حَدِيثُ : " حُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الْإِيمَانِ " ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ ، وَقَالَ السَّيْدُ مَعِينُ الدِّينِ الصَّفَوِيُّ : لَيْسَ بِثَابِتٍ ، وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ ، وَقَالَ السَّخَاوِيُّ : لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ ، قَالَ الْمُنُوفِيُّ : مَا ادَّعَاهُ مِنْ صِحَّةِ مَعْنَاهُ عَجِيبٌ : إِذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ حُبِّ الْوَطَنِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ سورة النساء آية 66 فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى حُبِّهِمْ لِوَطَنِهِمْ مَعَ عَدَمِ تَلَبُّسِهِمْ بِالْإِيمَانِ ، إِذْ ضَمِيرُ عَلَيْهِمْ سورة النساء آية 66 لِلْمُنَافِقِينَ وَتَعَقُّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْوَطَنَ إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ حُبَّ الْوَطَنِ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ ، انْتَهَى ، وَلَا يُخْفَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ : حُبُّ الْوَطَنِ مِنْ عَلَامَةِ الْإِيمَانِ ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْحُبُّ مُخْتَصًّا بِالْمُؤْمِنِ ، فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةَ قُبُولِهِ ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ نَظَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمُؤْمِنِينَ : وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا سورة البقرة آية 246 فَصَحَّتْ مُعَارَضَتُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا سورة النساء آية 66 ثُمَّ الْأَظْهَرُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ ، إِنْ صَحَّ مَبْنَاهُ ، أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطَنِ الْجَنَّةُ ، فَإِنَّهَا الْمَسْكَنُ الْأَوَّلُ لِأَبِينَا آدَمَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَنَّهُ خُلِقَ فِيهِ ، أَوْ دَخَلَ بَعْدَمَا تَكَمَّلَ وَأَتَمَّ ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ مَكَّةُ فَإِنَّهَا أُمُّ الْقُرَى وَقِبْلَةُ الْعَالَمِ ، أَوِ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيِّينَ ، فَإِنَّهُ الْمَبْدَأُ وَالْمَعَادُ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى سورة النجم آية 42 أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الْوَطَنُ الْمُتَعَارَفُ ، لَكِنَّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ حُبِّهِ صِلَةُ أَرْحَامِهِ وَإِحْسَانُهُ إِلَى أَهْلِ بَلَدٍ مِنْ فُقَرَائِهِ وَأَيْتَامِهِ ، ثُمَّ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ عَلَامَةً لَهُ اخْتِصَاصُهُ بِهِ مُطْلَقًا ، بَلْ يَكْفِي غَالِبًا ، أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ " حُسْنُ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ " ، مَعَ أَنَّهُمَا يُوجَدَانِ فِي أَهْلِ الْكُفْرَانِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |