حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلامٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيُّ , عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْفَايِدِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ الْمَدَنِيِّ , قَالَ : " وَقَفَ رِجَالٌ عَلَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ فِي مَزْبَلَةٍ وَتَحْتَهُ فَرْوَةٌ , فَأَمْسَكُوا عَلَى أَنْفِهِمْ مِنْ رِيحِهِ ، وَقَالُوا : يَا أَيُّوبُ , لَقَدْ كُنْتَ تَعْمَلُ أَعْمَالا لَوْ كَانَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِكَ هَذَا الْبَلاءَ ، قَالَ أَيُّوبُ : " قَاتَلَ اللَّهُ الْغِنَى مَا أَعَزَّهُ لأَهْلِهِ , وَقَاتَلَ الْفَقْرَ مَا أَذَلَّهُ لأَهْلِهِ , أَيْ رَبِّ , أَفِي ذُنُوبِي أَخَذْتَنِي ! فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا عَرِيَ لِي جَارٌ وَلِي فَضْلُ ثَوْبٍ , وَلأَنِّي لأَسْمَعُ الْعَبْدَ يَحْنَثُ بِالاسْمِ مِنْ أَسْمَائِكَ فَأُكَفِّرُ عَنْهُ إِجْلالا لَكَ ، أَنْشَدَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنَ الأَزْدِ , قَالَ : أَنْشَدَنِي أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَاهِلَةَ : سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ حَتَّى يَكُفَّنِي غِنَى الْمَالِ يَوْمًا أَوْ غِنَى الْحَدَثَانِ فَلَلْمَوتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ يُرَى لَهَا عَلَى الْمَرْءِ بِالإِقْلالِ وَسْمُ هَوَانِ مَتَى يَتَكَلَّمْ يُلْغَ حُكْمُ كَلامِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَالُوا : عَدِيمُ بَيَانِ كَأَنَّ الْغِنَى عَنْ أَهْلِهِ بُورِكَ الْغِنَى بِغَيْرِ لِسَانٍ نَاطِقٌ بِلِسَانِ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَا رَأَيْتُ الْحَزَامَةَ فِي الرَّأْيِ الْبَعِيدِ مَسَافَةَ النَّظَرِ اللَّطِيفِ فِي الْعِلْمِ بِغَوَامِضِ الأُمُورِ حَدَثًا مِنَ التَّعَضُّلِ مُوحِشَ الْجَوَانِبِ مِنَ الْعَدَمِ قَدْ عَفَى عَلَى حُسْنِ تَدْبِيرِهِ تَعَذُّرُ الأُمُورِ عَلَيْهِ , وَأَخْلَقَ عَقْلَهُ الإِقْتَارُ , وَكَأَنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَفُزْ مِنْهَا مَا يَسْتَنْبِطُ مُبْهَمَ مَكْنُونِهِ , وَلا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهَا عَلَيْهِ فَيَفْهَمُونَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ أَرْضُونَ تَجُولُ فِيهَا الأَبْصَارُ , وَمَنْ عَمَّرَتْ بِهِ الدُّنْيَا بِزَبْرَجِهَا أَبْهَجَ النَّاظِرَ بِالْتِفَافِ حَدَائِقِهِ , وَعَمُرَ مَرْعَاهُ مِنَ الرَّاتِعِينَ فِيهِ , فَاتَّقَى الْمُتَأَمِّلِينَ لَهُ بِعَمِيمِ نَبْتِهِ وَقَدْرِ مَجْنَى ثَمَرِهِ , وَإِذَا تَعَطَّلَ الْكَامِلُ عَنْ عُمْرَانِ الزَّمَانِ وَضَرَبَ عَزَالَى الأَيَّامِ أَفْقَرَتْ بِقَاعُ عِلْمِهِ وَأَجْدَبَ مَكَارِمَ حَدَائِقِهِ , وَإِنْ كَانَ كَرِيمَ الْمُسْتَنْبَطِ عَطِرَ الْمُسْتَثَارِ , وَإِنَّمَا قَايَسَ عُنُونَ الْهَوَامِّ بِمَا أَبَقَ مِنَ الْمَنَاظِرِ بِوَحْشَةِ الْبَلَدِ الْخَالِي مِنَ الْعِمَارَةِ وَقَالَ حَسَّانُ : رُبَّ حِلْمٍ أَزْرَى بِهِ عَدَمُ الْمَالِ وَجَهْلٌ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , لِهَانِي بْنِ تَوْبَ : يَجِيئُ النَّاسُ كُلَّ غَنِيِّ قَوْمٍ وَيُبْخَلُ بِالسَّلامِ عَلَى الْفَقِيرِ وَيُوسَعُ لِلْغَنِيِّ إِذَا رَأَوْهُ وَيُحَيَّا بِالتَّحِيَّةِ كَالأَمِيرِ أَلَيْسَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً إِذَا هَلَكَا وَصَارَا فِي الْقُبُورِ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنَ الْخِصَالِ هِيَ لِلْغَنِيِّ مَدْحٌ إِلا وَهِيَ لِلْفَقِيرِ عَيْبٌ , فَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ مِقْدَامًا يُسَمَّى شُجَاعًا , وَإِنْ كَانَ الْفَقِيرُ مِقْدَامًا سُمِّيَ أَهْوَجُ , وَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ بَلِيغًا سُمِّيَ خَطِيبًا , وَإِنْ كَانَ الْفَقِيرُ بَلِيغًا سُمِّيَ مِهْذَارًا , وَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ رَكِينًا سُمِّيَ حَلِيمًا , وَإِنْ كَانَ الْفَقِيرُ رَكِينًا سُمِّيَ ثَقِيلا وَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ صَمُوتًا سُمِّيَ زَمِيتًا وَإِنْ كَانَ الْفَقِيرُ صَمُوتًا سُمِّيَ غَبِيًّا , وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنَ الْحَاجَةِ الْمُضْطِرَّةِ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ : لَعَمْرُكَ إِنَّ الْقَبْرَ خَيْرٌ مِنَ الْفَقْرِ لِمَنْ كَانَ ذَا يُسْرٍ فَأَصْبَحَ ذَا عَسُرِ وَمَنْ لَمْ يَزَلْ يَغْذُ بِأَفْضَلِ نِعْمَةٍ مُقِيمًا وَلَمْ يَلْحَظْ بَانَ لَهُ الدَّهْرُ وَلَلْمَوتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةِ مُكْرَمٍ وَمَنْ يَسْأَلْ مُكْدِيًا أَخَافَهُ الْفَقْرُ أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ : إِذَا قَلَّ مَالُ الْعَبْدِ قَلَّ صَفَاؤُهُ وَضَاقَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ وَسَمَاؤُهُ وَأَصْبَحَ لا يَدْرِي وَإِنْ كَانَ حَازِمًا أَقُدَّامَهُ خَيْرًا أَوْ وَرَاءَهُ وَقَالَ آخَرُ : وَإِذَا قَلَّ مَالُ الْمَرْءِ قَلَّ صَدِيقُهُ وَضَاقَ بِهِ عَمَّا يُرِيدُ طَرِيقُهُ وَذَمَّ إِلَيْهِ خَدَّيْهِ طَعْمَ عُودِهِ وَقَدْ كَانَ يَسْتَحْلِيهِ حِينَ يَذُوقُهُ وَقَالَ آخَرُ : إِذَا قَلَّ مَالُ الْمَرْءِ لانَتْ قَنَاتُهُ وَهَانَ عَلَى الأَدْنَى فَكَيْفَ الأَبَاعِدُ وَصَارَ ذَلِيلا فِي الْعَشِيرَةِ وَاجْتَرَتْ عَلَيْهِ أَكُفٌّ تُزْدَرَا وَسَوَاعِدُ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |