حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ ، قَالَ : قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : " الأَيَّامُ سِهَامٌ وَالنَّاسُ أَغْرَاضٌ ، وَالدَّهْرُ يَرْمِيكَ كُلَّ يَوْمٍ بِسِهَامِهِ وَيَتَخَرَّمُكَ بِلَيَالِيهِ وَأَيَّامِهِ ، حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ أَجْزَائِكَ . فَكَمْ بَقَاءُ سَلامَتِكَ مَعَ وُقُوعِ الأَيَّامِ بِكَ ، وَسُرْعَةِ اللَّيَالِي فِي بَدَنِكَ ؟ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَمَّا أَحْدَثَتِ الأَيَّامُ فِيكَ مِنَ النَّقْصِ ، وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْمِ مَا بَقِيَ مِنْكَ لاسْتَوْحَشْتَ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَيْكَ ، وَاسْتَثْقَلْتَ مَمَرَّ السَّاعَاتِ بِكَ ، وَلَكِنْ تَدْبِيرُ اللَّهِ فَوْقَ الاعْتِبَارِ ، وَبِالسُّلُوِّ عَنْ غَوَائِلِ الدُّنْيَا وُجِدَ طَعْمُ لَذَّتِهَا وَإِنَّهَا لأَمَرُّ مِنَ الْعَلْقَمِ إِذَا عَجَنَهَا الْحَكِيمُ ، وَأَقَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُسَمَّى بِقَلِيلٍ ، وَقَدْ أَغْنَتِ الْوَاصِفَ لِعُيُوبِهَا بِظَاهِرِ أَفْعَالِهَا ، وَمَا تَأْتِي بِهِ مِنَ الْعَجَائِبِ أَكْثَرُ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ الْوَاعِظُ ، نَسْتَوْهِبُ اللَّهَ رُشْدًا إِلَى الصَّوَابِ " .