واما دوابه


تفسير

رقم الحديث : 60

ثنا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ ، قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ مُسْلِمٍ الأَلْهَانِيُّ الْحِمْصِيُّ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، " أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : لأَبِي بَكْرٍ فِيمَا قَاوَلَتْهُ فِيهِ : قَدْ عَلِمْتُ الَّذِي ظُلِفْنَا عَنْهُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنَ الصَّدَقَاتِ ، وَمَالَنَا فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا مِنَ الْغَنَائِمِ ، وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى سورة الأنفال آية 41 الآيَةُ ، فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ : مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى إِلَى قَوْلِهِ : وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ سورة الحشر آية 7 ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْر : فَبِأَبِي أَنْتِ وَبِأَبِي وَالِدٍ وَلَدَكِ ، وَعَلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَقُّ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَقُّ قَرَابَتِهِ أَنَا أَقْرَأُ مِنَ الْكِتَابِ مثل مَا تَقْرَئِينَ ، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي فِيهِ أَنَّ لِذِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ يَجْرِي بِجَمَاعَتِهِ عَلَيْهِمْ ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ : فَلَكَ هُوَ وَلِقَرَابَتِكَ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لا ، وَأَنْتِ عِنْدِي مُصَدَّقَةٌ أَمِينَةٌ ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْكِ فِي ذَلِكَ عَهْدًا ، أَوْ وَعَدَكِ مِنْهُ وَعْدًا أَوْجَبَهُ لَكُمْ صَدَّقْتُكِ ، وَسَلَّمْتُهُ إِلَيْكِ ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ : لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ شَيْءٌ إِلا مَا أنزل اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ ، غَيْرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أنزل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ : " أَبْشِرُوا آلَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ جَاءَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغِنَى " ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَقْتِ فَلَكُمُ الْغِنَى ، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ أَنْ أُسْلِمَ هَذَا السَّهْمَ إِلَيْكُمْ كَامِلا ، فَلَكُمُ الْغِنَى الَّذِي يَسَعُكُمْ ، وَيَفْضُلُ عَنْكُمْ ، وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَغَيْرُهُمَا ، فَاسْأَلِي عَنْ ذَلِكَ ، فَانْظُرِي هَلْ يُوَافِقُكِ عَلَى قَوْلِكِ أَحَدٌ مِنْهُمْ ؟ فَانْصَرَفَتْ إِلَى عُمَرَ ، فَذَكَرَتْ لَهُ مثل الَّذِي ذَكَرَتْ لأَبِي بَكْرٍ بِقَصَصِهِ وَحُدُودِهِ ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مثل الَّذِي رَاجَعَهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ جَلالَةَ قَدْرِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ ، وَلَعَلَّهُ لا يَكُونُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ أَشَدَّ حُبًّا لَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، كَمَا كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ حُبًّا لأَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَصْدِيقِهِ إِيَّاهَا فِي كُلِّ مَا تَحْكِيهِ أَوْ تَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لا يَشُكُّ فِي أَنَّهَا تَقُولُ الصِّدْقَ وَالْحَقَّ ، وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِرِوَايَتِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقْبَلُ قَوْلَهَا ، وَيَنْتَهِي إِلَيْهِ ، لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ هَؤُلاءِ أَنَّهَا قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ : أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهَا فَدَكَ ، وَشَهِدَ لَهَا بِذَلِكَ عَلِيُّ ، فَلَمْ يَقْبَلْ أَبُو بَكْرٍ قَوْلَهَا ، لأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ لِنَفْسِهَا ، وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ، لأَنَّهُ زَوْجٌ ، بَلْ قَدْ قَالَ لَهَا فِيمَا ادَّعَتْ : أَنْتِ عِنْدِي مُصَدَّقَةٌ أَمِينَةٌ ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْكِ فِي ذَلِكَ عَهْدًا ، أَوْ وَعَدَكِ مِنْهُ وَعْدًا أَوْ أَوْجَبَهُ لَكُمْ صَدَّقْتُكِ ، وَسَلَّمْتُ إِلَيْكِ ، هَذَا خِلافُ مَا حَكَوْا وَادَّعَوْا وَشَنَّعُوا بِهِ ، وَقَدْ صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، فِيمَا وَعْدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ ، فَقَالَ : لَوْ أَتَانِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ حَثَوْتُ لَكَ كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ جَابِرًا أَنْ يَحْثُوَ وَاحِدَةً ، فَفَعَلَ ، فَقَالَ لَهُ : عُدَّهَا ، فَعَدَّهَا ، فَأَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ مِثْلَهَا ، وَكَذَلِكَ كَانَ تَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَهُوَ كَانَ يُصَدِّقُ شَهَادَةَ جَابِرٍ فِي وَعْدِهِ ، وَيَدْفَعُهُ لَه ، وَيَمْنَعُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ قَطِيعَةً لَهَا ، وَمَعَهَا زِيَادَةُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى مَا يَزْعُمُونَ ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ فِي أُمُورِهِمُ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةُ ، وَالتَّشْنِيعَاتُ الْقَبِيحَةُ الَّتِي يُلْزِمُونَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ ، فِيهَا مِنَ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِمَّا يُلْزِمُونَ مَنْ يُرِيدُونَ الطَّعْنَ عَلَيْهِ ، لأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَقُمْ بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَدَّعُونَهَا لَهُ ، وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ، وَهُمْ ظَالِمُونَ ، ثُمَّ مَلَكَ الأَمْرَ ، فَلَمْ يُخَالِفْ أَفْعَالَهُمْ فِي فَدَكَ ، وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِمْ ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ ظُلْمٌ ، وَهَكَذَا يَنْكَشِفُ عَوَارُ مَذْهَبِ مَنْ حَادَ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَفَارَقَ السَّلَفَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مُتَّبِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ ، وَأَوْجَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ رِضْوَانَهُ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا جَاءَ بِصَدَقَاتِ قَوْمِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَهْلَ الرِّدَّةِ ، فَأَعْطَاهُ مِنْهَا ثَلاثِينَ بَعِيرًا ، فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ : أَنْتَ تَحْتَاجُ إِلَى الإِبِلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ : " تَعُودُ وَيَكُونُ خَيْرٌ " قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : وَسَمِعْتُ عَمِّي يَقُولُ وَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ ، قَالَ : هَذَا الْوَأْيُ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنَ الْوَعْدِ قَوْلُهُ : تَقْدَمُ وَيَكُونُ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَدَعْ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأْيًا وَلا وَعْدًا إِلا أَنْفَذَهُ ، قَالَ حَمَّادٌ : وَلَمْ يَسْتَأْثِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنَ الأَمْوَالِ ، وَلا اعْتَقَدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ، وَلا لابْنَتِهِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، بَلْ كَانَ قَصَدَهُ لأَمْرِ الآخِرَةِ ، وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَرَفْضِهَا وَالأَعْرَاضِ عَنْهَا ، وَكَذَلِكَ كَانَ اخْتِيَارُهُ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ تَرْكَ الدُّنْيَا وَالزُّهْدَ فِيهَا ، حَتَّى لَمْ يُعْطِهَا خَادِمًا مِنَ السَّبْيِ الَّذِي أَتَاهُ مَعَ مَا شَكَتْ هِيَ وَعَلِيٌّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ مِنْ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ ، وَوَكَّلَهُمْ إِلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمَا مِنَ الْخَادِمِ ، وَأَنَّ أَمْرَ الآخِرَةِ أَوْلَى بِهِمَا مِنَ الدُّنْيَا ، وَامْتَنَعَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ ، وَقَدْ بَدَأَ بِهَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ مِنْ أَجْلِ مُقَيْنِعَةٍ صَبَغَتْهَا بِشَيْءٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ ، وَسِتْرٍ اتَّخَذَتْهُ وَبِسَاطٍ ، حَتَّى نَزَعَتْ ذَلِكَ وَلَبِسَتْ أَطْمَارَهَا ، فَدَخَلَ إِلَيْهَا وَقَالَ : كَذَلِكَ كُونِي فِدَاكِ أَبِي وَأُمِّي ، وَامْتَنَعَ فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ مَسْحٍ أَوْ سِتْرٍ وَقُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ حَلَّتْ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ، وَفَجَعَهُمَا بِهِمَا وَهُمَا يَبْكِيَانِ عَلَى الْقُلْبَيْنِ ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ : " إِنَّ هَؤُلاءِ أَهْلَ بَيْتِي أَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا ، يَا ثَوْبَانُ اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلادَةً مِنْ عَصْبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ " فَكَيْفَ يَمْنَعُهَا الْقَلِيلَ الْحَقِيرَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَلا يَرْضَاهُ لَهَا وَيُقْطِعُهَا فَدَكَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ، فَكَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ دَعْوَتُهُ وَمَسْأَلَتُهُ رَبَّهُ لَهُمْ ، وَيَزْعُمُ هَؤُلاءِ أَنَّهُ اتَّخَذَ الأَمْوَالَ الْجَلِيلَةَ لِنَفْسِهِ وَابْنَتِهِ ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهَذِهِ كَانَتْ سَبِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِهِ : الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَالْقَصْدُ لأَمْرِ الآخِرَةِ ، وَبِهِ نزل الْقُرْآنُ فِي أَمْرِ أَزْوَاجِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا سورة الأحزاب آية 28 - 29 فَخَيَّرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، وَبَدَأَ بِعَائِشَةَ ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، فَهَذَا كَانَ مَذْهَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَهَا فَدَكَ كَمَا ذَكَرُوا لَكَانَتْ مِنْ أَيْسَرِ امْرَأَةٍ فِي الْعَرَبِ لِجَلالَةِ قَدْرِهَا وَكَثْرَةِ ثُمُنِهَا ، فَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهَا الْقِيمَةَ الْجَلِيلَةَ الَّتِي لَمْ يَمْلِكْ حِجَازِيُّ مَا يُقَارِبُهَا ، وَكَذَلِكَ ادَّعَوْا أَيْضًا فِي سَائِرِ الأَمْوَالِ الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَلَكَهَا لِنَفْسِهِ ، حَتَّى خَلَّفَهَا مِيرَاثًا ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَقَةً طَعْنًا مِنْهُمْ عَلَى أَئِمَّةِ السَّلَفِ ، فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرُوا ، لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَكْثَرُ أَمْوَالا ، وَلا أَعْظَمُ مُلْكًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ وَابْنَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى كَانَ يَنَالُهُ مَا يَنَالُهُ مِنْ سَهَرِ اللَّيْلِ ، وَالْغَمِّ وَالاهْتِمَامِ فِي أُوقِيَّةٍ تَبْقَى عِنْدَهُ وَيَقُولُ : " هَذِهِ الَّتِي فَعَلَتْ مَا تَرَيْنَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَحْدُثَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَلَمْ أُمْضِهَا " وَيَقُولُ لِبِلالٍ فِي أُوقِيَّتَيْنِ أَوْ أُوقِيَّةٍ وَنِصْفٍ فَضَلَتْ عِنْدَهُ : " انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهَا فَإِنِّي لَسْتُ دَاخِلا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُ " وَأَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَةً ، لا يَدْخُلُ مَنْزِلا حَتَّى أَنْفَذَهَا بِلالٌ ، فَكَبَّرَ ، وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا تَحَوَّلَ لآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَأَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ إِلا دِينَارَيْنِ ، أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ " 0وَإِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَسُرُّهُ أَنْ يُنْفِقَ مثل أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْحَسَنَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مثل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ سورة البقرة آية 261 عَلَى أَنْ يَبْقَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ دِينَارَانِ إِلا لِغَرِيمٍ ، فَكَيْفَ يَحُوزُ الأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ عَلَى مَا زَعَمُوا لِنَفْسِهِ وَابْنَتِهِ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا " يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُقَلِّلُ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ ، وَيُزَهِّدُهُمْ فِيهَا ، وَهِيَ فِي عَيْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلُّ ، وَهُوَ فِيهَا أَزْهَدُ ، ثُمَّ يَتَّخِذُ كَمَا زَعَمُوا هَذِهِ الضِّيَاعَ الْكَثِيرَةَ ، وَالأَمْوَالَ الْجَلِيلَةَ لِنَفْسِهِ وَابْنَتِهِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ ، وَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلا عَبْدًا وَلا وَلِيدَةً وَلا شَاةً وَلا بَعِيرًا ، لأَنَّ جَمِيعَ مَا صَارَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، جَعَلَهُ صَدَقَةً كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا ، وَلَوْ رَغِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا لَقَبِلَ مِنْ خَزَائِنِ الأَرْضِ مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ ، وَلا يُعْطَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ ، كَمَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ لا يُنْقِصَهُ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي الآخِرَةِ شَيْئًا ، وَجَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَابْنَتِهِ وَأَهْلِهِ ، بَلْ قَالَ : " يُجْمَعُ هَذَا كُلُّهُ لِي فِي الآخِرَةِ " ، وَجُعِلَ لَهُ بِهِ الْعِوَضُ مِنْ ذَلِكَ : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا سورة الفرقان آية 10 فَفِي هَذَا أَبْيَنُ الْحُجَّةِ وَأَوْضَحُهَا لِدَفْعِ مَا قَالُوا ، وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهَا فَدَكَ مَعَ عَظِيمِ قَدْرِ فَدَكَ وَكَثْرَتِهَا وَجَلالَتِهَا ، حَتَّى يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ فِي الرَّوَاحِلِ : " أَهْدَاهُنَّ لِي عَظِيمُ فَدَكَ " ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ قَدْرِهَا يَوْمَئِذٍ ، لَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا عِنْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَضِقْ عِلْمُ ذَلِكَ حَتَّى يُحْتَاجَ فِيهِ كَمَا زَعَمُوا إِلَى شَهَادَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَحْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلِيًّا عَلَى ذَلِكَ لأَشْهَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ خَطْبًا مِنْ فَدَكَ الْفِعْلَ ، فَيَعْرِفُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ ، وَلا يَخْفَى عَلَيْهِمُ اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لأُمُورِهِ وَأَفْعَالِهِ ، وَتَفَقُّدًا مِنْهُمْ لَهَا ، وَكَيْفَ كَانَ يَخْفَى إقْطَاعُهُ ابْنَتَهُ مثل فَدَكَ ، وَمَا أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا قَطِيعَةً فِي نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي ، وَلا أَطْعَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ بِخَيْبَرَ حَيْثُ أَطْعَمَ بِهَا جَمَاعَةً مِنْهُمْ ، لِلْوَاحِدِ مِنْهُمُ الأَوْسُقَ وَأَكْثَرَ مِنْهَا إِلا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا ظَاهِرًا لَمْ يَخْفَ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَيَكْتُبُ لِمَنْ يَقْطَعُ ذَلِكَ الْكُتُبَ تَكُونُ بِأَيْدِيهِمْ ، وَيُرْسِلُ فِيمَا بَعْدُ مِنَ الْمَدِينَةِ مَعَ مَنْ أَقْطَعَهُ مَنْ يُسْلِمُهُ إِلَيْهِ حَتَّى لَمْ يَخْفَ مَا أَقْطَعَهُ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ حَضْرَمَوْتَ ، وَتَسْمِيَتَهُ مَنْ أَرْسَلَ مَعَهُ ، وَكَذَلِكَ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ الْمَأْرِبِيَّ أَقْطَعَهُ بِمَأْرِبَ مِنَ الْيَمَنِ ، وَكَذَلِكَ قَيْلَةَ أُخْتَ بَنِي أَنْمَارٍ وَصَاحِبَهَا ، وَكَذَلِكَ مُجَّاعَةَ بِالْيَمَامَةِ ، وَسَائِرَ مَنْ أَقْطَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْمَوَاضِعِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ ، مِمَّا يَكْثُرُ وَيَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ ، فَكَيْفَ يَخْفَى مثل هَذَا وَخَيْبَرُ وَفَدَكُ أَجَلُّ مَا فَتْحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ، فَمَا خَفِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِطْعَامُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَطْعَمَهُ مِنْ خَيْبَرَ شَيْئًا قَلِيلا وَلا كَثِيرًا ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَقْطَعَ فَاطِمَةَ فَدَكَ بِأَسْرِهَا دُونَ جَمِيعِ النَّاسِ ، وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَمْ نَجِدْ شَاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ ، وَلا مِنْ غَيْرِهِمْ عَلِمَا بِذَلِكَ يَشْهَدَانِ بِهَا ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ قَوْمٌ وَلا يَحْمِلُهُمْ مَا يُرِيدُونَ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الأَئِمَّةِ ، أَنْ يُخْرِجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى الطَّعْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُثْبِتُوا كَمَا زَعَمُوا بِقَوْلِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَبِيًّا مَلِكًا لا نَبِيًّا زَاهِدًا ، لأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ قَوْلُهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا مِمَّا حَوَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ صَدَقَةً ، وَخَرَجَ مِنْهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى خَلَّفَ خَيْبَرَ مَعَ عَظِيمِ قَدْرِهَا ، وَأَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ ، وَهِيَ الْحَوَائِطُ السَّبْعُ بِالْمَدِينَةِ ، لَمْ يَخْرُجْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ، وَأَقْطَعَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ دُونَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَدَكَ ، مَعَ كَثْرَتِهَا وَجَلالَتِهَا فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَتَهُ حَازَا جَمِيعَ هَذِهِ الأَمْوَالِ لأَنْفُسِهِمَا دُونَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ مُلُوكِ الدُّنْيَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، وَهُوَ أَزْهَدُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، لا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الأَنْبِيَاءِ عُرِضَتْ عَلَيْهِ خَزَائِنُ الأَرْضِ ، عَلَى أَنْ لا يُنْقِصَهُ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآخِرَةِ ، فَأَبَى ذَلِكَ ، وَقَالَ : " بَلِ اجْمَعُوهُ لِي فِي الآخِرَةِ " غَيْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، وَلَمْ يَزَلْ مُعْرِضًا عَنِ الدُّنْيَا لا يَعْبَأُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَلِيلا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهَا فَدَكَ ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَشَهِدَ بِهِ كَمَا ذَكَرُوا ، لأَوْجَبَهَا عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ لِوَرَثَةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ ، حَيْثُ وَلِيَ الأَمْرَ وَلَمْ يَظْلِمْهُمْ حُقُوقَهُمْ أَنْ كَانَ قَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا زَعَمُوا ، وَلَمْ يَسَعْهُ إِلا ذَلِكَ إِنْ كَانَ كَمَا قَالُوا شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ زَوْجُهَا ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَيْثُ وَلِيَ الأَمْرَ أَنْ يُمْضِيَهُ لَهُمْ وَيَقُولُ : قَدْ أَشْهَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَدَّ أَبُو بَكْرٍ شَهَادَتِي مِنْ أَجْلِ أَنِّي زَوْجٌ وَلا يَسَعُنِي إِلا إِنْفَاذُ الْحَقِّ لأَهْلِهِ كَمَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا إِذْ عَلِمَتْ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إِلا إِنْفَاذَ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ سورة النور آية 63 كَمَا عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا سَمِعَ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : " إِنَّا لا نُورَثُ " كَذَلِكَ إِمْضَاؤُهُ أَمْرَ قَسْمِ الْخُمُسِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَى مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ لا يَسْتَوْحِشُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلا يُشَاوِرُ فِيهِ أَحَدًا ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ ، مِمَّا لَمْ يَسْمَعْ فِيهِ مِنْهُ شَيْئًا ، فَيَجْمَعُ لَهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرُ بَعْدَهُ ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ يَلْزَمُهُ الطَّعْنُ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، إِذْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُنْفِذْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ عَلِمَهُ وَشَهِدَ بِهِ ، وَأَجَازَ مَا كَانَ ظُلْمًا عِنْدَهُ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ ، وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ الزَّوْجُ ، فَلَمْ يُجِزْ شَهَادَتَهُ ، وَطَعْنُهُمْ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي هَذَا أَكْثَرُ ، وَقَدْ خَلَّفَتْ عَلَيْهَا السَّلامُ مِنَ الْوَلَدِ : الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِزَيْنَبَ ، وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلادًا ، وَتَزَوَّجَ عُمَرُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ ، وَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا وَرُقَيَّةَ ابْنَيْ عُمَرَ ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ تَسْلِيمَ فَدَكَ إِلَى وَلَدِهَا ، وَكَانَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَظُّ الْوَافِرُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ حَقُّ زَوْجَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ ، ثُمَّ لِزَيْدٍ ابْنِهِ مِنْهَا وَلَدٌ ، قَالَ حَمَّادٌ : وَالَّذِي رَوَيْنَا مِمَّا اتَّخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللِّبَاسِ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَيَتَجَمَّلُ بِهِ ، وَمَنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ الَّتِي ، وَمِنَ الْخَيْلِ وَالسِّلاحِ ، لِلْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَا نَحْنُ ذَاكِرُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
فَاطِمَةَ

صحابية

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

صحابي

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

مقبول

أَبِي مُعَاوِيَةَ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ

منكر الحديث

عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ مُسْلِمٍ الأَلْهَانِيُّ الْحِمْصِيُّ

ثقة ثبت

يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ

صدوق يخطئ

Whoops, looks like something went wrong.