ابواب مخارج الصدقة وسبلها التي توضع فيها


تفسير

رقم الحديث : 1603

وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " لَيْسَ فِي الْعَرَايَا صَدَقَةٌ " . أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ ، قَالَ : وَالْعَرَايَا تُفَسَّرُ عَلَى وَجْهَيْنِ : فَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ ، فِيمَا حَدَّثَنِي عَنْهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ : الْعَرِيَّةُ هِيَ النَّخْلَةُ يَهَبُ الرَّجُلُ ثَمَرَتَهَا لِلْمُحْتَاجِ يُعْرِيهَا إِيَّاهُ ، فَيَأْتِي الْمُعْرَى ، وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إِلَى نَخْلَتِهِ تِلْكَ لِيَجْتَنِيَهَا , فَيَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي وَهُوَ الْوَاهِبُ دُخُولُهُ عَلَيْهِ لِمَكَانِ أَهْلِهِ فِي النَّخْلِ ، قَالَ : فَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ لِلْوَاهِبِ خَاصَّةً فِي أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخَرْصِهَا تَمْرًا , فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَمَّا غَيْرُ مَالِكٍ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الْعَرَايَا هِيَ النَّخَلاتُ يَسْتَثْنِيهَا الرَّجُلُ مِنْ حَائِطِهِ إِذَا بَاعَ ثَمَرَتَهُ , فَلا يَدْخُلُهَا فِي الْبَيْعِ , وَلَكِنَّهُ يُبْقِيهَا لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ , فَتِلْكَ هِيَ الثُّنْيَا لا تُخْرَصُ عَلَيْهِ , لأَنَّهُ قَدْ عُفِيَ لَهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ ، وَهِيَ الْعَرَايَا ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهَا أُعْرِيَتْ مِنْ أَنْ تُبَاعَ أَوْ تُخْرَصَ لِلصَّدَقَةِ ، وَلِكِلا التَّفْسِيرَيْنِ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ ، فَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الأَوَّلِ , فَإِنَّهَا سُمِّيَتْ عَرِيَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَالِكَهَا أَعْرَى ثَمَرَتَهَا , أَيْ وَهَبَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي , فَإِنَّهَا سُمِّيَتْ عَرِيَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا أَعْرَاهَا مِنَ الْبَيْعِ ، فَلَمْ يَبِعْهَا مَعَ ثَمَرِ نَخْلِهِ , فَلا يُخْرَصُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي أَحَدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ؛ لأَنَّ الثِّمَارَ إِنَّمَا تُخْرَصُ لِلصَّدَقَةِ ، وَهُوَ عَلَى التَّفْسِيرِ الأَوَّلِ تَصَدَّقَ بِهَا كُلَّهَا , فَلا تُؤْخَذُ صَدَقَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ وَلا تُخْرَصُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَيْضًا ؛ لأَنَّهُ إِنَّمَا احْتَبَسَهَا لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ , وَقَدْ عُفِيَ لَهُمْ عَنْ قَدِّ مَا يَأْكُلُونَ . قَالَ حُمَيْدٌ : وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ : فَأَمَّا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ , فَإِنَّهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا خَرْصَ الثِّمَارِ لِلصَّدَقَةِ , مَعَ كَثْرَةِ الآثَارِ فِي ذَلِكَ بِوجُوهٍ قَالُوهَا ، مِنْهَا : أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ الْخَرْصَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ ، وَقَالُوا أَيْضًا : هُوَ كَالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ الَّتِي لا يُدْرَى فِيهَا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ يَذْهَبُ بِمَالِ صَاحِبِهِ , وَقَالُوا : إِنَّمَا كَانَ الْخَرْصُ لِلنَّبِيِّ خَاصَّةً ؛ لأَنَّهُ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الصَّوَابِ لِمَا لا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ , وَقَالُوا كَذَلِكَ : الْقُرْعَةُ لا تَجُوزُ لأَحَدٍ بَعْدُ ، وَالْخَرْصُ وَالْقُرْعَةُ سُنَّتَانِ مَاضِيَتَانِ قَدْ عَمِلَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَمِلَتْ بِهِمَا الأَئِمَّةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ , فَأَمَّا تَشْبِيهُهُمُ الْخَرْصَ بِالْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ , وَإِبْطَالُهُمْ إِيَّاهُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ , فَإِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلامِ أُمَّهَاتٌ لا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ , لأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُكْمًا غَيْرَ الأُخْرَى , وَلَوِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ عَلَى قَائِلِ هَذَا فَقَالَ لَهُ : إِنْ جَازَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْبَيْعَ أَصْلا تَقِيسُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ , فَإِنِّي أَجْعَلُ الصَّدَقَةَ أَصْلا أَقِيسُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ مَا كَانَ دَعْوَاهُمَا إِلا وَاحِدًا , وَكِلاهُمَا كَانَ أَخَذَ فِي غَيْرِ الصَّوَابِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْخَرْصَ كَالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ , فَإِنَّمَا قُصِدَ بِالْخَرْصِ قَصْدُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى , وَوَضْعُ الْحُقُوقِ فِي مَوَاضِعِهَا , وَقُصِدَ بِالْقِمَارِ قَصْدُ الْفُجُورِ وَالزَّيْغُ عَنِ الْحَقِّ , وَأَخْذُ الأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ , فَكَمْ بَيْنَ هَذَا وَذَلِكَ ؟ وَمَتَى يَسْتَوِي الْغَيِّ بِالرَّشَادِ ؟ مَعَ أَنَّ الَّذِيَ جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْقِمَارِ وَالْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ هُوَ الَّذِي سَنَّ الْخَرْصَ وَأَبَاحَهُ وَعَمِلَ بِهِ , وَكَفَانَا وَإِيَّاهُمْ مُؤْنَةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ , فَمَا جَعَلَ قَوْلَهُ هُنَاكَ مَقْبُولا , وَهَهُنَا مَرْدُودًا ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الْخَرْصِ وَالْقُرْعَةِ لِمَا لا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ , فَإِنَّ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : وَهَلْ شَيْءٌ مِنَ الأُمُورِ سِوَى هَذَيْنِ يُوَفَّقُ النَّاسُ لَهُ كَتَوْفِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَصَّصْتَ لَهُ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ دُونَ سَائِرِ الأَشْيَاءِ ؟ وَلَوْ كَانَ النَّاسُ لا يَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ الأَنْبِيَاءِ إِلا فِيمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُسَدَّدُونَ لِصَوَابِهِ كَتَسْدِيدِ الأَنْبِيَاءِ وَإِلا اجْتَنَبُوهُ لَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ إِذًا تَرْكُ الاسْتِنَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَزِمَهُمِ اجْتِنَابُ أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ , لأَنَّ الْعَقْلَ مُحِيطٌ بِأَنَّ مَنْ يَأْتِيهِ وَحْيُ السَّمَاءِ وَأَخْبَارُهَا بَعِيدُ الشَّبَهِ مِمَّا يَغْلَطُ عَلَى عِلْمٍ مُغَيَّبٍ , وَلَكِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا إِحْيَاءُ سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاقْتِفَاءُ أَثَرِهِ ، وَالاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ فِي تَغْلِيظِ مَا غَلَّظَ ، وَتَسْهِيلِ مَا سَهَّلَ , وَاللَّهُ وَلِيُّ مَا غَابَ عَنَّا مِنْ ذَلِكَ .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

صحابي

أَبِيهِ

ثقة

عَمْرِو بْنِ يَحْيَى

ثقة

ابْنِ جُرَيْجٍ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.