قَالَ ابْنُ أَبِي عَبَّادٍ : أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : " أَيُّمَا قَرْيَةٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ أَنْ يُقْسَمُوا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ " . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَذْهَبُ فِي أَهْلِ السَّوَادِ إِلَى هَذَا ، وَيَقُولُ : إِنَّمَا تُرِكُوا أَحْرَارًا ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قُسِمُوا ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا هَذَا فِي الْعَرَبِ خَاصَّةً ، لأَنَّهُ لا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ رِقٍّ . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ : إِنَّهُمْ إِذَا أُخِذُوا عَنْوَةً فَقَدْ أَلْزَمَهُمُ الرِّقَّ وَإِنْ لَمْ يُقْسَمُوا ، قَالَ : وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا مِنَ الأَثَرِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ عِنْدِي إِلا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، إِنَّ الإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ مَا لَمْ يُقْسَمُوا ، فَإِذَا قُسِمُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ إِلا بِطِيبِ أَنْفُسِ الَّذِينَ صَارُوا إِلَيْهِمْ ، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ حُنَيْنٍ ، حِينَ لَمْ يَرْتَجِعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنَ السَّبْيِ ، إِلا بِاسْتِيهَابٍ وَطِيبٍ مِنَ الأَنْفُسِ ، لأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَسَمَهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِأَهْلِ خَيْبَرَ وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا وَلَمْ يَسْتَوْهِبْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَرَى عَلَيْهِمُ الْقَسْمُ ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ قَسْمَهُ أَهْلَ حُنَيْنٍ ، الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ كَانَا اسْتَيْسَرَا الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُمَا حَتَّى خَيَّرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتَا قَوْمَهُمَا ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَصَبْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ فَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ ، وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَهَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَهُمَا سُنَّتَانِ قَائِمَتَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِفِعْلِهِ بِأَهْلِ خَيْبَرَ فَعَلَ عُمَرُ بِأَهْلِ السَّوَادِ ، فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمْ سُبُوا . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمْ سِبَاءٌ وَلا رِقٌّ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |