حَدِيثُ : " مَنْ بَلَغَهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ فَأَخَذَ بِهِ إِيمَانًا بِهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ ، أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ " ، قَدْ سَبَقَ عَنِ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى : " لَوْ حَسَّنَ أَحَدُكُمْ ظَنَّهُ بِحَجَرٍ لَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ " ، فَقَالَ : لَا أَصْلَ لَهُ ، وَنَحْوَهُ : " مَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ " الْحَدِيثَ ، وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي تَلْوِيحِ الْمَعْنَى وَتَصْحِيحِ الْمَبْنَى ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِي رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ جَابِرِ بِهِ مَرْفُوعًا ، وَفِي سَنَدِهِ بِشْرُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ ، وَلَهُ طُرُقٌ لَا تَخْلُو مِنْ مَتْرُوكٍ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ ، كَمَا ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ ، إِلَّا أَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْنَدْ وَلَمْ يَعْزُ إِلَى أَحَدٍ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ ، وَقَالَ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ " مَنْ بَلَغَهُ عَنِ اللَّهِ فَضِيلَةٌ فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا لَمْ يَنَلْهَا " فَفِي الْجُمْلَةِ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ ، لَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ : إِنْ حُمِلَ مَا بَلَغَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ " إِيمَانًا بِهِ " ، لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ الثُّبُوتَ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ إِيمَانًا بِهِ فِي فَرْضِ كَوْنِ الْحَدِيثِ الَّذِي بَلَغَهُ ضَعِيفًا ، لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا حَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْمَضْمُونُ ثَابِتًا ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ نَافَاهُ قَوْلُهُ " وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ " لِأَنَّ فَرْضَ كَوْنِ ذَلِكَ الْأَمْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ يُنَافِي الصِّحَّةَ الْمُسْتَلْزَمَةَ لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ ، وَالْجَوَابُ : أَنَّا نَخْتَارُ الْأَوَّلُ وَنَقُولُ : اعْتِقَادُ الثُّبُوتِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّنَدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، كَمَا إِذَا كَانَ عَامًّا أَدْرَجَهُ فِي الْعُمُومَاتِ ، فَالثُّبُوتِ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ هَذَا الْإِدْرَاجِ لَا غَيْرَ ، أَوْ نَخْتَارُ الثَّانِي فَنَحْمِلُهُ عَلَى مَا صَحَّ سَنَدُهُ ظَنًّا فِي الظَّاهِرِ فَهَذَا يُمْكِنُ التَّصْدِيقَ بِثُبُوتِهِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَاطِنًا ، فَحِينَئِذٍ كُتِبَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الَّذِي بَلَغَهُ ، مَعَ كَوْنِ الْحَدِيثِ غَيْرَ وَاقِعٍ لِكَوْنِ بَعْضِ رُوَاتِهِ الظَّاهِرِ الْعَدَالَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ وَبَاطِنًا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْحُسْنَ وَالضَّعْفَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فَقَطْ ، مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ الصَّحِيحِ مَوْضُوعًا ، وَعَكْسِهِ ، كَذَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ بْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ فِي حَلِّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ " فَأَخَذَ بِهِ " أَيْ بِالْفَضِيلَةِ بِمَعْنَى الْفَضْلِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى شَيْءٍ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَمَعْنًى أَخَذَ بِهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا ، ثُمَّ قَوْلُهُ " إِيمَانًا بِهِ أَيْ إِيمَانًا بِاللَّهِ ، وَإِيقَانًا بِرَجَاءِ ثَوَابِهِ ، لَا لِأَنَّ الْمَعْنَى إِيمَانًا بِذَلِكَ الْحَدِيثِ كَمَا حَلَّهُ الشَّيْخُ ، فَاحْتَاجَ إِلَى تَمَحُّلٍ فِي الْجَوَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .