وبه قال : حدثنا وبه قال : حدثنا أَبِي ، قال : حدثنا خالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف ، قال : أَخْبَرَنِي أَبُو أمية مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فِي كتابه إلي ، قال : حدثنا حَامِد بْن يَحْيَى ، قال : حدثنا حَفْص أَبُو مقاتل السَّمَرْقَنْدِيّ ، قال : حدثنا عون بْن أَبِي شداد العبدي ، قال : بلغني أن الحجاج بْن يُوسُف لما ذكر لَهُ سَعِيد بْن جبير أرسل إِلَيْهِ قائدا من أهل الشام من خاصة أصحابه يسمى المتلمس بْن الأحوص ، ومعه عشرون رجلا من أهل الشام من خاصة أصحابه ، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب فِي صومعة لَهُ فسألوه عنه ، فَقَالَ الراهب : صفوه لي ، فوصفوه لَهُ فدلهم عليه فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا منه فسلموا عليه ، فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ، ثُمَّ رد عليهم السلام ، فَقَالُوا : إنا رسل الحجاج إليك فأجبه ، قال : ولا بد من الإجابة ، قَالُوا : لا بد ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ، ثُمَّ قام فمشى معهم حَتَّى انتهى إِلَى دير الراهب ، فَقَالَ الراهب : يَا معشر الفرسان ، أصبتم صاحبكم ، قَالُوا : نعم ، فَقَالَ لهم اصعدوا الدير فإن اللبوة والأسد يأويان حول الدير ، فعجلوا الدخول ، قبل المساء ، ففعلوا ذَلِكَ ، وأَبَى سَعِيد أن يدخل الدير ، فَقَالُوا : ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا ، قال : لا ، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا ، قَالُوا : فإنا لا ندعك فإن السباع تقتلك ، قال سَعِيد : لا ضير ، إن معي ربي فيصرفها عني ويجعلها حرسا حولي تحرسني من كل سوء إن شاء الله ، قَالُوا : فأنت من الأنبياء ، قال : ما أنا من الأنبياء ، ولكن عبد من عُبَيْد الله خاطئ مذنب ، قال الراهب : فليعطني ما أثق بِهِ علي طمأنينة ، فعرضوا على سَعِيد أن يعطي الراهب ما يريد ، قال سَعِيد : إني أعطي العظيم الذي لا شُرَيْك لَهُ ، لا أبرح مكاني حَتَّى أصبح إن شاء الله ، فرضي الراهب بذلك ، فَقَالَ لهم : اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عَنْ هَذَا العبد الصالح ، فإنه كره الدخول علي فِي الصومعة لمكانكم ، فلما صعدوا وأوتروا القسي إذا هم بلبوة قد أقبلت ، فلما دنت من سَعِيد تحككت بِهِ ، وتمسحت بِهِ ، ثُمَّ ربضت قريبا منه ، وأقبل الأسد فصنع مثل ذَلِكَ ، فلما رأى الراهب ذَلِكَ وأصبحوا ، نزل إِلَيْهِ فسأله عَنْ شرائع دينه وسنن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ففسر لَهُ سَعِيد ذَلِكَ كله ، فأسلم الراهب وحسن إسلامه ، وأقبل القوم على سَعِيد يعتذرون إِلَيْهِ ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه بالليل ، فصلوا عليه ، فيقولون : يَا سَعِيد ، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق ، إن نحن رأيناك لا ندعك حَتَّى نشخصك إِلَيْهِ ، فمرنا بما شئت ، قال : امضوا لأمركم فإني لائذ بخالقي ، ولا راد لقضائه ، فساروا حَتَّى بلغوا واسطا ، فلما انتهوا إليها ، قال لهم سَعِيد : يَا معشر القوم ، قد تحرمت بكم وصحبتكم ، ولست أشك أن أجلي قد حضر ، وأن المدة قد انقضت ، فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، وأستعد لمنكر ونكير ، وأذكر عذاب القبر ، وما يحثى علي من التراب ، فإذا أصبحتم فالميعاد بيني وبينكم ، المكان الذي تريدون ، وقال بعضهم : لا نريد أثرا بعد عين ، وقال بعضهم : قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائزكم من الأمير ، فلا تعجزوا عنه ، فَقَالَ بعضهم : يعطيكم ما أعطى الراهب ، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد كيف تحككت بِهِ وتمسحت وحرسته إِلَى الصباح ، وقال بعضهم : هُوَ علي أدفعه إليكم إن شاء الله ، فنظروا إِلَى سَعِيد قد دمعت عيناه ، وشعث رأسه ، واغبر لونه ، ولم يأكل ولم يشرب ، ولم يضحك منذ يوم لقوه ، وصحبوه ، فَقَالُوا بجماعتهم : يَا خير أهل الأرض ، ليتنا لم نعرفك ولم نسرح إليك ، الويل لنا ويلا طويلا ، كيف ابتلينا بك ؟ اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر ، فإنه الْقَاضِي الأكبر ، والعدل الذي لا يجور ، فَقَالَ سَعِيد : ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله فِي ، فلما فرغوا من البكاء ، والمجاوبة ، والكلام فيما بينهم ، قال كفيله : أسألك بالله يَا سَعِيد ، لما زودتنا من دعائك وكلامك ، فإنا لن نلقى مثلك أبدا ، ولا نرى أنا نلتقي إِلَى يوم القيامة ، قال : ففعل ذَلِكَ سَعِيد : فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ، ومدرعته ، وكساءه ، وهم محتفون الليل كله ينادون بالويل واللهف ، فلما انشق عمود الصبح جاءهم سَعِيد بْن جبير فقرع الباب ، فَقَالُوا : صاحبكم ورب الكعبة ، فنزلوا إِلَيْهِ ، وبكوا معه طويلا ، ثُمَّ ذهبوا بِهِ إِلَى الحجاج ، وآخر معه ، فدخلا على الحجاج ، فَقَالَ الحجاج : أتيتموني بسعيد بْن جبير ؟ قَالُوا : نعم ، وعاينا منه العجب ، فضرب بوجهه عنهم ، فَقَالَ : أدخلوه علي ، فخرج المتلمس ، فَقَالَ : أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام ، قال : فأدخل عليه ، فَقَالَ لَهُ : ما اسمك ؟ قال : سَعِيد بْن جبير ، قال : أنت شقي بْن كسير ، قال : بل أمي كانت أعلم بإسمي منك ، قال : شقيت أنت وشقيت أمك ، قال : الغيب يعلمه غيرك ، قال : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى ، قال : لو علمت أن ذَلِكَ بيدك لاتخذتك إلها ، قال : فما قولك فِي مُحَمَّد ؟ قال : نبي الرحمة ، إمام الهدى ، قال : فما قولك فِي علي فِي الجنة هُوَ أم فِي النار ؟ قال : لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت من فيها ، قال : فما قولك فِي الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل ، قال : فأيهم أعجب إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي ، قال : فأيهم أرضى للخالق ؟ قال : علم ذَلِكَ عند الذي يعلم سرهم ونجواهم ، قال : أبيت أن تصدقني ؟ قال : إني لم أحب أن أكذبك ، قال : فما بالك لم تضحك ؟ قال : وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين والطين تأكله النار ؟ قال : فما بالنا نضحك ؟ قال : لم تستو القلوب ، قال : ثُمَّ أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت فجمعه بين يدي سَعِيد بْن جبير ، فَقَالَ لَهُ سَعِيد : إن كنت جمعت هَذَا لتفتدي بِهِ من فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير فِي شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا ، ثُمَّ دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ فِي الناي بكى سَعِيد بْن جبير ، فَقَالَ لَهُ : ما يبكيك هُوَ اللهو ؟ قال سَعِيد : بل هُوَ الحزن ، أما النفخ فذكرني يوما عظيما يوم ينفخ فِي الصور ، وأما العود فشجرة قطعت فِي غير حق ، وأما الأوتار فإنها أمعاء الشاء يبعث بها معك يوم القيامة ، فَقَالَ الحجاج : ويلك يَا سَعِيد ، فَقَالَ سَعِيد : الويل لمن زحزح عَنِ الجنة وأدخل النار ، قال الحجاج : اختر يَا سَعِيد أي قتلة تريد أن أقتلك ؟ قال : اختر لنفسك يَا حجاج ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها فِي الآخرة ، قال : فتريد أن أعفو عنك ، قال : إن كَانَ العفو فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر ، قال : اذهبوا بِهِ فاقتلوه ، فلما خرج من الباب ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك ، فأمر برده ، فَقَالَ : ما أضحكك ؟ قال : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عنك ، فأمر بالنطع فبسط ، فَقَالَ : اقتلوه ، فَقَالَ سَعِيد : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سورة الأنعام آية 79 قال : شدوا بِهِ لغير القبلة ، قال سَعِيد : فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ سورة البقرة آية 115 قال : كبوه لوجهه ، قال سَعِيد : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى سورة طه آية 55 قال الحجاج : اذبحوه ، قال سَعِيد : أما إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شُرَيْك لَهُ ، وأن محمدا عبده ورسوله ، خذها مني حَتَّى تلقاني يوم القيامة ، ثُمَّ دعا سَعِيد الله ، وقال : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي ، فذبح على النطع رحمة الله عليه ، قال : وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، ووقعت الأكلة فِي بطنه ، فدعا بالطبيب لينظر إِلَيْهِ ، فنظر إِلَيْهِ ، ثُمَّ دعا بلحم منتن فعلقه فِي خيط ثُمَّ أرسله فِي حلقه فتركه ساعة ثُمَّ استخرجه ، ويد لزق بِهِ من الدم ، فعلم أنه ليس بناج ، وبلغنا أنه كَانَ ينادي بقية حياته ، ما لي ولسعيد بْن جبير ، كلما أردت النوم أخذ برجلي .
الأسم | الشهرة | الرتبة |