حدثت ، عَنْ شبرويه بْن شهريار الحافظ ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن بُكَير الفقيه ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن القاسم النَّيْسابوريّ ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْد عَبْد الكريم بْن أَبِي عُثْمَان الزَّاهد ، حَدَّثَنَا أَبُو القاسم بْن تابويه الصُّوفيّ ، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى ، حدثنا أَبُو حُذَيْفة ، عَنْ شبل ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : " تَذَاكَرَ النَّاسُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَأَخَذُوا فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَخَذُوا فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، بَكَى بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، وَأَقَامَ حُدُودَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ ، لَمْ يَزْدَجِرْ عَنِ الْقَرِيبِ لِقَرَابَتِهِ ، وَلَمْ يَخَفْ عَلَى الْبَعِيدِ لِبُعْدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ لَقِيتُ عُمَرَ وَقَدْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى وَلَدِهِ ، فَقَتَلَهُ . ثُمَّ بَكَى وَبَكَى النَّاسُ حَوْلَهُ ، فَقُلْنَا : يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنَا كَيْفَ أَقَامَ عَلَى وَلَدِهِ الْحَدَّ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْكَرْتُمُونِي شَيْئًا كُنْتُ لَهُ نَاسِيًا . فَقُلْنَا : أَقْسَمْنَا عَلَيْكَ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى إِلا مَا حَدَّثْتَنَا . فَقَالَ : مَعَاشِرَ النَّاسِ ، كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ يَعِظُهُمْ وَيْحَكُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا نَحْنُ بِجَارِيَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَجَعَلَتْ تَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَالأَنْصَارَ ، حَتَّى وَقَفَتْ بِإِزَاءِ عُمَرَ ، فَقَالَتِ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَقَالَ عُمَرُ : وَعَلَيْكِ السَّلامُ يَا أَمَةَ اللَّهِ ، هَلْ مِنْ حَاجَةٍ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، أَعْظَمُ الْحَوَائِجِ إليْكَ ، خُذْ وَلَدَكَ هَذَا مِنِّي ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي . ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِنَاعَ ، فَإِذَا عَلَى يَدَيْهَا طِفْلٌ . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ ، قَالَ : أَمَةَ اللَّهِ أَسْفِرِي عَنْ وَجْهِكِ ، فَأَسْفَرَتْ فَأَطْرَقَ عُمَرُ ، وَهُوَ يَقُولُ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَنَا لا أَعْرِفُكِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَلَدِي ؟ فَبَكَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى بَلَّتْ خِمَارَهَا بِالدُّمُوعِ ، ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدَكَ مِنْ ظَهْرِكَ فَوَلَدُ وَلَدِكَ . قَالَ : أَيَّ أَوْلادِي ؟ قَالَتْ : أَبُو شَحْمَةَ . قَالَ : أَبِحَلالٍ أَمْ بِحَرَامٍ ؟ قَالَتْ : مِنْ قِبَلِي بِحَلالٍ ، وَمِنْ جِهَتِهِ بِحَرَامٍ . قَالَ عُمَرُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَقَالَتِي فَوَاللَّهِ مَا زِدْتُ عَلَيْكَ حَرْفًا وَلا نَقَصْتُ . فَقَالَ لَهَا : اتَّقِي اللَّهَ وَلا تَقُولِي إِلا الصِّدْقَ . قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كُنْتُ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ مَارَّةً فِي بَعْضِ حَوَائِجِي إِذْ مَرَرْتُ بِحَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ ، إِذَا بِصَائِحٍ يَصِيحُ مِنْ وَرَائِي ، فَإِذَا أَنَا بِوَلَدِكَ أَبِي شَحْمَةَ يَتَمَايَلُ سَكَرًا ، وَكَانَ قَدْ شَرِبَ عِنْدَ سَنْبَكَةَ الْيَهُودِيِّ ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنِّي تَوَعَّدَنِي وَهَدَّدَنِي وَرَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي ، وَجَرَّنِي إِلَى الْحَائِطِ ، فَسَقَطْتُ وَأُغْمِيَ عَلَيَّ ، فَوَاللَّهِ مَا أَفَقْتُ إِلا وَقَدْ نَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ ، فَقُمْتُ وَكَتَمْتُ أَمْرِي عَنْ عَمِّي وَجِيرَانِي ، فَلَمَّا تَكَامَلَتْ أَيَّامِي ، وَانْقَضَتْ شُهُورِي ، وَضَرَبَنِي الطَّلْقُ وَأَحْسَسْتُ بِالْوِلادَةِ ، خَرَجْتُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَضَعْتُ هَذَا الْغُلامَ ، فَهَمَمْتُ بِقَتْلِهِ ، ثُمَّ نَدِمْتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَاحْكُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَمَرَ عُمَرُ مُنَادِيَهُ يُنَادِي ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، لا تَتَفَرَّقُوا حَتَّى آتِيَكُمْ بِالْخَبَرِ . ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَنَا مَعَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَسْرِعْ مَعِي ، فَجَعَلَ يُسْرِعُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ مَنْزِلِهِ ، فَقَرَعَ الْبَابَ ، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ كَانَتْ تَخْدُمُهُ ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ وَقَدْ غَلَبَهُ الْغَضَبُ ، قَالَتْ : مَا الَّذِي نَزَلَ بِكَ ؟ قَالَ : يَا هَذِهِ ، وَلَدِي أَبُو شَحْمَةَ . قَالَتْ : إِنَّهُ عَلَى الطَّعَامِ ، فَدَخَلَ ، وَقَالَ لَهُ : كُلْ يَا بُنَيَّ ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَرَأَيْتُ الْغُلامَ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَارْتَعَدَ ، وَسَقَطَتِ اللُّقْمَةُ مِنْ يَدِهِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَنْ ، أَنَا ؟ قَالَ : أَنْتَ أَبِي وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : فَلِي عَلَيْكَ حَقُّ طَاعَةٍ أَمْ لا ؟ قَالَ : طَاعَتَانِ مُفْتَرَضَتَانِ ، أَوَّلَهُمَا أَنَّكَ وَالِدِي ، وَالأُخْرَى أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ عُمَرُ : بِحَقِّ نَبِيِّكَ ، وَبِحَقِّ أَبِيكَ ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرْتَنِي . قَالَ : يَا أَبَتِي لا أَقُولُ غَيْرَ الصِّدْقِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ ضَيْفًا لِسَنْبَكَةَ الْيَهُودِيِّ فَشَرِبْتَ عِنْدَهُ الْخَمْرَ وَسَكِرْتَ ؟ قَالَ : يَا أَبِي قَدْ كَانَ ذَلِكَ ، وَقَدْ تُبْتُ . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، رَأْسُ مَالِ الْمُذْنِبِينَ التَّوْبَةُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ دَخَلْتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ ، فَرَأَيْتَ امْرَأَةً فَوَاقَعْتَهَا ؟ فَسَكَتَ وَبَكَى وَهُوَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لا بَأْسَ ، اصْدُقْ ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّادِقِينَ . قَالَ : يَا أَبِي ، كَانَ ذَلِكَ وَالشَّيْطَانُ أَغْوَانِي ، وَأَنَا تَائِبٌ نَادِمٌ . فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ وَلَبَّبَهُ وَجَرَّهُ إِلَى الْمَسْجِدِ . فَقَالَ : يَا أَبَتِ ، لا تَفْضَحْنِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ ، خُذِ السَّيْفَ وَاقْطَعْنِي هَهُنَا إِرَبًا إِرَبًا . قَالَ : أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سورة النور آية 2 ، ثُمَّ جَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَقَالَ : صَدَقَتِ الْمَرْأَةُ ، وَأَقَرَّ أَبُو شَحْمَةَ بِمَا قَالَتْ ، وَلَهُ مَمْلُوكٌ ، يُقَالُ لَهُ : أَفْلَحُ ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا أَفْلَحُ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، إِنْ أَنْتَ قَضَيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مُرْنِي بِأَمْرِكَ . فَقَالَ : خُذِ ابْنِي هَذَا فَاضْرِبْهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَلا تُقَصِّرْ فِي ضَرْبِهِ . فَقَالَ : لا أَفْعَلُهُ ، وَبَكَى ، وَقَالَ : يَا لَيْتَنِي لَمْ تَلِدْنِي أُمِّي حَيْثُ أُكَلَّفُ ضَرْبَ سَيِّدِي . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إِنَّ طَاعَتِي طَاعَةُ الرَّسُولِ ، فَافْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ ، فَانْزِعْ ثِيَابَهُ . فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ ، وَجَعَلَ الْغُلامُ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى أَبِيهِ ، وَيَقُولُ : يَا أَبَتِي ارْحَمْنِي . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَهُوَ يَبْكِي : رَبُّكَ يَرْحَمُكَ ، وَإِنَّمَا هَذَا رَبِّي يَرْحَمُنِي وَيَرْحَمُكَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَفْلَحُ ، اضْرِبْ . فَضَرَبَ الْغُلامَ أَوَّلَ سَوْطٍ ، فَقَالَ الْغُلامُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . فَقَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الاسْمُ سَمَّيْتَ يَا بُنَيَّ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَانِيًا ، قَالَ : أَوْهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : اصْبِرْ كَمَا عَصَيْتَ . فَلَمَّا ضَرَبَ ثَالِثًا ، قَالَ : الأَمَانَ . قَالَ عُمَرُ : رَبُّكَ يُعْطِيكَ الأَمَانَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ رَابِعًا قَالَ : وَاغَوْثَاهُ . فَقَالَ : الْغَوْثُ عِنْدَ الشِّدَّةِ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ عَشْرًا قَالَ : يَا أَبَتِي قَتَلْتَنِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، ذَنْبُكَ يَقْتُلُكَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَلاثِينَ ، قَالَ : أَحْرَقْتَ وَاللَّهِ قَلْبِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، النَّارُ أَشَدُّ حَرًّا . فَلَمَّا ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ ، قَالَ : يَا أَبَتِي ، دَعْنِي أَذْهَبُ عَلَى وَجْهِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِذَا أَخَذْتُ حَدَّ اللَّهِ مِنْ جَنْبِكَ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَمْسِينَ ، قَالَ : نَشَدْتُكَ بِالْقُرْآنِ لَمَا جَلَّيْتَنِي ، قَالَ : يَا بُنَيَّ ، هَلا وَعَظَكَ الْقُرْآنُ وَزَجَرَكَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . يَا غُلامُ ، اضْرِبْ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ سِتِّينَ ، قَالَ : يَا أَبِي ، أَغِثْنِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ أَهْلَ النَّارِ إِذَا اسْتَغَاثُوا لَمْ يُغَاثُوا . فَلَمَّا ضَرَبَهُ سَبْعِينَ ، قَالَ : يَا أَبَتِ ، اسْقِنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ رَبَّكَ يُطَهِّرُكَ فَيَسْقِيكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً لا تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا . يَا غُلامُ ، اضْرِبْ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَمَانِينَ ، قَالَ : يَا أَبَتِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ . قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، إِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ ، وَقُلْ لَهُ : خَلَّفْتُ عُمَرَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ . يَا غُلامُ ، اضْرِبْهُ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ تِسْعِينَ انْقَطَعَ كَلامُهُ وَضَعُفَ ، فَوَثَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَقَالُوا : يَا عُمَرُ ، انْظُرْ كَمْ بَقِيَ فَأَخِّرْهُ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ . فَقَالَ : كَمَا لا تُؤَخَّرُ الْمَعْصِيَةُ لا تُؤَخَّرُ الْعُقُوبَةُ . فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أُمِّهِ ، فَجَاءَتْ بَاكِيَةً صَارِخَةً وَقَالَتْ : يَا عُمَرُ ، أَحُجُّ بِكُلِّ صَوْتٍ حِجَّةً مَاشِيَةً ، وَأَتَصَدَّقُ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا . قَالَ : الْحَجُّ وَالصَّدَقَةُ لا تَنُوبُ عَنِ الْحَدِّ . يَا غُلامُ ، أَتِمَّ الْحَدَّ . فَلَمَّا كَانَ آخِرُ سَوْطٍ سَقَطَ الْغُلامُ مَيِّتًا ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا بُنَيَّ ، مَحَّصَ اللَّهُ عَنْكَ الْخَطَايَا . وَجَعَلَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ أُمِّهِ وَجَعَلَ يَبْكِي ، وَيَقُولُ : بِأَبِي مَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ ، بِأَبِي مَنْ مَاتَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَدِّ ، بِأَبِي مَنْ لَمْ يَرْحَمْهُ أَبُوهُ وَأَقَارِبُهُ . فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا ، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَقْبَلَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَذْتُ وِرْدِي مِنَ اللَّيْلِ ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ، وَإِذَا الْفَتَى مَعَهُ عَلَيْهِ حُلَّتَانِ خَضْرَاوَتانِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَقْرِئْ عُمَرَ مِنِّي السَّلامَ ، وَقُلْ لَهُ : هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَتُقِيمَ الْحُدُودَ . وَقَالَ الْغُلامُ : أَقْرِئْ أَبِي مِنِّي السَّلامَ ، وَقُلْ لَهُ : طَهَّرَكَ اللَّهُ كَمَا طَهَّرْتَنِي " . مَوْضُوع ، فِيه مجاهيل ، قَالَ الدارَقُطْنيّ : حديث مُجَاهِد عَنِ ابْن عَبَّاس فِي حديث أَبِي شحمة لَيْسَ بصحيح . وَقَدْ رَوَى منْ طريق عَبْد القدوس بْن الحَجَّاج ، عَنْ صفوان ، عَنْ عُمَر ، وعبد القدوس كذاب يضع ، وصفوان بينه وبَيْنَ عُمَر رجال ، وَالَّذِي ورد فِي هَذَا ما ذكره الزُّبَير بْن بكار ، وابن سَعْد فِي الطبقات ، وغيرهما أن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْسَط منْ أولاد عُمَر ، ويكنى : أبا شحمة ، كَانَ بمصر غازيًا فشرب ليلة نبيذًا ، فخرج إِلَى السكر فجاء إِلَى عَمْرو بْن العاص ، فَقَالَ : أقم عَلَى الحد فامتنع ، فَقَالَ لَهُ : أخبر أَبِي إذا قدمت عليه فضربه الحد فِي داره ، ولم يخرجه فكتب إِلَيْهِ عُمَر يلومه ، ويَقُولُ : ألا فعلت بِهِ ما تفعل بجميع المسلمين ، فَلَمَّا تقدم عَلَى عُمَر ضربه واتفق أَنَّهُ مرض فمات .