باب ما جاء في صدقة الخيل والرقيق وما فيها من السنة


تفسير

رقم الحديث : 1463

أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ : سُئِلَ سُفْيَانُ " عَنْ زَكَاةِ مَالِ الْمَمْلُوكِ , وَعَلَى مَنْ هُوَ ؟ قَالَ عَلَى السَّيِّدِ , لأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ عَبْدِهِ , إِنَّمَا هُوَ مَالُ سَيِّدِهِ , وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُزَكِّيَهَ " . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ , وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدِي فَمَا قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ , وَهُوَ عَلَى تَأْوِيلِ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ , عُمَرَ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَجَابِرٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لَهُ , وَأَنَّ الزَّكَاةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ إِلَى الْعَبْدِ وَمَا يُثْبِتُ ذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ : " مَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ " ، فَأَوْجَبَ أَنَّ لَهُ مَالا بِقَوْلِهِ : " وَلَهُ مَالٌ " وَبِقَوْلِهِ : " فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ " ، فَنُسِبَ الْمَالُ إِلَى الْعَبْدِ إِلا أَنَّ سُنَّةَ مِلْكِ الْعَبْدِ مُفَارَقَةٌ لِمِلْكِ الأَحْرَارِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّ مُسَلَّطٌ عَلَى مَالِهِ بِالاسْتِهْلاكِ وَالإِتْلافِ مِنَ الْعِتَاقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجْرٌ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا ، وَقَدْ أَنْكَرَ مِنْ مَذْهَبِنَا هَذَا نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالُوا : لا نَعُدُّ هَذَا مِلْكًا ، إِذَا كَانَ لا سَبِيلَ لَهُ إِلَى هَلَكَتِهِ كَالْحُرِّ ، فَقُلْنَا : هَذِهِ حُجَّةٌ ، لَوْ كَانَتْ أَحْكَامُ الْمَمَالِيكِ كُلُّهَا لاحِقَةٌ بِأَحْكَامِ الأَحْرَارِ ، كَانَ لَكُمْ أَنْ تُشَبِّهُوا حُكْمَهُ فِي مِلْكِ الْمَالِ بِهَا ، وَلَكِنَّا رَأَيْنَا أَحْكَامَ الْفَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَةً مُتَبَاينَةً ، أَلا يَرَوْنَ أَنَّ الْعَبْدَ لا يَنْكِحُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا اثْنَتَيْنِ ، وَأَنَّ الأَمَةَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ ، وَتَعْتَدُّ مِنَ الطَّلاقِ حَيْضَتَيْنٍ ، أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا ، وَمِنَ الْوَفَاةِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ ، وَيَكُونُ الإِيلاءُ مِنْهُمَا شَهْرَيْنِ ، وَأَنَّهُمَا لا يُجْلَدَانِ فِي الزِّنَا إِلا خَمْسِينَ جَلْدَةً ، وَفِي الْفِرْيَةِ إِلا أَرْبَعِينَ جَلْدَةً ؟ وَفِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَقْصُرُ فِيهَا الْمَمَالِيكُ عَنْ مَرَاتِبِ الأَحْرَارِ ، وَمِنَ الْمَوَارِيثِ ، وَالْفَيْءِ ، وَالْمَغْنَمِ ، وَالشَّهَادَاتِ ، وَالإِقْرَارِ بِالدِّيُونِ ، وَوجُوبِ الْحَجِّ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَلِمَ قُصِرَتْ أُمُورُ هَؤُلاءِ عَنْ مَبْلَغِ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : لأَنَّ هَذِهِ سُنَّةُ الْمَمَالِيكِ أَنْ تَكُونَ أَنْقَصَ مِنْ سُنَنِ الأَحْرَارِ ، قُلْنَا : فَكَذَلِكَ مِلْكُهُمُ الْمَالَ أَيْضًا ، سُنَّةُ مِلْكِهِمْ أَنْقَصُ مِنْ سُنَّةِ مِلْكِ الأَحْرَارِ ، إِلا أَنَّهُ لا يُجْزِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا ، وَلَكِنَّهُ مِلْكُ مَصْلَحَةٍ وَتَوْفِيرٍ ، وَلَيْسَ بِمِلْكِ إِهْلاكٍ وَلا تِوًى ، فَإِذَا وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ مَالا ، فَهُوَ لَهُ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي جَعَلَتْهُ السُّنَّةُ لَهُ ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهُ السَّيِّدُ ، أَوْ يَبِيعَهُ فَيَزُولُ حِينَئِذٍ مِلْكُهُ عَنْهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى رَبِّهِ فَاخْتَلَفَ مِلْكُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْمَالِ ، كَمَا اخْتَلَفَتْ أُمُورُهُمَا وَسُنَّتُهُمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ، نَقُولُ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ خُلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، كَانَتْ أَحْرَى أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَا ، وَتُتَّبَعَ فِي حُكْمِ الْعَبْدِ مِنْ مَلِكِهِمِ الأَمْوَالِ ، وَذَلِكَ أَنَّا لا نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ الْمَمَالِيكِ ، وَلا حُفِظَ عَنْهُمْ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِمْ سِوَى سُنَّتِهِ فِي الْمَالِ ، وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُرْوَى عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ ، مَا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُثْبَتًا مَحْفُوظًا أَمْ مَا جَاءَ عَنْ سِوَاهُ ؟ وَإِنْ كَانُوا الأَئِمَّةُ يُقْتَدَى بِهِمْ ، فَأَمَّا الَّذِي عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ ، أَنَّ الْمُقَدَّمَ مِنَ الأَقْوَالِ مَا قَالَهُ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ ، حِينَ نَسَبَ الْمَالَ إِلَى الْعَبْدِ وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ ، وَفِي إِجَابَتِهِ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ ، وَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ سَلْمَانَ ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ ، مَعَ كُلِّ هَذَا تَثْبِيتُ مَا قُلْنَا ، فَنَحْنُ نَقُولُ بِسُنَّتِهِ فِي مَالِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى مَا أَفْتَى بِهِ الصَّالِحُونَ بَعْدُ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ ، فَنَحْنُ لَهُ وَلَهُمْ مُتَّبِعُونَ فِي كُلِّ مَا أَتَانَا عَنْهُمْ وَمِمَّا يُثْبِتُ مَالَهُ أَيْضًا ، مَا أَرْخَصُوا فِيهِ مِنْ تَسَرِّيهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ رَأَى الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ وَاجِبَةً وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ الْحَذَّاءِ حِينَ قَالَ : قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ : " أَعَلَى الْعَبْدِ زَكَاةٌ ؟ قَالَ : أَمُسْلِمٌ هُوَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ " . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا زَادَ مِلْكُهُ تَثْبِيتًا ، لأَنَّهُ لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي قَالَ الآخَرُونَ : إِنَّهُ لا مِلْكَ لَهُ ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ ، وَلَوْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبُ مَا سَأَلَ عَنْهُ : أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ ؟ أَلا تَرَى أَنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ : إِنَّ مَالَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ سَوَاءٌ ، وَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى السَيِّدِ ؟ أَلا تَرَى أَنَّ الَّذِيَ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ الأَوَّلَ ، مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَقَوْلِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ ، بِأَنَّهُ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَلا يَتَصَدَّقُ إِلا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.