وَأَمَّا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ ، فَإِنَّ أَهْلَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ فَبَنَوْا لَهُ بَيْتًا عَلَى بَابِ دَارِهِمْ ، فَكَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ لا يَرَوْنُ لَهُ وَجْهًا ، كَانَ طَعَامُهُ مِمَّا يَلْقُطُ مِنَ النَّوَى ، فَإِذَا أَمْسَى بَاعَهُ لإِفْطَارِهِ ، وَإِنْ أَصَابَ حَشَفَةً خَبَّأَهَا لإِفْطَارِهِ ، قَالَ : فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَأَيُّهَا النَّاسُ قُومُوا بِالْمَوْسِمِ ، فَقَالَ : أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فَجَلَسُوا فَقَالَ : أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَجَلَسُوا ، فَقَالَ : أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ مُرَادٍ ، فَجَلَسُوا ، فَقَالَ : أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ قَرَنٍ ، فَجَلَسُوا إِلا رَجُلا ، وَكَانَ عَمَّ أُوَيْسِ بْنِ أُنَيْسٍ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَقَرَنِيٌّ أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَتَعْرِفُ أُوَيْسًا ، قَالَ : وَمَا تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَوَاللَّهِ مَا فِينَا أَحْمَقُ مِنْهُ ، وَلا أَجَنُّ مِنْهُ ، وَلا أَهْوَجُ مِنْهُ . فَبَكَى عُمَرُ وقَالَ : بِكَ لا بِهِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه ، يَقُولُ : " دَخَلَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ " ، فَقَامَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ الْعَبْدِيُّ قَالَ : فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلا طَلَبُهُ ، حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ جَالِسًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ ، فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ الَّذِي نُعِتَ لِي ، فَإِذَا رَجُلٌ لَحِيمٌ شَدِيدُ الأُدْمَةِ أَشْعَرُ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مَهِيبُ الْمَنْظَرِ ، وَزَادَ غَيْرُهُ : كَانَ رَجُلا أَشْهَلَ أَصْهَبَ عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، وَفِي كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَضَحٌ ، ضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ ، نَاصِبَ بَصَرِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ ، قَالَ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ ، وَنَظَرَ إِلَيَّ ، وَمَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ لأُصَافِحَهُ ، فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ ، كَيْفَ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهَ ، وَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُ ، وَرِقَّتِي عَلَيْهِ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى ، قَالَ : وَأَنْتَ ، فَحَيَّاكَ اللَّهُ يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ ، كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي مِنْ ذَلِكَ عَلَيَّ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ ، قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، سُبْحَانَ رَبِّنَا ، إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا ، فَقُلْتُ لَهُ : فَمِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ اسْمِي وَاسْمَ أَبِي ، وَمَا رَأَيْتُكَ قَبْلَ الْيَوْمِ وَلا رَأْيَتَنِي ؟ قَالَ : أَنْبَأَنِي بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ، عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ ، حَيْثُ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسَكَ وَإِنَّ الأَرْوَاحَ لَهَا أَنْفَاسٌ كَأَنْفَاسِ الأَجْسَادِ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَيَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَقُوا وَيَتَعَارَفُوا ، وَإِنْ نَأَتْ بِهِمُ الدِّيَارُ وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ ، قُلْتُ : حَدِّثْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنِّي لَمْ أُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ ، بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رِجَالا رَأَوْهُ ، وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي ، إِذْ أَكُونُ مُحَدِّثًا أَوْ قَاصًّا أَوْ مُفْتِيًا ، فِي نَفْسِي شُغُلٌ عَنِ النَّاسِ ، قُلْتُ : أَيْ أَخِي اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَسْمَعْهَا عَنْكَ ، وَأَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظْهَا ، فَإِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي ، ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، قَالَ : رَبِّي ، وَأَحَقُّ الْقَوْلِ قَوْلُ رَبِّي وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُ رَبِّي ، فَقَرَأَ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ { 38 } مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ سورة الدخان آية 38-39 إِلَى قَوْلِهِ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ سورة الدخان آية 42 فَشَهَقَ شَهْقَةً ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا أَحْسَبُهُ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ مَاتَ أَبُوكَ حَيَّانُ وَتُوشِكُ أَنْ تَمُوتَ أَنْتَ ، فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ، وَمَاتَ أَبُوكَ آدَمُ وَتُوشِكَ أَنْ تَمُوتَ ، وَمَاتَتْ أُمُّكَ حَوَّاءُ ، يَابْنَ حَيَّانَ وَمَاتَ نُوحٌ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ ، وَمَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ ، وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ ، وَمَاتَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيقِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقُلْتُ : إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَمُتْ ، قَالَ : بَلَى ، قَدْ نَعَاهُ إِلَيَّ رَبِّي ، وَنَعَى إِلَيَّ نَفْسِي ، وَأَنَا وَأَنْتَ فِي الْمَوْتَى ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ وَصِيَّتِي إِيَّاكَ ، كِتَابُ اللَّهِ وَنَعْيُ الْمُرْسَلِينَ وَنَعْيُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الْمَوْتَى ، وَلا يُفَارِقْ قَلْبَكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ مَا بَقِيتَ ، فَأَنْذِرْ بِهَا قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ ، وَانْصَحِ الأُمَّةَ جَمِيعًا ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ فَتُفَارِقَ دِينَكَ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ فَتَدْخُلَ النَّارَ ، وَادْعُ لِي وَلِنَفْسِكَ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ ، وَزَارَنِي مِنْ أَجْلِكَ فَعَرِّفْنِي وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ فِي دَارِكَ دَارِ السَّلامِ ، وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيًّا ، وَأَرْضِهِ بِالْيَسِيرِ ، وَاجْعَلْهُ لِمَا أَعْطَيْتَهُ مِنْ نِعْمَتِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَاجْزِهِ عَنِّي خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، لا أَرَاكَ بَعْدَ الْيَوْمِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ ، وَالْوَحْدَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ ، لأَنِّي كَثِيرُ الْغَمِّ مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلاءِ النَّاسِ حَيًّا ، وَلا تَسَلْ عَنِّي وَلا تَطْلُبْنِي ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ وَإِنْ لَمْ أَرَكَ وَتَرَانِي ، فَادْعُ لِي فَإِنِّي سَأَدْعُو لَكَ ، وَأَذْكُرُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، انْطَلِقْ أَنْتَ هَاهُنَا حَتَّى آخُذَ أَنَا هَاهُنَا ، فَحَرَصْتُ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ سَاعَةً فَأَبَى عَلَيَّ ، فَفَارَقْتُهُ أَبْكِي وَيَبْكِي ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ السِّكَكِ ، ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَلَبْتُهُ ، فَمَا وَجَدْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ ، وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ الْوَاسِطِيِّ ، وَهُوَ مَوْلَى أَبِي عَوَانَةَ مِنْ فَوْقٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ الْحَضْرَمِيِّ ، مَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارِ الْحِمْصِيِّ عَنْهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ أَيْضًا ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارِ ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عُتْبَةَ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ | عمر بن الخطاب العدوي / توفي في :23 | صحابي |