حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ مِسْكِينٍ أَبِي زَيْدٍ الصُّوفِيِّ ، قَالَ : " كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعُبَّادِ أَيَّامَ الْفِتْنَةِ يَخْرُجُ إِلَى الْمَقَابِرِ وَالْجَبَابِينِ فَزِعًا ، ظِلَّ نَهَارِهِ وَرُبَّمَا بَاتَ لَيْلَهُ فِي بَعْضِ خَرَابَاتِ أَفْنَاءِ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الْخُلْدَ ، فَهُوَ فِي فِكْرَةٍ وَبُكَاءٍ ، قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ خَرَابَاتِهِ ، وَذَاكَ بَعْدَمَا مَضَى لَيْلٌ طَوِيلٌ ، إِذْ سَمِعْتُ هَاتِفًا يَهْتِفُ يَقُولُ : وَقِفْ بِالْقُصُورِ عَلَى دِجْلَةٍ حَزِينًا فَقُلْ : أَيْنَ أَرْبَابُهَا وَأَيْنَ الْمُلُوكُ وُلاةُ الْعُهُودِ رُقَاةُ الْمَنَابِرِ غُلابُهَا تُجِيبُكَ آثَارُهُمْ عَنْهُمُ إِلَيْكَ فَقَدْ مَاتَ أَصْحَابُهَا ، قَالَ : فَأَرْعَدْتُ وَاللَّهِ وَسَقَطْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ وَأَنْشَدَنِي أَبِي : وَلِلدَّهْرِ فِي أَكْنَافِ دِجْلَةَ مَنْظَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ وَبِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِمَّا يَلِي الْحِمَا إِلَى الْخُلْدِ فَالْزَّوْرَاءِ فَالْخُلْدِ فَالْجِسْرِ مَنَازِلُ تُقْرِيكَ الشَّجَى مِنْ عِرَاصِهَا وَتَحْدُوكَ مَا لا يَلْبَثُ الدَّمْعُ أَنْ يَجْرِي تَنَكَّرَ مِنْهَا مَا عَرَفْتَ وَبُدِّلَتْ خُشُوعًا وَصَمْتًا بِالْبَشَاشَةِ وَالْبِشْرِ رُكُوعًا عَلَى صَرْفِ الزَّمَانِ وَسُجَّدًا لِهِنْدِيَّةٍ بَدْرٍ وَخَطِّيَّةٍ سُمْرِ فَيَا وَاثِقًا بِالدَّهْرِ غُرًّا بِصَرْفِهِ رُوَيْدَكَ إِنِّي بِالأُمُورِ أَخُو خُبْرِ خَلِيلَيَّ قَدْ رُضْتُ الزَّمَانَ وَرَاضَنِي عَلَى عُدْمِيَ طَوْرًا وَطَوْرًا عَلَى يُسْرِي فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ كَبَّلْنَ مُطْلَقًا وَأَطْلَقْنَ مِنْ ضِيقِ الزَّمَانِ أَخَا أَسْرِ فَمَا زَالَتِ الأَيَّامُ تَسْتَدْرِجُ الْفَتَى وَتُمْلِي لَهُ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي وَلا يَدْرِي " .