أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَصُلْبُ الْحَدِيثِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا فُتِنَ أَصْحَابُهُ بِمَكَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَخَرَجْنَا أَرْسَالا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَصَبْنَا خَيْرَ دَارٍ ، وَأَصَبْنَا قَرَارًا ، وَجَاوَرْنَا رَجُلا حَسَنَ الْجِوَارِ ، وَائْتَمَرَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ مِنْ طَرَائِفِ بِلادِهِمْ مِنَ الأُدُمِ وَغَيْرِهِ ، وَكَانَ الأُدُمُ يُعْجِبُ النَّجَاشِيَّ أَنْ يُهْدَى إِلَيْهِ ، وَأَنْ يُهْدُوا لِبَطَارِقَتِهِ فَفَعَلُوا أَوْ بَعَثُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَيْنَا ، فَلَمَّا قَدِمَا قَدَّمَا لِلْبَطَارِقَةِ الْهَدَايَا وَوَصَفَا حَاجَتَهُمْ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ دَخَلا عَلَى النَّجَاشِيِّ ، فَقَالا : أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ شُبَّانًا فِينَا خَرَجُوا ، وَقَدِ ابْتَدَعُوا دِينًا سِوَى دِينِكَ وَدِينِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا وَدِينٍ لا نَعْرِفُهُ مِنَ الأَدْيَانِ ، فَارَقُوا بِهِ أَشْرَافَهُمْ ، وَخِيَارَهُمْ وَأَهْلَ الرَّأْيِ مِنْهُمْ ، فَانْقَطَعُوا بِأَمْرِهِمْ مِنْهُمْ ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَيْكَ لِتَمْنَعَهُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ ، وَآبَائِهِمْ ، وَكَانُوا هُمْ بِهِمْ أَعْلا عَيْنًا ، فَارْدُدْهُمْ إِلَيْنَا لِنَرُدَّهُمْ عَلَى آبَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ : صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ ، فَارْدُدْهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ بِقَوْمِهِمْ ، فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَفْعَلُ ، قَوْمٌ نَزَلُوا بِلادِي ، وَلَجَئُوا إِلَيَّ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا ، فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ ، فَقَالُوا : مَا تَكَلَّمُونَ بِهِ الرَّجُلَ ؟ فَقَالُوا : نُكَلِّمُهُ بِالَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فَجَمَعَ بَطَارِقَتَهُ وَأَسَاقِفَتَهُ ، وَأَمَرَهُمْ فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ ، فَتَكَلَّمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَؤُلاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ فَارَقْتُمْ دِينَهُمْ ، وَلَمْ تَتَّبِعُوا دِينِي ، وَلا دِينَ الْيَهُودِ ، فَأَخْبِرَانِي بِدِينِكُمُ الَّذِي فَارَقْتُمْ بِهِ قَوْمَكُمْ ، فَقَالَ جَعْفَرٌ : كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ ، وَأَمْرِهِمْ ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَعَفَافَهُ ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأَمَرَنَا بِإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَالصِّيَامِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَكُلِّ مَا تَعْرِفُ مِنَ الأَخْلاقِ الْحَسَنَةِ ، وَتَلا عَلَيْنَا تَنْزِيلا لا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ فَصَدَّقْنَاهُ ، وَآمَنَّا بِهِ ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ ، مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا ، فَآذُونَا وَقَسُونَا ، فَلَمَّا بَلَغَ مِنَّا مَا نَكْرَهُ وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الامْتِنَاعِ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى بِلادِكَ اخْتِيَارًا لَكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ لِتَمْنَعَهُمْ مِنَ الظُّلْمِ ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ : فَهَلْ مَعَكُمْ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ تَقْرَءُونَهُ عَلَيَّ ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ : نَعَمْ ، فَقَرَأَ جَعْفَرٌ كهيعص ، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَكُمْ ، قَالَ : وَأُرَاهُ ، قَالَ : وَنَجَّاهُمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْكَلامَ ، وَالْكَلامَ الَّذِي جَاءَ مُوسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لا أُسْلِمُهُمُ إِلَيْكُمَا ، وَلا أُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمَا فَالْحَقَا بِشَأَنْكُمَا ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَخَرَجَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودٌ أَمْرُهُمَا ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُ غَدًا بِقَوْلٍ أَبْتَرُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ : لا تَفْعَلْ ، فَإِنَّ لِلْقَوْمِ رَحِمًا ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا ، فَمَا نُحِبُّ أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلا عَلَيْهِ ، فَقَالا : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ عَبْدٌ , فَسَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ، فَمَا نَزَلَ بِنَا قَطُّ مِثْلُهَا ، قَالُوا : قَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ عِيسَى إِلَهُهُ الَّذِي يُعْبَدُ ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ نَبِيَّكُمْ جَاءَكُمْ بِأَنَّهُ عَبْدٌ ، وَأَنَّ مَا يَقُولُونَ هُوَ الْبَاطِلُ ، فَمَاذَا تَقُولُونَ ؟ فَقَالُوا : نَقُولُ بِمَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ : نَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَرَسُولُهُ ، وَرُوحُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ ، فَأَخَذَ النَّجَاشِيُّ عُودًا ، وَقَالَ : مَا عَدَا عِيسَى مَا تَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا الْعُودِ ، قَالَ فَنَخِرَتْ أَسَاقِفَتُهُ ، فَقَالَ : وَإِنْ نَخِرْتُمُ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي ، يَقُولُونَ : أَنْتُمْ آمِنُونَ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ مَا أُحِبُّ أَنِّي آذَيْتُ رَجُلا مِنْكُمْ ، وَأَنَّ لِي دَبْرًا مِنْ ذَهَبٍ ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِمُ الْجَبَلُ ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي رِشْوَةً حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي ، وَمَا أَطَاعَ اللَّهُ فِيَّ النَّاسَ فَأُطِيعُهُمْ فِيهِ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَجَعَلْنَا نَتَعَرَّضُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَصَاحِبِهِ أَنْ يَسُبَّانَا ، فَيُغَرِّمَهُمَا ، فَخَرَجَا خَائِبِينَ ، وَأَقَمْنَا فِي خَيْرِ دَارٍ ، وَفِي خَيْرِ جِوَارٍ ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ قَدْ آمَنَّا ، وَاطْمَئْنَنَّا إِذْ شَعَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَنَازَعَهُ فِي الْمُلْكِ ، فَمَا عَلِمْنَا أَصَابَنَا خَوْفٌ أَشَدَّ مِمَّا أَصَابَنَا عِنْدَ ذَلِكَ فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَيَتَبَوَّأَ مِنَّا مَنْزِلَنَا وَيَأْتِينَا رَجُلٌ لا يَعْرِفُ مِنَّا مِثْلَ مَا كَانَ يَعْرِفُ النَّجَاشِيُّ ، وَكُنَّا نَدْعُو لَيْلا وَنَهَارًا أَنْ يُعِزَّهُ اللَّهُ وَيُظْهِرَهُ ، فَخَرَجَ النَّجَاشِيُّ سَائِرًا إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ ، فَقُلْنَا : مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا يَفْعَلُ الْقَوْمُ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ : إِنَّا وَكَانَ أَحْدَثَهُمْ سِنًا فَأَخَذَ قِرْبَةً ، فَفَتَحَهَا ، ثُمَّ رَبَطَهَا فِي صَدْرِهِ ، ثُمَّ وَقَعَ فِي النِّيلِ وَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، ثُمَّ الْتَقَى الْقَوْمُ نَاحِيَةَ الْقُصْوَى ، فَهُزِمَ جُنْدُ ذَلِكَ الرَّجُلِ ، وَأَقْبَلَ الزُّبَيْرُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ شَطِّ النِّيلِ أَلاحَ بِثَوْبِهِ ، وَصَرَخَ : أَبْشِرُوا ، فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ النَّجَاشِيَّ وَأَظْهَرَهُ ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ، تَقُولُ : فَمَا أَذْكُرُنِي فَرِحْتُ فَرَحًا قَطُّ مِثْلَهُ حِينَ بَدَا أَنْ يَقُومَ قَوْمٌ يَأْتُوا مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أُمِّ سَلَمَةَ | أم سلمة زوج النبي / توفي في :63 | صحابية |
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ | عروة بن الزبير الأسدي / توفي في :94 | ثقة فقيه مشهور |
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ | عبيد الله بن عبد الله الهذلي / توفي في :94 | ثقة فقيه ثبت |
أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ | أبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي | ثقة |
الزُّهْرِيُّ | محمد بن شهاب الزهري / ولد في :52 / توفي في :124 | الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه |
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ | ابن إسحاق القرشي / توفي في :150 | صدوق مدلس |
أَبِي | جرير بن حازم الأزدي | ثقة |
وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ | وهب بن جرير الأزدي / توفي في :206 | ثقة |