أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ الْمُؤَدِّبُ ، إِجَازَةً , قَالَ : أَنْبَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ الأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : كُنْتُ مُجَاوِرًا بِمَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ فَأَصَابَنِي يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ جُوعٌ شَدِيدٌ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَدْفَعُ بِهِ عَنِّي الْجُوعَ ، فَوَجَدْتُ كِيسًا مِنْ أَبْرَيْسَمٍ مَشْدُودًا بِشُرَّابَةِ إِبْرَيْسَمٍ أَيْضًا فَأَخَذْتُهُ وَجِئْتُ بِهِ إِلَى بَيْتِي ، فَحَلَلْتُهُ فَوَجَدْتُ فِيهِ عِقْدًا مِنْ لُؤْلُؤٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ ، فَإِذَا شَيْخٌ يُنَادِي عَلَيْهِ وَمَعَهُ خِرْقَةً فِيهَا خَمْسُ مِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَقُولُ : هَذَا لِمَنْ يَرُدُّ عَلَيْنَا الْكِيسَ الَّذِي فِيهِ اللُّؤْلُؤُ ، فَقُلْتُ : أَنَا مُحْتَاجٌ وَأَنَا جَائِعٌ فَآخُذُ هَذَا الذَّهَبَ وَأَنْتَفِعُ بِهِ وَأَرُدُّ عَلَيْهِ الْكِيسَ ، فَقُلْتُ لَهُ : تَعَالَ إِلَيَّ ، فَأَخَذْتُهُ وَجِئْتُ بِهِ إِلَى بَيْتِي ، فَأَعْطَانِي عَلامَةَ الْكِيسِ ، وَعَلامَةَ الشُّرَّابَةِ ، وَعَلامَةَ اللُّؤْلُؤِ ، وَعَدَدَهُ ، وَالْخَيْطَ الَّذِي هُوَ مَشْدُودٌ بِهِ ، فَأَخْرَجْتُهُ وَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ ، فَسَلَّمَ إِلَيَّ خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ فَمَا أَخَذْتُهَا , وَقُلْتُ : يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أُعِيدَهُ إِلَيْكَ وَلا آخُذُ لَهُ جَزَاءً ، فَقَالَ لِي : لا بُدَّ أَنْ تَأْخُذَ وَأَلَحَّ عَلَيَّ كَثِيرًا فَلَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ فَتَرَكَنِي وَمَضَى ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنِّي ، فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَكَّةَ وَرَكِبْتُ الْبَحْرَ ، فَانْكَسَرَ الْمَرْكَبُ ، وَغَرِقَ النَّاسُ ، وَهَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ ، وَسَلِمْتُ أَنَا عَلَى قِطْعَةٍ مِنَ الْمَرْكَبِ ، فَبَقِيتُ مُدَّةً فِي الْبَحْرِ لا أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ ؟ فَوَصَلْتُ إِلَى جَزِيرَةٍ فِيهَا قَوْمٌ ، فَقَعَدْتُ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ فَسَمِعُونِي أَقْرَأُ فَلَمْ يَبْقَ فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ أَحَدٌ إِلَّا جَاءَ إِلَيَّ وَقَالَ : عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ ، فَحُصِّلَ لِي مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَالِ ، ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْرَاقًا مِنْ مُصْحَفٍ فَأَخَذْتُهَا أَقْرَأُ فِيهَا ، فَقَالُوا : تُحْسِنُ تَكْتُبُ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالُوا : عَلِّمْنَا الْخَطَّ ، فَجَابُوا أَوْلَادَهُمْ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالشَّبَابِ فَكُنْتُ أُعَلِّمُهُمْ فَحُصِّلَ لِي أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ ، فَقَالُوا لِي بَعْدَ ذَلِكَ : عِنْدَنَا صَبِيَّةٌ يَتِيمَةٌ وَلَهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا نُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَا فَامْتَنَعْتُ فَأَلْزَمُونِي وَقَالُوا : لا بُدَّ , فَأَجَبْتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا زَفُّوهَا إِلَيَّ مَدَدْتُ عَيْنِي أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَوَجَدْتُ ذَلِكَ الْعِقْدَ بِعَيْنِهِ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهَا فَمَا كَانَ لِي حِينَئِذٍ شُغْلٌ إِلَّا النَّظَرُ إِلَيْهِ ، فَقَالُوا : يَا شَيْخُ كَسَرْتَ قَلْبَ هَذِهِ الْيَتِيمَةِ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى هَذَا الْعِقْدِ وَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ الْعِقْدِ فَصَاحُوا وَصَرَخُوا بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ حَتَّى بَلَغَ إِلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ ، فَقُلْتُ : مَا بِكُمْ ؟ قَالُوا : ذَلِكَ الشَّيْخُ الَّذِي أَخَذَ مِنْكَ الْعِقْدَ أَبُو هَذِهِ الصَّبِيَّةِ ، وَكَانَ يَقُولُ : مَا وَجَدْتُ فِي الدُّنْيَا مُسْلِمًا إِلَّا هَذَا الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ هَذَا الْعِقْدَ ، وَكَانَ يَدْعُو وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى أُزَوِّجَهُ بِابْنَتِي ، وَالآنَ قَدْ حَصَلَ ، وَاسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَةُ أَبِيهَا , فَبَقِيتُ مَعَهَا مُدَّةً ، وَرُزِقْتُ مِنْهَا وَلَدَانِ ، ثُمَّ إِنَّهَا مَاتَتْ فَوَرِثْتُ الْعِقْدَ أَنَا وَوَلَدَيَّ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدَانِ فحصل الْعِقْدُ لِي ، فَبِعْتُهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَهَذَا الْمَالُ الَّذِي تَرَوْنَ مَعِي مِنْ بَقَايَا ذَلِكَ الْمَالِ ، وَأَنْشَدَ عَقِيبَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لِغَيْرِهِ : إِنِّي لأَعْلَمُ وَالأَقْدَارُ جَارِيَةٌ إِنَّ الَّذِي هُوَ رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي أَسْعَى لَهُ فَيُعَنِّينِي تَطَلُّبُهُ وَلَوْ قَعَدْتُ أَتَانِي لا يُعَنِّينِي .
الأسم | الشهرة | الرتبة |