حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , قَالا : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُمَيْعٍ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : هَلْ أَنْتَ مُخْبِرِي كَيْفَ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؟ وَمَا كَانَ شَأْنُ النَّاسِ وَشَأْنُهُ ؟ وَلِمَ خَذَلَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَظْلُومًا ، وَمَنْ قَتَلَهُ كَانَ ظَالِمًا ، وَمَنْ خَذَلَهُ كَانَ مَعْذُورًا . قَالَ : قُلْتُ وَكَيْفَ كَانَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : إِنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا وَلِيَ كَرِهَ وَلايَتَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحِبُّ قَوْمَهُ ، فَوَلِيَ النَّاسَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حِجَّةً ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يُوَلِّي بَنِي أُمَيَّةَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ ، فَكَانَ يَجِيءُ مِنْ أُمَرَائِهِ مَا يَكْرَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ يُسْتَعْتَبُ مِنْهُمْ فَلا يَعْزِلُهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ فِي السِّتِّ حِجَجٍ الأَوَاخِرِ اسْتَأْثَرَ بَنِي عَمِّهِ فَوَلاهُمْ ، وَأَشْرَكَ مَعَهُمْ ، وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَرْحٍ مِصْرَ ، فَمَكَثَ عَلَيْهَا سِنِينَ ، فَجَاءَ أَهْلُ مِصْرَ يَشْكُونَهُ وَيَتَظَلَّمُونَ مِنْهُ . وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَنَاتٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي ذَرٍّ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، فَكَانَتْ هُذَيْلٌ وَبَنُو زُهْرَةَ فِي قُلُوبِهِمْ مَا فِيهَا لِمَكَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَكَانَتْ بَنُو غِفَارٍ وَأَحْلافُهَا وَمَنْ غَضِبَ لأَبِي ذَرٍّ فِي قُلُوبِهِمْ مَا فِيهَا ، وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ قَدْ حَنَقَتْ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَكَانِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَجَاءَ أَهْلُ مِصْرَ يَشْكُونَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كِتَابًا يَتَهَدَّدُ فِيهِ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَضَرَبَ بَعْضَ مَنْ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ يَتَظَلَّمُ مِنْهُ فَقَتَلَهُ ، فَخَرَجَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ سَبْعُمِائَةٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلُوا الْمَسْجِدَ ، وَشَكَوْا إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ مَا صَنَعَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ بِهِمْ ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَكَلَّمَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكَلامٍ شَدِيدٍ ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ ، فَقَالَتْ : قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَسَأَلُوكَ عَزْلَ هَذَا الرَّجُلِ ، فَأَبَيْتَ إِلا وَاحِدَةً ، فَهَذَا قَدْ قَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلا فَاقْضِهِمْ مِنْ عَامِلِكَ . وَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مُتَكَلِّمَ الْقَوْمِ فَقَالَ : إِنَّمَا سَأَلُوكَ رَجُلا مَكَانَ رَجُلٍ ، وَقَدِ ادَّعَوْا قِبَلَهُ دَمًا ، فَاعْزِلْ عَنْهُمْ وَاقْضِ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَنْصِفْهُمْ مِنْهُ . فَقَالَ لَهُمْ : اخْتَارُوا رَجُلا أُوَلِّيهِ عَلَيْكُمْ مَكَانَهُ . فَأَشَارَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالُوا : اسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ . فَكَتَبَ عَهْدَهُ وَوَلاهُ ، وَخَرَجَ مَعَهُ عِدَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يَنْظُرُونَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ مِصْرَ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ ، فَلَمَّا كَانُوا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاثِ لَيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِذَا هُمْ بِغُلامٍ أَسْوَدَ عَلَى بَعِيرٍ يَخْبِطُ خَبْطًا كَأَنَّهُ رَجُلٌ يَطْلُبُ أَوْ يُطْلَبُ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ : مَا قِصَّتُكَ وَمَا شَأْنُكَ ؟ كَأَنَّكَ هَارِبٌ أَوْ طَالِبٌ ؟ فَقَالَ : أَنَا غُلامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَجَّهَنِي إِلَى عَامِلِ مِصْرَ . قَالَ لَهُ رَجُلٌ : هَذَا عَامِلُ مِصْرَ مَعَنَا . قَالَ : لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ . وَأَخْبَرُوا بِأَمْرِهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِ رِجَالا ، فَأَخَذُوهُ فَجَاءُوا بِهِ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا غُلامُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقْبَلَ مَرَّةً يَقُولُ : غُلامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَرَّةً يَقُولُ : غُلامُ مَرْوَانَ ، حَتَّى عَرَفَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ لِعُثْمَانَ ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : إِلَى مَنْ أُرْسِلْتَ ؟ قَالَ : إِلَى عَامِلِ مِصْرَ . قَالَ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِرِسَالَةٍ . قَالَ : أَمَعَكَ كِتَابٌ ؟ قَالَ : لا ، فَفَتَّشُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا مَعَهُ كِتَابًا ، وَكَانَتْ مَعَهُ إِدَاوَةٌ يَبِسَتْ ، فِيهَا شَيْءٌ يَتَقَلْقَلُ ، فَحَرَّكُوهُ لِيَخْرُجْ فَلَمْ يَخْرُجْ ، فَشَقُّوا الإِدَاوَةَ فَإِذَا فِيهَا كِتَابٌ مِنْ عُثْمَانَ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ ، فَجَمَعَ مُحَمَّدٌ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ فَكَّ الْكِتَابَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ فَإِذَا فِيهِ : إِذَا أَتَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ فَاحْتَلْ لِقَتْلِهِمْ ، وَأَبْطِلْ كِتَابَهُ ، وَقَرَّ عَلَى عَمَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَأْيٌ فِي ذَلِكَ ، وَاحْبِسْ مَنْ يَجِيءُ إِلَيَّ يَتَظَلَّمُ مِنْكَ ، لِيَأْتِيكَ رَأْيٌ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ : فَلَمَّا قَرَءُوا الْكِتَابَ فَزِعُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَخَتَمَ مُحَمَّدٌ الْكِتَابَ بِخَوَاتِيمِ نَفَرٍ كَانُوا مَعَهُ ، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَجَمَعُوا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَلِيًّا وَسَعْدًا وَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ فَكُّوا الْكِتَابَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ ، وَأَخْبَرُوهُمْ بِقِصَّةِ الْغُلامِ ، وَأَقْرَءُوهُمُ الْكِتَابَ ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلا حَنِقَ عَلَى عُثْمَانَ ، وَزَادَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ غَضِبَ لابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَعَمَّارٍ حَنَقًا وَغَيْظًا ، وَقَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَلَحِقُوا بِمَنَازِلِهِمْ ، وَحَاصَرَ النَّاسُ عُثْمَانَ ، وَأَجْلَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِبَنِي تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُقَبِّحُهُ كَثِيرًا . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ بَعَثَ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعَمَّارٍ وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ بَدْرِيٌّ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَهُ الْكِتَابُ وَالْبَعِيرُ وَالْغُلامُ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : هَذَا الْغُلامُ غُلامُكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : فَالْبَعِيرُ بَعِيرُكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : وَأَنْتَ كَتَبْتَ هَذَا الْكِتَابَ ؟ قَالَ : " لا " ، وَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا كَتَبْتُ هَذَا الْكِتَابَ وَلا أَمَرْتُ بِهِ . قَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَالْخَاتَمُ خَاتَمُكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَيْفَ يَخْرُجُ غُلامُكَ عَلَى بَعِيرِكَ بِكِتَابٍ عَلَيْهِ خَاتَمُكَ لا تَعْلَمُهُ ؟ فَحَلَفَ بِاللَّهِ : " مَا كَتَبْتُ هَذَا الْكِتَابَ ، وَلا أَمَرْتُ بِهِ ، وَلا وَجَّهْتُ هَذَا الْغُلامَ إِلَى مِصْرَ " . فَأَمَّا الْخَطُّ فَعَرَفُوا أَنَّهُ خَطُّ مَرْوَانَ ، وَشَكُّوا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانَ فَأَبَى وَكَانَ مَرْوَانُ فِي الدَّارِ فَخَرَجَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ غِضَابًا ، وَشَكُّوا فِي أَمْرِهِ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لا يَحْلِفُ بِبَاطِلٍ إِلا أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لا يَبْرَأُ عُثْمَانُ مِنْ قُلُوبِنَا إِلا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْنَا مَرْوَانَ حَتَّى نُثْخِنَهُ ، وَنَعْرِفَ حَالَ الْكِتَابِ ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِقَتْلِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ حَقٍّ ؟ فَإِنْ يَكُنْ عُثْمَانُ كَتَبَهُ عَزَلْنَاهُ ، وَإِنْ يَكُنْ مَرْوَانُ كَتَبَهُ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ نَظَرْنَا مَا يَكُونُ مِنَّا فِي أَمْرِ مَرْوَانَ ، وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ ، وَأَبِي عُثْمَانُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانَ ، وَخَشِيَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ ، وَحَاصَرَ النَّاسُ عُثْمَانَ وَمَنَعُوهُ الْمَاءَ .