تفسير

رقم الحديث : 882

قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُ قِصَّتَهُ فِي ( تَذْكَرَةِ الصَّلاحِ ) لِلصَّفَدِيِّ نَقْلا مِنْ ( تَذْكَرَةِ عَلاءِ الدِّينِ الْوَدَاعِيِّ ) ، قَالَ الْوَدَاعِيُّ : ثنا جَلالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكَاتِبُ ، بِدِمَشْقَ ، أَنْبَأَنَا نُورُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ ، قَدِمَ عَلَيْنَا سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِ مِائَةٍ ، أَنْبَأَنَا جَدِّي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كُنْتُ فِي زَمَنِ الصِّبَا سَافَرْتُ مَعَ أَبِي وَعَمِّي وَأَنَا ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الْهِنْدِ فِي تِجَارَةٍ ، فَوَصَلْنَا إِلَى ضَيْعَةٍ مِنْ أَوَائِلِ الْهِنْدِ ، فَعَرَجَ الْقَفَلُ نَحْوَهَا ، فَنَزَلُوا فَضَجَّ أَهْلُ الْقَافِلَةِ ، فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالُوا : هَذِهِ ضَيْعَةُ الْمُعَمَّرِ الشَّيْخِ رَتَنٍ ، فَرَأَيْنَا بِفِنَاءِ الْقَرْيَةِ شَجَرَةً عَظِيمَةً وَتَحْتَ ظِلِّهَا جَمْعٌ عَظِيمٌ ، فَتَبَادَرَ أَهْلُ الْقَافِلَةِ نَحْوَ الشَّجَرَةِ نَتَلَقَّى مَنْ تَحْتَهَا ، فَرَأَيْنَا زِنْبِيلا كَبِيرًا مُعَلَّقًا فِي غُصْنٍ مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَسَأَلْنَاهُمْ عَنْهَا ، فَقَالُوا : فِي هَذَا الزِّنْبِيلِ الشَّيْخُ رَتَنٌ الَّذِي رَأَى النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَدَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ سِتَّ مَرَّاتٍ ، فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يُنْزِلُوهُ لِنَسْمَعَ مِنْهُ ، فَتَقَدَّمَ شَيْخٌ مِنْهُمْ إِلَى الزِّنْبِيلِ ، فَأَنْزَلَهُ مِنْ بَكْرَةٍ ، فَرَأَيْنَا الشَّيْخَ فِي وَسَطِ الْقُطْنِ ، فَإِذَا هُوَ كَالْفَرْخِ ، فَحَسَرَ عَنْ وَجْهِهِ ، وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى أُذُنِهِ ، فَقَالَ : يَا جَدَّاهُ ، هَؤُلاءِ قَوْمٌ قَدْ قَدِمُوا ، فِيهِمْ شُرَفَاءُ مِنْ أَوْلادِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ سَأَلُوا أَنْ تُحَدِّثَهُمْ ، فَتَنَفَّسَ الشَّيْخُ وَتَكَلَّمَ بِصَوْتٍ كَصَوْتِ النَّحْلِ بِالْفَارِسِيَّةِ ، فَقَالَ : سَافَرْتُ مَعَ أَبِي وَأَنَا شَابٌّ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الْحِجَازِ ، فَلَمَّا بَلَغْنَا بَعْضَ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ وَكَانَ الْمَطَرُ قَدْ مَلأَ الأَوْدِيَةَ فَرَأَيْتُ غُلامًا أَسْمَرَ اللَّوْنِ ، مَلِيحَ الْكَوْنِ ، حَسَنَ الشَّمَائِلِ ، وَهُوَ يَرْعَى إِبِلا فِي تِلْكَ الأَوْدِيَةِ ، وَقَدْ حَالَ السَّيْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبِلِهِ ، وَهُوَ يَخْشَى مِنْ خَوْضِ الْمَاءِ لِقُوَّةِ السَّيْلِ ، فَعَلِمْتُ حَالَهُ ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهِ وَحَمَلْتُهُ وَخُضْتُ السَّيْلَ إِلَى عِنْدِ إِبِلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ سَابِقَةٍ ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ عِنْدَ إِبِلِهِ نَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ لِي بِالْعَرَبِيَّةِ : بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ ، بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ ، بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ ، فَتَرَكْتُهُ وَمَضَيْتُ إِلَى حَالِ سَبِيلِي إِلَى أَنْ دَخَلْنَا مَكَّةَ وَقَضَيْنَا مَا أَتَيْنَا لَهُ مِنَ التِّجَارَةِ ، وَعُدْنَا إِلَى الْمَوْطِنِ ، فَلَمَّا تَطَاوَلَتِ الْمُدَّةُ عَلَى ذَلِكَ كُنَّا جُلُوسًا فِي فِنَاءِ ضَيْعَتِنَا هَذِهِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ ؛ لَيْلَةِ الْبَدْرِ ، وَالْبَدْرُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ إِذْ نَظَرْنَا إِلَيْهِ وَقَدِ انْشَقَّ نِصْفَيْنِ ، فَغَرَبَ نِصْفًا بِالْمَشْرِقِ ، وَنِصْفًا بِالْمَغْرِبِ ، فَأَظْلَمَ اللَّيْلُ ، ثُمَّ طَلَعَ النِّصْفُ مِنَ الْمَشْرِقِ ، وَالثَّانِي مِنَ الْمَغْرِبِ ، إِلَى أَنِ الْتَقَيَا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَتَعَجَّبْنَا مِنْ ذَلِكَ غَايَةَ الْعَجَبِ ، وَلَمْ نَعْرِفْ لِذَلِكَ سَبَبًا ، فَسَأَلْنَا الرَّكْبَ عَنْ خَبَرِ ذَلِكَ وَسَبَبِهِ ، فَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَجُلا هَاشِمِيًّا ظَهَرَ بِمَكَّةَ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَى كَافَّةِ الْعَالَمِ ، وَأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوهُ مُعْجِزَةً كَمُعْجِزَةِ سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّهُمُ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ الْقَمَرَ فَيَنْشَقَّ فِي السَّمَاءِ ، وَيَغْرُبَ نِصْفُهُ فِي الْمَشْرِقِ ، وَنِصْفُهُ فِي الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ يَعُودَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَفَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ ، تَعَالَى ، فَلَمَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنَ السَّفَّارِ ؛ اشْتَقْتُ إِلَى أَنْ أَرَى الْمَذْكُورَ ، فَتَجَهَّزْتُ فِي تِجَارَةٍ وَسَافَرْتُ إِلَى أَنْ دَخَلْتُ مَكَّةَ ، وَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ الْمَوْصُوفِ ، فَدَلُّونِي عَلَى مَوْضِعِه ، فَأَتَيْتُ إِلَى مَنْزِلِه ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ، فَوَجَدْتُه جَالِسًا فِي وَسَطِ الْمَنْزِلِ ، وَالأَنْوَارُ تَتَلأْلأُ فِي وَجْهِهِ ، وَقَدِ اسْتَنَارَتْ مَحَاسِنُهُ ، وَتَغَيَّرَتْ صِفَاتُهُ الَّتِي كُنْتُ أَعْهَدُهَا فِي السَّفْرَةِ الأُولَى فَلَمْ أَعْرِفْهُ ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ نَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ وَعَرَفَنِي ، وَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، ادْنُ مِنِّي ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقٌ فِيهِ رُطَبٌ وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُعَظِّمُونَهُ وَيُبَجِّلُونَهُ ، فَتَوَقَّفْتُ لِهَيْبَتِهِ ، فَقَالَ : يَا بَابَا ، ادْنُ مِنِّي وَكُلِ ، الْمُوَافَقَةُ مِنَ الْمُرُوءَةِ ، وَالْمُفَارَقَةُ مِنَ الزَّنْدَقَةِ ، وَتَقَدَّمْتُ وَجَلَسْتُ وَأَكَلْتُ مَعَهُ مِنَ الرُّطَبِ ، وَصَارَ يُنَاوِلُنِي الرُّطَبَ بِيَدِهِ الْمُبَارَكَةِ إِلَى أَنْ نَاوَلَنِي سِتَّ رُطَبَاتٍ مِنْ سِوَى مَا أَكَلْتُ بِيَدِي ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ ، وَقَالَ لِي : أَلَمْ تَحْمِلْنِي فِي عَامِ كَذَا ، أَوْ جَاوَزْتَ بِي السَّيْلَ حِينَ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ إِبِلِي ، فَعَرَفْتُهُ بِالْعَلامَةِ ، وَقُلْتُ : بَلَى يَا صَبِيحَ الْوَجْهِ ، فَقَالَ لِي : امْدُدْ يَدَكَ ، فَمَدَدْتُ يَدِي الْيُمْنَى فَصَافَحَنِي بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، فَقَالَ لِي : قُلْ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ ذَلِكَ كَمَا عَلَّمَنِي فَسُرَّ بِذَلِكَ ، وَقَالَ لِي عِنْدَ خُرُوجِي مِنْ عِنْدِهِ : بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ ، بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ ، بَارَكَ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ ، فَوَدَّعْتُهُ وَأَنَا مُسْتَبْشِرٌ بِلِقَائِهِ وَبِالإِسْلامِ ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ نَبِيِّهِ ، وَبَارَكَ فِي عُمْرِي بِكُلِّ دَعْوَةٍ مِائَةَ سَنَةٍ ، وَعُمْرِي الْيَوْمَ سِتُّ مِائَةِ سَنَةٍ وَزِيَادَةٌ ، وَجَمِيعُ مَنْ فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ الْعَظِيمَةِ أَوْلادِي وَأَوْلادُ أَوْلادِي ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ بِكُلِّ خَيْرٍ وَكُلِّ نِعْمَةٍ بِبَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، انْتَهَى .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.