أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ : " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَالِ الْمَجْنُونِ : هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا سُفْيَانُ فَكَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ , فَإِذَا كَبِرَ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ , وَأَخْبِرْهُ بِمَا عَلَيْهِ وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ , سِوَى سُفْيَانَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ , فَلا يَرَوْنَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ زَكَاةً ، وَلا يَرَوْنَ عَلَى وَصِيِّهِ إِحْصَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا , وَلا إِعْلامَهُ , وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدَهُمْ , وَاقْتَاسُوا ذَلِكَ بِالصَّلاةِ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ , أَنَّ شَرَائِعَ الإِسْلامِ لا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، لأَنَّهَا أُمَّهَاتٌ , وَتَمْضِي كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى فَرْضِهَا وَسُنَّتِهَا , وَقَدْ وَجَدْنَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَخْرُجُ قَبْلَ حِلِّهَا وَوُجُوبِهَا , فَتُجْزِي عَنْ صَاحِبِهَا ، وَأَنَّ الصَّلاةَ لا تُجْزِي إِلا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمِنْهَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّغِيرِ , إِذَا كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا , وَهُوَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ , وَمِنْهَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ , وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ , فَالصَّلاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الصَّبِيِّ , وَالصَّدَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ ، وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الْمُكَاتَبِ , وَالصَّلاةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ , فَهَذَا اخْتِلافٌ مُتَفَاوِتٌ ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ أَيْضًا , أَلا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ وَأَنَّ الآكِلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لا قَضَاءَ عَلَيْهِ , وَأَنَّ النَّاسِيَ لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ إِذَا ذَكَرَهَا ؟ وَذَلِكَ الْمَرِيضُ يَسَعُهُ الإِفْطَارُ إِلَى أَنْ يَصِّحَ , وَهُوَ لا يُجْزِيهِ تَأْخِيرُ الصَّلاةِ إِلا أَنْ تُقْضَى فِي وَقْتِهَا , عَلَى مَا بَلَغَتْهُ طَاقَتُهُ مِنَ الْجُلُوسِ , أَوِ الإِيمَاءِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرَةٌ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ فَأَيْنَ يَذْهَبُ الَّذِي يَقِيسُ الْفَرَائِضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ عَمَّا ذَكَرْنَا ؟ وَمِمَّا يُبَاعِدُ حُكْمَ الصَّلاةِ مِنَ الزَّكَاةِ أَيْضًا , أَنَّ الصَّلاةَ إِنَّمَا هِيَ حَقٌّ يَجِبُ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ , وَأَنَّ الزَّكَاةَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ , وَإِنَّمَا مَثَلُهَا كَالصَّبِيِّ يَكُونُ لَهُ الْمَمْلُوكُ , أَلَسْتَ تَرَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ , كَمَا تَجِبُ عَلَى الْكَبِيرِ ؟ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لِهَذَا الصَّبِيِّ زَوْجَةٌ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَبُوهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ , فَأَخَذَتْهُ بِالصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ , أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ ضَيَّعَ لإِنْسَانٍ مَالا , أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا , كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ , مَعَ أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ فَهَذَا أَشْبَهُ بِالزَّكَاةِ مِنَ الصَّلاةِ ؛ لأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ , وَلَيْسَتِ الصَّلاةُ كَذَلِكَ , أَفَلا يُسْقِطُونَ عَنْهُ هَذِهِ الدُّيُونَ , إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ لا تَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَفِيهِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا : لَوْ أَنَّ رَجُلا زَوَّجَ ابْنَةً لَهُ صَغِيرَةً , فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا , أَوْ طَلَّقَهَا , كَانَتِ الْعِدَّةُ لازِمَةً لَهَا بِالطَّلاقِ وَالْوَفَاةِ جَمِيعًا , لا اخْتِلافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ أَعْلَمُهُ , وَلَوْ كَانَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلا كَبُطُولِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ , فَهَلا سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْهَا فِي هَذَا , أَوْ عَمَّنْ زَوَّجَهَا ، إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا ؟ فَالأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ , ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ , أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ , مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدِي هُوَ مِثْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ : أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ ، ثُمَّ أَخْبِرْهُ بِذَلِكَ , فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ يَثْبُتُ عَنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , وَهُوَ مَعَ هَذَا يُفْتِي بِخِلافِهِ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْهُ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " أَدِّ زَكَاةَ مَالِ الْيَتِيمِ " . وَحَدِيثُ خُصَيْفٍ عَنْهُ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " كُلُّ مَالٍ لِلْيَتِيمِ يُنَمَّى أَوْ يُضَارَبُ بِهِ , فَزَكِّهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ , فَلَوْ صَحَّ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُجَاهِدٍ , مَا أَفْتَى بِخِلافِهِ , وَهُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , لَكَانَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ أَقْرَبُ ، أَلا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُحْصِيَ مَالَهُ , وَيُعْلِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؟ وَلَوْلا الْوجُوبُ عَلَيْهِ مَا كَانَ لِلإِحْصَاءِ وَالإِعْلامِ مَعْنًى ، فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ , يَقُومُ بِهِ الْوَلِيُّ , كَمَا يَقُومُ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ , مَا دَامَ صَغِيرًا سَفِيهًا , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ , وَيُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ , فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ , فَلْيُعْلِمْهُ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ , حَتَّى يُزَكِّيَهُ الْيَتِيمُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ , وَإِلا لَمْ آمَنْ عَلَيْهِ الإِثْمَ كَمَا قَالَ طَاوُسٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ , فَالإِثْمُ فِي عُنُقِهِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |