وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيِّ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْحُبَابِ ، قَالَ : " كُنَّا مَعَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فِي غَزْوَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ ، فَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ , فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ , فَاقْتَتَلْنَا , فَسَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَنْ فَرَسِهِ , فَأَخَذْتُهُ أَسِيرًا , فَأَتَيْتُ بِهِ مَسْلَمَةَ ، فَسَاءَلَهُ هُنَاكَ ، وَكَانَ رَجُلا جَسِيمًا جَمِيلا ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِحَرَّانَ ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي الْوِفَادَةَ بِهِ إِلَيْهِ ، قَالَ : إِنَّكَ لأَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ ، فَبُعِثَ مَعِي ، فَكَلَّمْنَاهُ وَسَاءَلْنَاهُ , فَجَعَلَ لا يُكَلِّمُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَوْضِعٍ , فَقَالَ : مَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ ؟ قَالَ : فَإِذَا فَصِيحُ اللِّسَانِ ، قُلْنَا : هَذَا الْجُرَيْشُ ، وَتَلُّ مَحْرَى , فَقَالَ : ثَوَى بَيْنَ الْجُرَيْشِ وَتلِّ مَحْرَى فَوَارِسُ مِنْ نُمَارَةٍ غَيْرِ مَيْلِ فَلا جَزَعْنَ إِنْ ضَرَّاءُ نابَتْ وَلا فَرِحْنَ بِالْخَيْرِ الْقَلِيلِ قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ , فَكَلَّمْنَاهُ , وَقُلْنَا : مَنْ أَنْتَ ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا شَيْئًا , فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الرُّهَا ، قَالَ : دَعُونِي فَلأُصَلِّي فِي بَيْعَتِهَا ؟ قُلْنَا : دُونَكَ ، قَالَ : فَصَلَّى ، وَكُلُّ ذَلِكَ لا يُكَلِّمُنَا ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى حَرَّانَ ، قَالَ : أَيُّ مَدِينَةٍ هَذِهِ ؟ قُلْنَا : هَذِهِ مَدِينَةُ حَرَّانَ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ مَدِينَةٍ بُنِيَتْ بَعْدَ بَابِلَ , ثُمَّ سَكَتَ , فَأَقْبَلْنَا عَلَيْهِ , فَقُلْنَا : كَلِّمْنَا مَا حَالُكَ ؟ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنَا ، فَلَمَّا دَخَلْنَا حَرَّانَ ، قَالَ : دَعُونِي حَتَّى أَسْتَحِمَّ فِي حَمَّامِهَا فَأُصَلِّي , ثُمَّ خَرَجَ كَأَنَّهُ بِرْطِيلُ فِضَّةٍ بَيَاضًا وَعِظَمًا ، قَالَ : فَأَدْخَلْتُهُ عَلَى هِشَامٍ وَأَخْبَرْتُهُ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ ؟ وَمَا جَعَلَ يَسْأَلُنَا عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا رَجُلٌ مِنْ إِيَادٍ أَحَدِ بَنِي حُذَافَةَ , فَقَالَ : وَيْحَكَ ! أَرَاكَ رَجُلا عَرَبِيًّا , لَكَ جَمَالٌ وَفَصَاحَةٌ , فَأَسْلِمْ نَحْقِنْ دَمَكَ وَنُحْسِنْ عَطَاءَكَ ، قَالَ : إِنَّ لِي بِالرُّومِ أَوْلادًا ، قَالَ : وَنَفُكُّ وَلَدَكَ ، قَالَ : وَمَا كُنْتُ لأَرْجِعَ عَنْ دِينِي ، فَأَقْبَلَ بِهِ هِشَامٌ وَأَدْبَرَ ، فَأَبَى , فَقَالَ : دُونَكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، قَالَ : فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ " .