون ألف قصر ، فِي كل قصر منها سبعون ألف دار ، فِي كل دار منها سبعون ألف بيت ، فِي كل بيت منها سرير من درة بيضاء لَهَا أربعة آلاف باب ، يُرى باطن تلك الخيام من ظاهرها ، وظاهرها من باطنها من شدة ضوئها ، وفي أجوافها سرر من ذهب فِي ذَلِكَ الذهب شعاع كشعاع الشمس ، تَحار الأبصار دونَها لولا ما قدر الله لأهلها ، وهي مكللة بالدر والجوهر ، عليها فرش بطائنها من استبرق ، وظاهرها نور منضد يتلألأ فوق السرر ، ورأيتُ عَلَى السرر حليًا كثيرًا لا أطيق صفته لكم ، فوق صفات الألسن وأماني القلوب ، حلي النساء عَلَى حدة وحلي الرجال عَلَى حدة ، قد ضربت الحجال عليها دون الستور ، وفي كل قصر منها وكل دار وكل بيت وكل خيمة شجرة كثيرة ، سوقها ذهب ، وغصونها جوهر ، وورقها حلل ، وثمرها أمثال القلال العظام ، فِي ألوان شتى ، وريح شتى ، وطعوم شتى ، ومن خلالها أنهار تطرد من تسنيم ، وخمر رحيق وعسل مصفى ولبن كزبد ، وبين ذَلِكَ عين سلسبيل ، وعين كافور ، وعين زَنْجبيل طعمها فوق وصف الواصفين ، وريحها ريح المسك ، فِي كل بيت فيها خيمة لأزواج من الحور العين ، لو دلت إحداهن كفًّا من السماء لبذ نور كفها ضوء الشمس ، فكيف وجهها ، ولا يوصفن بشيء إلا هن فوق ذَلِكَ جمالاً وكمالاً ، لكل واحد منهن سبعون خادمًا ، وسبعون غلامًا ، هن خدمة خاصة سوى خدام زوجها ، وأولئك الخدم فِي النظافة والحسن ، كما قَالَ الله تعالى : إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا سورة الإنسان آية 19 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ سورة الطور آية 24 ، ثُمَّ انتهى بي إلى قصر ، ورأيت فِي ذَلِكَ القصر من الخير والنعيم والنضارة والبهجة ، والسرور والنضرة والشرف والكرامة ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سَمِعْتُ ، ولا خطرَ عَلَى قلب بشر ، من أصناف الخير والنعيم ، كل ذَلِكَ مفروغ منه ينتظر بِهِ صاحبه من أولياء الله تعالى ، فتعاظمني ما رأيت من عجب ذَلِكَ القصر ، فقلت : يا جبريل ، هَلْ فِي الجنة قصر مثل هذا ؟ قَالَ : نعم يا رسول الله ، كل قصور الجنة مثل هذا ، وفوق هذا قصور كثيرة أفضل مما ترى ، يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها ، وأكثر خيرًا . فقلتُ : لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ سورة الصافات آية 61 ، وفي نحو هذا فليتنافس المتنافسون . فما تركت منها مكانًا إلا رَأَيْته بإذن الله تعالى ، فلأنا أعرفُ بكل قصر ودار وبيت وغرفة وخيمة وشجرة من الجنة ، مني بِمسجدي هذا ، ثُمَّ أخرجني من الجنة ، فمررنا بالسماوات نتحدر من سماء إلى سماء ، فرأيتُ أبانا آدم ، ورأيتُ أخي نوح ، ثُمَّ رأيتُ إِبْرَاهِيم ، ثُمَّ رأيتُ مُوسَى ، ثُمَّ رأيتُ أخاه هارون ، وإدريس فِي السماء الرابعة مسند ظهره إلى ديوان الخلائق الَّذِي فِيهِ أمورهم ، ثُمَّ رأيتُ أخي عيسى فِي السماء ، فسلمتُ عليهم كلهم ، فتلقوني بالبشر والتحية ، وكلهم سألني : ما صنعتُ يا نبي الرحمة ، وإلى أَيْنَ انتهى ، بك وما صنع بك ؟ فأخبرهم فيفرحونَ ويستبشرونَ ويحمدونَ الله عَلَى ذَلِكَ ، ويدعونَ ربهم ، ويسألونَ إلى المزيد والرحمة والفضل ، ثُمَّ انحدرنا من السماء ومعي صاحبي وأخي جبريل لا يفوتني ولا أفوته ، حتى أوردني مكاني من الأرض التي حملني منها ، والحمدُ لله عَلَى ذَلِكَ ، هُوَ فِي ليلة واحدة بإذن الله وقوته ، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى سورة الإسراء آية 1 ، ثُمَّ بعد ذَلِكَ حيث شاء الله ، فأنا بنعمة الله سيد ولد آدم ، ولا فخر فِي الدُّنْيَا والآخرة ، وأنا عَبْد مقبوض عَن قليل ، بعد الَّذِي رأيت من آيات ربي الكبرى ، ولقيت إخواني من الأنبياء ، ولقد اشتقتُ إلى ربي ، وما رأيتُ من ثوابه لأوليائه ، وقد أحببتُ اللحوق بربي ، ولقي إخواني من الأنبياء الذين رأيت ، وما عِنْدَ الله خيرٌ وأبقى " . انتهى ، والله أعلم . قَالَ المؤلف : موضوع والمتهم بِهِ ميسرة كذاب وضاع . قلتُ : وكذا قَالَ ابن عياش ، والذهبي فِي الميزان ، وابن حجر فِي اللسان ، وقد أَخْرَجَهُ بطوله ابن مردويه فِي التفسير . قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن حامد البلخي ، حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الهياج بْن مربون أَبُو يعقوب البلخي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حفص الجوزجاني ، حَدَّثَنَا العلاء بْن الحكم الْبَصْرِيّ ، عَن ميسرة بْن عَبْد ربه ، عَن عُمَرَ بْن سُلَيْمَان الدمشقي ، عَن الضحاك ، وعكرمة ، عَن ابن عَبَّاس ، قَالَ : وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن أَحْمَد ، حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن أسيد الأصبهاني ، حَدَّثَنَا محمد بْن عيسى بْن يزيد السعدي ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَرَ سيار التميمي ، حدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا سَعِيد بْن رزين ، عَن عُمَرَ بْن سُلَيْمَان ، عَن الضحاك بْن مزاحم ، وعكرمة ، عَن ابن عَبَّاس بِهِ ، وكتب الذهبي بِخطه عَلَيْهِ فِي الحاشية أَنَّهُ موضوع ، وهذا الطريق الثاني يدل عَلَى أَنَّهُ الآفة من غير ميسرة ، وقد قَالَ الذهبي فِي الميزان فِي ترجمة عُمَرَ بْن سُلَيْمَان : أتى عَن الضحاك بِحديث الإسراء بلفظ موضوع . وتبعه ابن حجر فِي اللسان ، مَعَ ذكرهما لَهُ فِي ترجمة ميسرة ، فإنه المتهم بِهِ لكنهما تبعا هناك ابن حبان ، والأشبه ما ذكراه هنا أن الآفة من عُمَرَ بْن سُلَيْمَان ، والله أعلم .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
ابْنِ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
الضحاك | الضحاك بن مزاحم الهلالي | ثقة |
ميسرة بْن عَبْد ربه | ميسرة بن عبد ربه الفارسي | كذاب وضاع |
عَلِيّ بْن قُتَيْبَة | علي بن قتيبة الرفاعي | ضعيف الحديث |
مُحَمَّد بْن خداش | محمد بن خداش الأذراعي | مجهول الحال |
حميد بْن زَنْجَويه | حميد بن مخلد الأزدي | ثقة ثبت |
ابن عَبَّاس | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
ابن عَبَّاس | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
مُحَمَّد بْن سدوس النسوي | الحسن بن سفيان الشيباني | ثقة |