من رغب في الدنيا وطال امله فيها اعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد في الدنيا وقصر امل...


تفسير

رقم الحديث : 50

حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الأَدَمِيُّ ، قَالَ : ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٌ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَيْهَا عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا ، وَالْغِنَى مِنْهَا فَقْرُهَا ؛ لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا ، وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا ، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي جِرَاحَتَهُ ، يَحْتَمِي قَلِيلا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلا ، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الأَدْوَاءِ مَخَافَةَ طُولِ الْبَلاءِ فَاحْذَرْ هَذِهِ الدَّارَ الْغَرَّارَةَ ، الْخَتَّالَةَ ، الْخَدَّاعَةَ ، الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخُدَعِهَا ، وَفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا ، وَحَلَتْ بِأَمَانِيهَا ، وَتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمَجْلُوَّةِ ، فَالْعُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ ، وَالْقُلُوبُ عَلَيْهَا وَالِهَةٌ ، وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ ، وَهِيَ لأَزْوَاجِهَا كُلِّهُمْ قَاتِلَةٌ ، فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ ، وَلا الآخِرُ عَلَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ ، وَلا الْعَارِفُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ ، فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وَطَغَى وَنَسِيَ الْمَعَادَ ، فَشَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَالَتْ عَنْهَا قَدَمُهُ ، فَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ ، وَكَثُرَتْ حَسْرَتُهُ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ بِأَلَمِهِ ، وَحَسَرَاتُ الْفَوْتِ بِغُصَّتِهِ ، فَذَهَبَ بِكَمَدِهِ ، وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ ، وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ ، السَّارُّ فِيهَا لأَهْلِهَا غَارٌ ، وَالنَّافِعُ فِيهَا غَدًا ضَارٌّ ، وَقَدْ وَصَلَ الرَّخَاءُ مِنْهَا بِالْبَلاءِ وَجَعَلَ الْبَقَاءَ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ ، فَسُرُورُهَا مُشَوَّبٌ بِالْحُزْنِ ، لا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ ، وَلا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ فَيُنْتَظَرُ ، أَمَانِيهَا كَاذِبَةٌ ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ ، وَصَفْوُهَا كَدَرٌ ، وَعَيْشُهَا نَكِدٌ ، وَابْنُ آدَمَ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ ، وَإِنْ غَفَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى خَطَرٍ ، وَمِنَ الْبَلاءِ عَلَى حَذَرٍ فَلَوْ كَانَ الْخَالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلا ، لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا زَاجِرٌ ، وَفِيهَا وَاعِظٌ ، فَمَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلا وِزْرٌ ، وَمَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِهَا وَخَزَائِنِهَا ، لا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِذْ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ ، أَوْ يُحِبَّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ ، أَوْ يَرْفَعَ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ ، فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِيَارًا ، وَبَسَطَهَا لأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا ، فَيَظُنُّ الْمَغْرُورُ بِهَا الْمُقْتَدِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا ، وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَدَّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ : إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلا فَقُلْ : ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلا فَقُلْ : مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ ، وَإِنْ شِئْتَ اقْتَدَيْتَ بِصَاحِبِ الرُّوحِ وَالْكَلِمَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِدَامِي الْجُوعُ ، وَشِعَارِي الْخَوْفُ وَلِبَاسِي الصُّوفُ ، وَصِلائِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ ، وَسِرَاجِي الْقَمَرُ وَدَابَّتِي رِجْلايَ ، وَطَعَامِي وَفَاكِهَتِي مَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ ، أَبِيتُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ ، وَأُصْبِحُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ ، وَلَيْسَ عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.