حجة الوداع


تفسير

رقم الحديث : 273

وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَخْرَجِهِ ، وَمَجْلِسِهِ ، وَشَكْلِهِ ، وَسِيرَتِهِ ، وَكَلامِهِ ، وَسُكُوتِهِ ، قَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ : " سَأَلْتُ أَبِي عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَانَ مَدْخَلُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِذَا آوَى إِلَى أَهْلِهِ جَزَّأَ مَدْخَلَهُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ : جُزْءًا لِلَّهِ ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ لِنَفْسِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَرَدَّ عَلَى الْعَامَّةِ مِنَ الْخَاصَّةِ " ، وَكَانَ سِيرَتُهُ إِيثَارَ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ ، وَذُو الْحَاجَتَيْنِ ، وَذُو الْحَوَائِجِ ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ ، وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَأَصْلَحَ الأُمَّةِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ إِخْبَارُهُمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ ، وَيَقُولُ : " لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغِي حَاجَتَهُ ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهُ إِيَّاهَا ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ ، وَلا يَقْبَلُ غَيْرَهُ مِنْ أَحَدٍ " ، قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟ ، فَقَالَ : " كَانَ يُخْزِنُ لِسَانَهُ عَمَّا لا يَعْنِيهِ ، وَكَانَ يُؤَلِّفُ ، وَلا يُنَفِّرُ ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلا خُلُقَهُ ، يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ ، وَيَسْأَلُ عَمَّا فِي النَّاسِ فَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّنُهُ ، مُؤْتَلِفُ الأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفِهِ ، كُلُّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ ، وَلا يَجُوزُ الدِّينَ ، أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً ، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً ، أَحْسَنُهُمْ مُؤَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً " ، قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " كَانَ لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَلا يُوَطِّنُ الأَمَاكِنَ ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسَ ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ ، وَيُعْطِي كُلا مِنْ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ ، فَلا يَحْسَبُ جَلِيسَهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَارَنَهُ فِي حَاجَةٍ ، سَايَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدُّهُ إِلا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا ، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ ، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ ، وَحَيَاءٍ ، وَصِدْقٍ ، وَأَمَانَةٍ ، لا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ ، وَلا تُوبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ ، وَلا تُخْشَى فَلَتَاتُهُ ، تَرَى جُلَسَاءَهُ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ ، وَيَحُوطُونَ الْغَرِيبَ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَكَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ ؟ قَالَ : " كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ ، وَلا عَيَّابٍ ، وَلا فَحَّاشٍ ، وَلا مَدَّاحٍ ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِيهِ ، وَلا يُؤَيِّسُ مِنْهُ وَلا يُجِيبُ فِيهِ ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ : الْمِرَاءِ ، وَالإِكْثَارِ ، وَمَا لا يَعْنِيهِ ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ : كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا ، وَلا يُعَيِّرُهُ ، وَلا يَطْلُبُ عَثْرَتَهُ ، وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَى ثَوَابَهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ فَكَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ ، وَإِذَا سَكَتَ ، تَكَلَّمُوا لا يُنَازِعُونَ عِنْدَهُ أَحَدًا مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ كَلامِهِ ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتِهِمْ ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ , وَيَعْجَبُ مِمَّا يَعْجَبُونَ مِنْهُ ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ الْجَافِي فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ ، وَيَقُولُ : إِنْ رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَقٍّ فَارْفِدُوهُ ، وَلا يُقْبَلُ الثَّنَاءُ إِلا مِنَ الْمُكَافِئِ ، وَلا يُقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثُهُ حَتَّى يَجُوزَ ، فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ " ، قُلْتُ : " فَكَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ ؟ ، قَالَ : " عَلَى أَرْبَعٍ : الْحِلْمِ ، وَالْحَذَرِ ، وَالتَّقْدِيرِ ، وَالتَّفْكِيرِ ، فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَاسْتِمَاعِهِ مِنْهُمْ ، وَأَمَّا تَفْكِيرُهُ : فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى ، وَجَمَعَ الْحِلْمَ وَالصَّبْرَ ، فَكَانَ لا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلا يَسْتَفِزُّهُ ، وَجَمَعَ ثَلاثًا : أَخْذَهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ ، وَتَرْكَهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ ، وَاجْتِهَادَهُ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ ، وَجَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبِي

صحابي

الْحُسَيْنُ

صحابي

Whoops, looks like something went wrong.