حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : اقْتَتَلَ الرُّومُ وَفَارِسُ فَهُزِمَتِ الرُّومُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بِمَكَّةَ ، وَفَرِحَ الْكُفَّارُ وَشَمِتُوا فَقَابَلُوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَالرُّومُ أَهْلُ كِتَابٍ ، فَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الرُّومِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : الم { 1 } غُلِبَتِ الرُّومُ { 2 } فِي أَدْنَى الأَرْضِ سورة الروم آية 1-3 وَأَدْنَى الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَذْرَعَاتٌ فِيهَا كَانَ الْقِتَالُ ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ { 3 } فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ سورة الروم آية 3-4 أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ وَمِنْ بَعْدِ مَا ظَهَرَتْ ، قَالَ : فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى الْكُفَّارِ , فَقَالَ : أَفَرِحْتُمْ لِظُهُورِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى إِخْوَانِنَا ؟ فَلا تَفْرَحُوا وَلا يُقِرُّ اللَّهُ أَعْيُنَكُمْ ، لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ : كَذَبْتَ يَا أَبَا فُضَيْلٍ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنْتَ أَكْذَبُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ . فَقَالَ : أُنَاجِيكَ عَشْرَ قَلائِصَ مِنِّي ، وَعَشْرَ قَلائِصَ مِنْكَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : نَاجَيْتُ عَدُوَّ اللَّهِ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا كَذَلِكَ ذَكَرْتُ لَكَ ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : بِضْعِ سِنِينَ سورة الروم آية 4 ، وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى التِّسْعِ ، فَاذْهَبْ فَزَايِدْهُمْ فِي الْخَطْرِ ، وَمَادِّهِمْ فِي الأَجَلِ " . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَقِيَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ ، فَقَالَ : لَعَلَّكَ نَدِمْتَ يَا أَبَا عَامِرٍ . قَالَ : فَقَالَ : تَعَالَ أُزَايِدُكَ فِي الْخَطْرِ ، وَأُمَادُّكُمْ فِي الأَجَلِ ، فَنَجْعَلُهَا مِائَةَ قَلُوصٍ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ . قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ . قَالَ : وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بِفَارِسَ لا تَلِدُ إِلا مُلُوكًا أَبْطَالا ، فَدَعَاهَا كِسْرَى ، فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَى الرُّومِ جَيْشًا ، وَأَسْتَعْمِلُ رَجُلا مِنْ بَنِيكِ ، فَأَشِيرِي عَلَيَّ أَيَّهُمْ أَسْتَعْمِلُ . فَقَالَتْ : هَذَا فُلانٌ وَسَمَّتْهُ ، وَهُوَ أَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ وَأَجْبَنُ مِنْ صَقْرٍ ، وَهَذَا الْفَرُّخَانُ وَهُوَ أَنْقَذُ مِنَ السِّنَانِ ، وَهُوَ شَهْربرانُ ، وَهُوَ أَحْلَمُ مِنَ الأَرْزَانِ ، فَاسْتَعْمِلْ أَيَّهُمْ شِئْتَ . قَالَ : إِنِّي أَسْتَعْمِلُ الْحَلِيمَ . فَبَعَثَ شَهْربرَانُ عَلَى الْجَيْشِ ، فَسَارَ الرُّومُ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ ، وَقَطَعَ زَيْتُونَهُمْ ، فَلَمَّا ظَهَرَتْ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ جَلَسَ الْفَرُّخَانُ يَشْرُبُ ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : قَدْ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِ كِسْرَى . فَعَمِدَ الْمُلاقُونَ الْمُبَلِّغُونَ بِالأَحَادِيثِ ، فَكَتَبُوا إِلَى كِسْرَى أَنَّ عَبْدَكَ الْفَرُّخَانَ يَتَمَنَّى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى سَرِيرِكَ . فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى شَهْربرَانُ : إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا ، فَابْعَثْ بِرَأْسِ أَخِيكَ الْفَرُّخَانِ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ شَهْربرَانُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّ الْفَرُّخَانَ لَهُ صَوْلَةٌ وَنِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ ، فَلا تَفْعَلْ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى : إِنَّ فِي رِجَالِ فَارِسَ مِنْهُ خَلَفًا وَبَدَلا ، فَعَجِّلْ عَلَيَّ بِرَأْسِهِ . فَرَاجَعَهُ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ مِنَ الْفَرُّخَانِ بَدَلا صَوْلَةً وَنِكَايَةً . فَغَضِبَ كِسْرَى فَلَمْ يُجِبْهُ ، وَبَعَثَ بَرِيدًا إِلَى أَهْلِ فَارِسَ الَّذِينَ بِالرُّومِ : إِنِّي قَدْ نَزَعْتُ عَنْكُمْ شَهْربرَانُ ، وَاسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمُ الْفَرُّخَانَ . وَدَفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْبَرِيدِ صَحِيفَةً صَغِيرَةً ، فَقَالَ : إِذَا وُلِّيَ الْفَرُّخَانُ وَانْقَادَ لَهُ أَخُوهُ ، فَادْفَعْ إِلَيْهِ الصَّحِيفَةَ . فَلَمَّا قَرَأَ شَهْربرَانُ الْكِتَابَ ، قَالَ : سَمْعًا وَطَاعَةً ، وَوَضَعَ تَاجَهُ عَلَى رَأْسِ أَخِيهِ ، وَنَزَلَ عَنْ سَرِيرِهِ ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ الْفَرُّخَانُ ، وَدَفَعَ الرَّسُولُ الصَّحِيفَةَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : ائْتُونِي بِشَهْربرانَ . فَأُتِيَ بِهِ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، فَقَالَ شَهْربرَانُ : لا تَعْجَلْ حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي . قَالَ : فَكَتَبَهَا ، فَدَعَا بِسَقَطٍ فِيهِ ثَلاثُ صَحَائِفَ ، وَقَالَ : وَيْحَكَ أَنْتَ ابْنُ أُمِّي وَأَبِي ، وَهَذِهِ ثَلاثُ صَحَائِفَ جَاءَتْنِي فِي قَتْلِكَ ، فَرَاجَعْتُ فِيكَ كِسْرَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ . فَقَالَ الْفَرُّخَانُ : أُمُّنَا وَاللَّهِ كَانَتْ أَعْرَفَ بِنَا ، أَنْتَ أَحْلَمُ مِنَ الأَزْرَقِ حِينَ رَاجَعْتَ فِيَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، وَأَنَا أَنْفَذُ مِنَ السِّنَانِ حِينَ أَرَدْتُ قَتْلَكَ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ . ثُمَّ رَدَّ الْمُلْكَ إِلَى أَخِيهِ ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ ، فَكَتَبَ شَهْربرَانُ إِلَى قَيْصَرَ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لا تَحْمِلُهَا الْبُرُدُ ، وَلا تَبْلُغُهَا الصُّحُفُ ، فَالْقَنِي وَلا تَلْقَنِي إِلا فِي خَمْسِينَ رُومِيًّا ، فَإِنِّي أَلْقَاكَ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا . فَأَقْبَلَ قَيْصَرُ فِي خَمْسِ مِائَةِ أَلْفِ رُومِيٍّ ، فَجَعَلَ يَبُثُّهُمْ فِي الطُّرُقِ ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْعُيُونَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مَكْرًا مِنْهُ حَتَّى أَتَتْهُ عُيُونُهُ أَنْ لَيْسَ مَعَهُ إِلا خَمْسِينَ رَجُلا ، ثُمَّ بُسِطَتْ لَهُمْ بُسُطٌ ، فَمَشَيَا عَلَيْهَا وَنَزَلا عَنْ بِرْذَوْنَيْهِمَا إِلَى قُبَّةٍ مِنْ دِيبَاجٍ ضُرِبَتْ لَهُمَا عُرَاهَا ذَهَبًا ، وَأَزْرَارُهَا فِضَّةٌ ، وَأَطْنَابُهَا إِبْرِيسِمُ ، مَعَ أَحَدِهِمَا سِكِّينٌ نِصَابُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ ، وَقِرَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَعَ الآخَرِ سِكِّينٌ نِصَابُهَا مِنْ فضة خَضْرَاءَ ، وَقِرَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ ، وَدَعَوْا تَرْجُمَانًا بَيْنَهُمَا . فَقَالَ شَهْربرَانُ لِقَيْصَرَ : إِنَّ الَّذِينَ كَسَرُوا شَوْكَتَكَ ، وَأَطْفَئُوا جَمْرَتَكَ ، وَخَرَّبُوا مَدَائِنَكَ ، وَقَطَّعُوا شَجَرَكَ أَنَا وَأَخِي بِكَيْدِنَا وَشَجَاعَتِنَا ، وَإِنَّ كِسْرَى حَسَدَنَا عَلَى ذَلِكَ ، وَأَرَادَنِي عَلَى قَتْلِ أَخِي ، وَأَرَادَ أَخِي عَلَى قَتْلِي ، فَأَبَيْنَا ، فَخَالَفْنَاهُ جَمِيعًا ، فَنَحْنُ نُقَاتِلُهُ مَعَكَ . فَقَالَ : أَصَبْتُمَا . فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ السِّرُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَإِذَا جَاوَزَهُمَا فَشَا ، فَقَتَلا التَّرْجُمَانَ بِسِكِّينَيْهِمَا ، وَأَهْلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كِسْرَى ، وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ بِظُهُورِ الرُّومِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ سورة الروم آية 3 .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عِكْرِمَةَ | عكرمة مولى ابن عباس / ولد في :20 / توفي في :104 | ثقة |
أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ | سلمى بن عبد الله الهذلي | متروك الحديث |
الْهُذَيْلُ | الهذيل بن حبيب الدنداني | مجهول الحال |
أَبِي | ثابت بن يعقوب التوزي | مجهول الحال |
عُبَيْدُ اللَّهِ | عبد الله بن ثابت العبقسي / ولد في :223 / توفي في :308 | مجهول الحال |