أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ أَرْسَلَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى سُلَيْمَانَ الْكَلْبِيِّ ، وَكَانَ رَجُلا جَامِعًا لِلأَدَبِ فَاضِلا ، ذَا رَأْيٍ ، قَالَ سُلَيْمَانُ : " فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي غَرْفَةٍ لَهُ وَقَدْ عَلا نَفَسِي وَانْتَفَخَ سَحَرِي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ ، وَأَضْرَبَ عَنِّي حَتَّى سَكَنَ جَأْشِي ، ثُمَّ قَالَ : بَلَغَنِي عَنْكَ مَا أُحِبُّ ، وَإِذَا بَلَغَنِي عَنْ أَحَدٍ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ رَغْبَتِي أَسْرَعْتُ إِلَيْهِ بِمَا أَحَبَّ ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ عَلَى مُهِمِّ أُمُورِي ، وَإِنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنِّي بِالْمَكَانِ الَّذِي قَدْ بَلَغَكَ وَهُوَ مَا بَيْنَ عَيْنِي ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَبْلُغَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَفْضَلَ مَا بَلَغَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَقَدْ وَلاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ تَأَدِيبَهُ ، وَتَعْلِيمَهُ ، وَالنَّظَرَ فِيمَا يُصْلِحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَمْرَهُ ، عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ فِيهِ بِخِصَالٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلا وَاحِدَةً كُنْتَ حَقِيقًا ، أَنْ لا تُضَيِّعَهَا ، فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعَتْ ، أَمَّا أَوَّلُهَا : فَإِنَّكَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَدَاءُ الأَمَانَةِ ، فَأَمَّا الثَّانِيَةُ : فَأَنَا إِمَامٌ تَرْجُونِي وَتَخَافُنِي ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ : فَكَمَا ارْتِقَاءُ الإِمَامِ فِي الأُمُورِ دَرَجَةً ارْتَقَيْتَ مَعَهُ ، فَفِي هَذَا مَا يُرَغِّبُكَ فِيمَا أُوصِيكَ بِهِ فَأَدْخِلْ عَلَيْهِ فِي خَاصِيَّتِهِ أَهْلَ الْقُرْآنِ وَالْفَضْلِ ، وَذَوِي الأَسْنَانِ ، فَإِنَّكَ مِنْهُمْ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ ، إِمَّا أَنْ تَسْمَعَ مِنْهُمْ كَلامًا حَسَنًا فَتَعِيَهُ وَتَحْفَظَهُ فَيَكُونَ لَكَ صِيتُهُ أَوْ ذِكْرُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَرَاهُمُ النَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ فَيَرَوْنَ أَنَّكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، وَلا تُدْخِلْ عَلَيْهِ الْفُسَّاقَ ، وَلا شَرْبَةَ السَّكَرِ ، فَإِنَّكُ مِنْهُمْ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمْ كَلامًا قَبِيحًا فَيَأْخُذَ بِهِ ، وَتُرِيدُ تَحْوِيلَهُ عَنْهُ فَلا تَقْدِرَ عَلَيْهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَرَاهُمُ النَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِكُمْ فَيَرَوْنَ أَنَّكُمْ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِمْ ، وَانْظُرْ إِذَا سَمِعْتَ مِنْهُ الْكَلِمَةَ الْعَوْرَاءَ وَلا تُؤَنِّبْهُ بِهَا فَيَتَمَحَّكُ ، وَلَكِنِ احْفَظْهَا عَلَيْهِ فَإِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَانْقُلْهُ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا ، وَإِذَا سَمِعْتَ مِنْهُ الْكَلِمَةَ الْمُعْجَمَةَ فَفَطِّنِ الْقَوْمَ لَهَا عَسَى أَنْ لا يَكُونُوا فَهِمُوهَا ، وَفَهِمْتَهَا أَنْتَ لاهْتِمَامِكَ بِهَا ، حَتَّى يَقُومُوا وَقَدْ سَمِعُوا مِنْهُ كَلامًا حَسَنًا يَرْوُونَهُ عَنْهُ وَيُرِيقُونَهُ عَنْهُ ، وَإِذَا حَضَرَ النَّاسُ أَبْوَابَكُمْ فَعَجِّلُوا أُدُمَهُمْ ، وَلْيَحْسُنْ يُسْرُكُمْ بِهِمْ ، وَأَطِيبُوا لِلنَّاسِ طَعَامَكُمْ ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الْغَدَاءِ وَالْعِشَاءِ فَمَنْ أَحَبَّ أَقَامَ لِلْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ انْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَوَائِجًا غَيْرُ زِيَارَتِكُمْ ، وَإِذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَعْطُوا أَهْلَ الْقُرْآنِ ، وَحَمَلَةَ الْعِلْمِ ، وَأَهْلَ الْفَضْلِ ، فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ عَلَى تَقْوِيَتِهِمْ ، وَيَحْمَدُكُمُ النَّاسُ عَلَى عَطِيَّتِهِمْ ، وَلا تُعْطُوا الْفُسَّاقَ وَلا شَرْبَةَ الْخَمْرِ ، فَإِنَّكُمْ تَأْثَمُونَ عَلَى تَقْوِيَتِهِمْ ، وَيَلُومُكُمُ النَّاسُ عَلَى عَطِيَّتِهِمْ ، إِلا أَنْ تَكُونُوا فِي سَبَبِ نَجْدَةٍ أَوْ وَسِيلَةٍ تَكُونُ لأَحَدِهِمْ يَقْضِي ذَمَامَهُ ، وَابْسُطُوا أَيْدِيَكُمْ بِالْفَضْلِ وَوُجُوهَكُمْ بِالْبِشْرِ ، فَإِنَّكُمْ مُلُوكٌ وَالنَّاسُ سُوقَةٌ ، وَإِنَّمَا تَسُودُونَ الْقَوْمَ وَيَطَئونَ أَعْقَابَكُمْ بِتَارِعِ الْفَضْلِ ، وَلِينِ الْجَنَاحِ ، وَخُذْهُ بِتَعْلِيمٍ بِنِسْبَةِ الْعَرَبِ ، حَتَّى لا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلا كَثِيرُ ، وَعَلِّمْهُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ ، وَأَنْوَاعَ الْخُطَبِ ، وَمَوَاضِعَ الْكَلامِ ، وَمَعْرِفَةَ الْجَوَابِ ، وَإِنْ هُوَ احْتَبَسَ عَنْ تَأْدِيبِهِ وَمُرُوءَتِهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ أَهْلِهِ فِي لِحَافٍ ، حَتَّى تَجُرَّ رِجْلَهُ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَكْتُمَ عَنْهُ ، فَيُؤَدِّي إِلَيَّ ذَلِكَ غَيْرُكَ فَأُنْزِلُكَ عَمَّا يَسُرُّكَ إِلَى مَا يَضُرُّكَ ، وَلا يَخْرُجَنَّ إِلا مُعْتَمًّا ، وَلا يَرْكَبَنَّ مَحْدُوفًا ، وَلا مَهْلُوبًا ، وَلا يُعْقَدَنَّ لَهُ ذَنَبُ دَابَّةٍ ، وَلا يَرْكَبَنَّ سَرْجًا ضَيِّقًا فَتَبْدُوَ مِنْهُ إِلْيَتَاهُ كَفِعْلِ الْفُسَّاقِ ، وَلا يَشْرَبَنَّ مُلْتَفِتًا ، وَلا طَامِحًا ، خُذْهُ بِهَذَا ، وَزِدْهُ مِنْ عِنْدِكَ مَا اسْتَطَعْتَ ، فَإِنِّي سَأَقِيسُ عَقْلَهُ الْيَوْمَ وَبَعْدَ الْيَوْمِ ، فَإِنْ رَأَيْتُهُ قَدْ زَادَ خَيْرًا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ رُؤيَ أَثَرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ ، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى فَلا تَلُومَنَّ إِلا نَفْسَكَ " .