أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ ، قُلْتُ لَهُ : أَخْبَرَكُمْ جَدِّي أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ ، أنبا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ السُّلَمِيُّ الْمِصِّيصِيُّ ، أنبا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ شُعَيْبٍ الأَنْصَارِيُّ ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَهُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْخَصِيبِ قَالا : أنبا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، يُقَالُ لَهُ : يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : سَأَلْتُ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ ، وَكَانَ وَصَّافًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى وَثنا بِهِ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ ، أَمْلاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي هَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ ، وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَقَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلأَلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ ، عَظِيمَ الْهَامَةِ ، رَجِلَ الشَّعَرِ ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ انْفَرَقَ ، وَإِلا فَلا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ ، ذَا وَفْرَةٍ ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ ، وَاسِعَ الْجَبِينِ ، أَزَجُّ الْحَوَاجِبُ سَوَابِغُ فِي غَيْرِ قرْنٍ ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يَدُرُّهُ الْغَضَبُ ، أَقْنَى الْعَرْنَيْنِ ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ ، كَثَّ اللِّحْيَةِ ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ، ضَلِيعَ الْفَمِ ، أَشْنَبَ , مُفَلَّجَ الأَسْنَانِ ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ ، فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ ، بَادِنًا مُتَمَاسِكًا ، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ ، عَرِيضًا ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعَرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ ، عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ ، رَحْبَ الرَّاحَةِ ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، سَائِرَ أَوْ سَائِلَ الأَطْرَافِ ، خُمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ ، إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا ، يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا ، خَافِضَ الطَّرْفِ ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ ، يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ , قَالَ : قُلْتُ : صِفْ لِي مَنْطِقَهِ . قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ , دَائِمَ الْفِكْرَةِ ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ ، لا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ ، طَوِيلَ السُّكُونِ ، يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ , فَصْلا لا فُضُولَ وَلا تَقْصِيرَ ، دَمِثًا لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمُهِينِ ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَّاقًا وَلا يَمْدَحُهُ , وَلا تُغِيضُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا ، فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ ، لا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلا يَنْتَصِرُ لَهَا ، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا , وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا , وَإِذَا حَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا ، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ الْيُسْرَى ، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ ، ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ ، وَافْتَرَّ عَنْ مِثْلِ الْغِمَارِ وَلَعَلَّهُ الْغَمَامُ " . قَالَ الْحَسَنُ : فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَانًا , ثُمَّ حَدَّثْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، وَوَجَدْتُهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا , قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَأَلْتُ أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ ، جُزْءًا لِلَّهِ ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَلا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا ، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي الأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ ، وَالأُمَّةُ فِي مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُمْ وَإِخْبَارِهِمُ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ ، وَيَقُولُ : " لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ ، وَأَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . لا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ ، وَلا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ يَدْخُلُونَ فُرَادَى ، وَلا يَتَفَرَّقُونَ إِلا عَنْ ذَوَاقٍ ، وَيَخْرُجُونَ أَدِّلَةً . وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ ، كَيْفَ يَصْنَعُ فِيهِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَزِّنُ لِسَانَهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ ، وَيُؤَلِّفُهُمْ ، وَلا يُنَفِّرُهُمْ ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتِرَسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشَرِّهِ وَخُلُقِهِ ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ ، وَيُحْسِنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ ، مُعْتَدِلَ الأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ ، لا يَغْفَلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفَلُوا أَوْ يَمِيلُوا لِكُلِّ ذَلِكَ عِنْدَهُ غَنَاءٌ ، وَلا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ وَلا يُجَاوِزُهُ ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْمُّهُمْ نَصِيحَةً ، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحَسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً . " وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ , فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرٍ ، وَلا يُوطِنُ الأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ ، وَيُعْطِي جُلَسَاءَهُ كُلا بِنَصِيبِهِ ، لا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ ، صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَزِدْهُ إِلا بِهَا ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطَةً وَخِلْقَةً ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً ، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ لا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ ، وَلا تُثْنَى فَلَتَاتُهُ ، مُتَعَادِلُونَ مُتَفَاضِلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى ، مُتَوَاضِعُونَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ " . وَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ , فَقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ وَلا فَحَّاشٍ ، وَلا عَيَّابٍ وَلا مَيَّاحٍ ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِيهِ وَلا يُؤْنِسُ مِنْهُ وَلا يُجِيبُ فِيهِ ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ : الْمِرَاءِ , وَالإِكْثَارِ , وَمَا لا يَعْنِيهِ ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ : كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا وَلا يُعَيِّرُهُ وَلا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ ، لا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا ، وَلا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ ، مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتِهِمْ ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُ ، وَيَقُولُ : " إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ " . وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا عَنْ مُكَافِئٍ ، وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ ، فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ . قَالَ : فَسَأَلْتُهُ : كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ ؟ فَقَالَ : كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ ، فَأَمَّا تَدَبُّرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى ، وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ ، وَكَانَ لا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلا يَسْتَفِزُّهُ ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ : أَخْذِهِ بِالْخَيْرِ لِيُقْتَدَى بِهِ , وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامِ بِهِمْ ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ .