كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجُرْجَانِيُّ الإِسْمَاعِيلِيُّ , يَذْكُرُ أَنَّهُ لَقِيَ هِلالَ بْنَ نَصْرِ بْنِ شَافِعٍ ، مَوْلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي جَامِعِ الرَّصَافَةِ بِبَغْدَادَ شَيْخًا أَسْوَدَ كَبِيرَ السِّنِّ ، قَالَ : فَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ ، فَقَالَ : اسْمِي هِلالُ بْنُ نَصْرِ بْنِ شَافِعٍ ، مَوْلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَخَادِمِهِ ، أَخْدِمُهُ طُولَ دَهْرِهِ ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ سِنِّهِ ، فَذَكَرَ أَنَّ سِنَّهُ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَا كَانَ مِنْ مِحْنَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَا رُفِعَ إِلَيْهِ ، وَمَا نُوظِرَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : دَخَلَ عَلَيْهِ خَالِدٌ الْحَدَّادُ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ضُرِبْتُ ثَلاثَةَ آلافِ سَوْطٍ فِي الْعِيَارَةِ ، فَلَمْ أُقِرَّ ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ حُبِسْتَ مِنْ أَجْلِ الدِّينِ ، فَإِنْ طَاوَعْتَ الْقَوْمَ وَأَقْرَرْتَ لَهُمْ وَقُلْتَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ، افْتُتِنَ النَّاسُ وَمَاجُوا , فَقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : مَا خَرَجْتُ مِنَ الْحَرْبِيَّةِ حَتَّى تَحَنَّطْتُ لِلْمَوْتِ ، وَلَوْ قُطِّعْتُ إِرْبًا إِرْبًا مَا قُلْتُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ . قَالَ : ثُمَّ قَدِمَ لِيُضْرَبَ ، فَضُرِبَ سَبْعَةَ عَشَرَ سَوْطًا ، ثُمَّ أُرْسِلَ ، فَتَعَرَّضَ لَهُ خَالِدٌ وَسَكَّنَ مِنْهُ , وَطَيَّبَ بِقَلْبِهِ ، ثُمَّ قَالَ هِلالٌ : رَأَيْتُ بَابًا مِنْ حَدِيدٍ قَدْ أُحْمِيَ عَلَيْهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَجِيءَ بِخَالِدٍ الْحَدَّادِ , وَعَافِيَةَ الْبَاقِلانِيِّ لِيَمْشِيَا عَلَيْهِ ، فَمَشِيَا فَلَمَّا صَارَا عَلَى الْبَابِ انْحَلَّ مِئْزَرُ عَافِيَةَ الْبَاقِلانِيِّ فَقَبَضَ عَلَى يَدِ خَالِدٍ ، وَقَالَ : انْظُرْ حَتَّى تُؤْزَرَ ، وَتُرِيَكَ الجِلْدَ . فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْ تَفْسِيرِ مَا قَالَهُ عَافِيَةُ ، فَقَالَ هِلالٌ : هَذِهِ لُغَةٌ لَهُمْ لَيُحَرِّفُونَهَا ، أَرَادَ بِهَا تَجَلُّدَهُمْ وَاقْتِدَارَهُمْ وَشَهَامَتَهُمْ ، وَسَقَطَا وَمَاتَا وَقُبِرَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، قُلْتُ لَهُ : مَنْ خَالِدٌ وَعَافِيَةُ هَذَيْنِ ؟ قَالَ : هُمَا مِنَ الْفِتْيَانِ ، قَالَ هِلالٌ : وَرَأَيْتُ مَوْلايَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَكَانَ يَخْضِبُ بِالْحُمْرَةِ ، وَكَانَ يَعْتَمُّ بِعَمَامَةٍ طَائِفِيَّةٍ عَدَوْلِيٍّ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ عُمُرَ أَبِيهِ , فَقَالَ : مَاتَ وَسِنُّهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ , وَكَانَ خَدَمَ السَّفَّاحِ . وَسَأَلْتُهُ عَنْ وِلادَتِهِ ، فَقَالَ : فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَسَبْعَةٍ ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِ جَدِّهِ فَقَالَ : كَانَ اسْمَهُ شَافِعٌ صَاحِبُ مِطْرَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِوَائِهِ ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ : وَجَدْتُ فِي بَعْضِ مَا مَرَّ بِي أَنَّ خَالِدًا الْحَدَّادَ كَتَبَ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ يَعِظُهُ بِهِمَا فِي أَيَّامِ مِحْنَتِهِ : رَيْبُ الزَّمَانِ كَمَا تَرَى يَا أَحْمَدُ فَإِذَا جَزَعْتَ مِنَ الأُسُودِ فَمَنْ لَهَا الصَّبْرُ يَقْطَعُ مَا تَرَى فَاصْبِرْ لَهَا فَلَعَلَّهَا أَنْ تَنْجَلِي وَلَعَلَّهَا فَأَجَابَهُ أَحْمَدُ : صَبَّرْتَنِي وَوَعَظْتَنِي فَأَنَا لَهَا وَسَتَنْجَلِي مَا لا أَقُولُ لَعَلَّهَا إِنَّ الَّذِي عَقَدَ الَّذِي انْعَقَدَتْ بِهِ عُقَدُ الْمَكَارِهِ فِيكَ يَحْسُنُ حَلُّهَا .
الأسم | الشهرة | الرتبة |