وقال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَهْلِهِ ، قَالُوا قال حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : كُنْتُ أُعَالِجُ الْبَزَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وكُنْتُ رَجُلا تَاجِرًا ، أَخْرُجُ إِلَى الْيَمَنِ ، وآتِي الشَّامَ فِي الرِّحْلَتَيْنِ ، فَكُنْتُ أَرْبَحُ أَرْبَاحًا كَثِيرَةً ، فَأَعُودُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي ، ونَحْنُ لا نَعْبُدُ شَيْئًا ، نُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الأَمْوَالِ والْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ ، وكُنْتُ أَحْضُرُ الأَسْوَاقَ ، وكَانَتْ لَنَا ثَلاثَةُ أَسْوَاقٍ : سُوقٌ بِعُكَاظَ ، يَقُومُ صُبْحَ هِلالِ ذِي الْقَعْدَةِ ، فَيَقُومُ عِشْرِينَ يَوْمًا ، ويَحْضُرُهُ الْعَرَبُ ، وبِهِ ابْتَعْتُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ ، فَأَخَذْتُهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خَدِيجَةَ سَأَلَهَا زَيْدًا ، فَوَهَبَتْهُ لَهُ ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم . وبِهِ ابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ ، فَكَسَوْتُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَلَ ولا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحُلَّةِ . ويُقَالُ : إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَدِمَ بِالْحُلَّةِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي عِيرٍ ، فَأَرْسَلَ بِالْحُلَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهَا ، وقال : " لا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ " . قال حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : فَجَزَعْتُ جَزَعًا شَدِيدًا حَيْثُ رَدَّ هَدِيَّتِي ، فَبِعْتُهَا بِسُوقِ النَّبَطِ مِنْ أَوَّلِ سَائِمٍ سَامَنِي ، ودَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَيْهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، فَاشْتَرَاهَا ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَلْبَسُهَا بَعْدُ . ++ وكَانَ سُوقُ مَجَنَّةَ يَقُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ انْصَرَفْنَا ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى سُوقِ ذِي الْمَجَازِ ، فَقَامَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ . وكُلُّ هَذِهِ الأَسْوَاقُ أَلْقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمَوَاسِمِ يَسْتَعْرِضُ الْقَبَائِلَ قَبِيلَةً قَبِيلَةً ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَلا يَرَى أَحَدًا يَسْتَجِيبُ لَهُ ، وأُسْرَتُهُ أَشَدُّ الْقَبَائِلِ عَلَيْهِ ، حَتَّى بَعَثَ رَبُّهُ لَهُ قَوْمًا أَرَادَ بِهِمْ كَرَامَتَهُ ، هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَبَايَعُوهُ ، وصَدَّقُوا بِهِ ، وآمَنُوا بِهِ ، وبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ دَارَ هِجْرَةٍ ومَلْجَأً ، وسَبَقَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ . ++ فَلَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ سَامَنِي بِدَارِي بِمَكَّةَ ، فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا بَاعَ ، لَنَرُدَّنَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ ، فَقُلْتُ : واللَّهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلا بِزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ ، ولَقَدْ وصَلْتُ الرَّحِمَ ، وحَمَلْتُ الْكَلَّ ، وأَعْطَيْتُ فِي السَّبِيلِ . وكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَشْتَرِي الظَّهْرَ والأَدَاةَ والزَّادَ ، ثُمَّ لا يَجِيئُهُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ فِي السَّبِيلِ إِلا حَمَّلَهُ . قال : فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَطْلُبُ حُمْلانًا ، يُرِيدُ الْجِهَادَ ، فَدُلَّ عَلَى حَكِيمٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ ، وقَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ ، فَدُلِلْتُ عَلَيْكَ لِتَحْمِلَ رِجْلَتِي ، وتُعِينَنِي عَلَى ضَعْفِي . قال : اجْلِسْ ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْهُ الشَّمْسُ وارْتَفَعَتْ رَكَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وأَوْمَأَ إِلَى الْيَمَانِيِّ فَتَبِعَهُ ، قال : فَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِصُوفَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ سَمَلَةٍ نَفَضَهَا ، فَأَخَذَهَا . قال : فَقُلْتُ : واللَّهِ مَا زَادَ الَّذِي دَلَّنِي عَلَى هَذَا أَنْ لَعِبَ بِي ، أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَ هَذَا مِنَ الْخَيْرِ بَعْدَ مَا أَرَى ؟ قال : فَدَخَلَ دَارَهُ ، فَأَلْقَى الصُّوفَةَ مَعَ الصُّوفِ ، والْخِرْقَةَ مَعَ الْخِرَقِ ، والسَّمَلَةَ مَعَ السِّمَالِ . قال : ثُمَّ قال لِغُلامٍ لَهُ : هَاتِ لِي بَعِيرًا ذَلُولا . قال : فَأُتِيَ بِهِ ذَلُولا مَوَقَّعًا سَمِينًا . قال : ثُمَّ دَعَا بِجَهَازٍ ، فَشُدَّ عَلَى الْبَعِيرِ ، ثُمَّ دَعَا بِخِطَامٍ فَخَطَمَهُ ، ثُمَّ قال : هَلْ مِنْ جُوَالَقَيْنِ ؟ فَأُتِيَ بِجُوَالَقَيْنِ ، فَأَمَرَ لِي بِدَقِيقٍ وسَوِيقٍ ، وعُكَّةٍ مِنْ زَيْتٍ ، وقال : انْظُرْ مِلْحًا ، وجِرَابًا مِنْ تَمْرٍ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسَافِرُ إِلا أَعْطَانِيهِ ، وكَسَانِي ، ثُمَّ دَعَا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ ، فَقَالَ : هَذِهِ لِلطَّرِيقِ . قال : فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، وكَانَ هَذَا فِعْلَ حَكِيمٍ . وكَانَ مُعَاوِيَةُ عَامَ حَجَّ مَرَّ بِهِ وهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ ومِئَةِ سَنَةٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلَقُوحٍ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا ، وذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ : أَيَّ الطَّعَامِ تَأْكُلُ ؟ فَقَالَ : أَمَا مَضْغٌ فَلا مَضْغَ بِي ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلَقُوحٍ ، وأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، وقال : لَمْ آخُذْ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا ، قَدْ دَعَانِي أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ إِلَى حَقِّي ، فَأَبَيْتُ أَنْ آخُذَهُ ، وذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، يَقُولُ : " الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهَا بِسَخَاوَةِ نِفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهَا ، ومَنْ أَخَذَهَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهَا " . فَقُلْتُ يَوْمَئِذٍ : لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا ، ولَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَبْعَثُ بِالأَمْوَالِ ، فَابْعَثْ بِمَالِي ، فَلَرُبَّمَا دَعَانِي بَعْضُهُمْ إِلَى أَنْ يُخَالِطَنِي بِنَفَقَتِهِ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجَدَّ فِي مَالِي ، وذَلِكَ أَنِّي كُلَّمَا أُرْبِحْتُ تَحَنَّثْتُ بِهِ أَوْ بِعَامَّتِهِ ، أُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الْمَالِ والْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ , أَخْبَرَنَا بذلك أَبُو الحسن بن الْبُخَارِيّ ، قال : أَخْبَرَنَا أَبُو حفص بنطبرزد ، قال : أَخْبَرَنَا الوزير أَبُو القاسم علي بن طراد بن مُحَمَّد بن علي الزينبي ، قال : أَنْبَأَنَا أَبُو جعفر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن المسلمة ، قال : أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر مُحَمَّد بن عبد الرحمن المخلص ، قال : أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن سليمان الطوسي ، قال : حَدَّثَنَا الزبير بن بكار ، فذكره .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
مُعَاوِيَةُ | معاوية بن أبي سفيان الأموي / توفي في :60 | صحابي |
أَحْمَد بن سليمان الطوسي | أحمد بن سليمان الطوسي | صدوق حسن الحديث |
أَهْلِهِ | اسم مبهم | |
أَبُو طاهر مُحَمَّد بن عبد الرحمن المخلص ، قال : أَخْبَرَنَا | محمد بن عبد الرحمن الذهبي / ولد في :305 / توفي في :393 | ثقة |
بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ | الضحاك بن عثمان الحزامي | صدوق حسن الحديث |
أَبُو جعفر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن المسلمة | محمد بن أحمد المسلمي / ولد في :375 / توفي في :465 | ثقة |
الْوَاقِدِيِّ ، عَنِ | محمد بن عمر الواقدي / ولد في :130 / توفي في :207 | ضعيف الحديث |
أَبُو القاسم علي بن طراد بن مُحَمَّد بن علي الزينبي | علي بن أبي الفوارس الزينبي / ولد في :462 / توفي في :538 | صدوق حسن الحديث |
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ | إبراهيم بن المنذر الحزامي | صدوق حسن الحديث |
أَبُو حفص بنطبرزد | عمر بن محمد الدارقزي / توفي في :607 | ضعيف الحديث |
الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ | الزبير بن بكار الأسدي | ثقة |
أَبُو الحسن بن الْبُخَارِيّ | علي بن أحمد المقدسي / ولد في :575 / توفي في :690 | ثقة إمام |