كتاب فتوح البلدان البلاذري


تفسير

رقم الحديث : 47

وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي ، عن أبيه ، عن جده مُحَمَّد بْن السائب ، وشرقي بْن القطامي الكلبي ، قالا : لما هدم بختنصر بيت المقدس وأجلى من أجلى ، وسبى من سبى من بني إسرائيل ، لحق قوم منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادي القرى وتيماء ويثرب ، وكان بيثرب قوم من جرهم وبقية منَ العماليق قَدِ اتخذوا النخل والزرع ، فأقاموا معهم وخالطوهم ، فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق حَتَّى نفوهم عن يثرب ، واستولوا عليها وصارت عمارتها ومراعيها لهم فمكثوا عَلَى ذلك ما شاء اللَّه ، ثُمَّ إن من كان باليمن من ولد سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم منَ الخصب ورفاهة العيش ، فخلق اللَّه جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم بَيْنَ جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاءوا ، فيأتيهم الماء منها عَلَى قدر حاجتهم وإرادتهم ، والسد العرم ، فلم تزل تلك الجرذان تعمل في ذلك العرم حَتَّى خرقته ، فأغرق اللَّه تعالى جنانهم ، وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا وأثلا وشيئا من سدر قليلا ، فلما رأى ذلك مزيقيا ، وهو عُمَر بْن عَامِر بْن حارثة بْن ثعلبة بْن امرئ القيس بْن مازن بْن الأزد بْن غوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان ، باع كل شيء له من عقار وماشية وغير ذلك ، ودعا الأزد حَتَّى صاروا معه إِلَى بلاد عك ، فأقاموا بها وقال عَمْرو الانتجاع قبل العلم عجز ، فلما رأت عك غلبة الأزد عَلَى أجود مواضعهم غمها ذلك فقالت للأزد : انتقلوا عنا ، فقام رجل منَ الأزد أعور أصم ، يقال له : جذع ، فوثب بطائفة منهم فقتلهم ونشبت الحرب بَيْنَ الأزد وعك ، فانهزمت الأزد ، ثُمَّ كرت ، فقال جذع في ذلك : نحن بنو مازن غير شك غسان غسان وعك عك سيعلمون أينا أرك وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان ، فسموا بذلك ، ثُمَّ إن الأزد سارت حَتَّى انتهت إِلَى بلاد حكم بْن سَعْد العشيرة بْن مَالِك بْن أدد بْن زيد بْن يشجب بْن عريب بْن زيد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان ، فقاتلوهم فظهرت الأزد عَلَى حكم ، ثُمَّ إنه بدا لهم الانتقال عن بلادهم ، فانتقلوا وبقيت طائفة منهم معهم ، ثُمَّ أتوا نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم ، فأقاموا بنجران ، ثُمَّ رحلوا عنها إلا قوم منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إِلَى ذلك ، فأتوا مكة وأهلها جرهم ، فنزلوا بطن مر وسأل ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سَهْل مكة فأبوا ، فقاتلهم حَتَّى غلب عَلَى السهل ، ثُمَّ أنه والأزد استأبوا مكانهم ، ورأوا شدة العيش به فتفرقوا ، فأتت طائفة منهم عمان ، وطائفة السراة ، وطائفة الأنبار والحيرة ، وطائفة الشام ، وأقامت طائفة منهم بمكة ، فقال جذع : أكلما صرتم يا معاشر الأزد إِلَى ناحية انخزعت منكم جماعة يوشك أن تكونوا أذنابا في العرب ، فسمى من أقام بمكة خزاعة . وأتى ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا وولده ، ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود ، فأقاموا بها خارج المدينة ، ثُمَّ إنهم عفوا وكثروا وعزوا حَتَّى أخرجوا اليهود منها ودخلوها ، فنزلت اليهود خارجها ، فالأوس والخزرج ابنا حارثة بْن ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا بْن عَامِر ، وأمهما قيلة بنت الأرقم بْن عَمْرو ، ويقال : أنها غسانية منَ الأزد ، ويقال : أنها عذرية ، وكانت للأوس والخزرج قبل الإِسْلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء ، حَتَّى شهر بأسهم ، وعرفت نجدتهم ، وذكرت شجاعتهم ، وجل في قلوب العرب أمرهم وهابوا حدهم ، فامتنعت حوزتهم ، وعز جارهم . وذلك لما أراد اللَّه من إعزاز نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإكرامهم بنصرته ، قَالُوا : ولما قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا ، وعاهدهم عهدا وكان أول من نقض ونكس منهم يهود بني قينقاع ، فأجلاهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المدينة ، وكان أول أرض افتتحها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرض بني النضير .

الرواه :

الأسم الرتبة