حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَحْمَدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ ، قَالَ : " كَانَ شَابٌّ بِالْعِرَاقِ يَتَعَبَّدُ ، فَخَرَجَ مَعَ رَفِيقٍ لَهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَكَانَ إِذَا نَزَلُوا فَهُوَ يُصَلِّي ، وَإِنْ أَكَلُوا فَهُوَ صَائِمٌ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِ رَفِيقُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ , قَالَ لَهُ : يَا أَخِي ، أَخْبِرْنِي مَا الَّذِي هِيجُكَ إِلَى مَا رَأَيْتُ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَصْرًا مِنْ قُصُورِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ , ولَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَلَمَّا تَمَّ الْبِنَاءُ إِذَا شُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَشُرْفَةٌ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَبَيْنَهُمَا حُورٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مُرْخِيَةً شَعْرَهَا ، عَلَيْهَا ثَوْبٌ مِنْ فِضَّةٍ يَنْثَنِي مَعَهَا كُلَّمَا تَثَنَّتْ ، فَقَالَتْ : يَا شَهَلوَيْهِ ، جِدَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي طَلَبِي , فَقَدْ وَاللَّهِ جَدَدْتُ فِي طَلَبِكَ ، فَهَذَا الاجْتِهَادُ الَّذِي ترَاهُ فِي طَلَبِهَا " , فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : هَذَا فِي طَلَبِ حَوْرَاءَ ، فَكَيْفَ الَّذِي يُرِيدُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا " , قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَا أَخَّرَكَ أَيُّهَا التَّعِبُ فِي طَلَبِ عَيْشٍ لا يَدُومُ بَقَاؤُهُ , وَلا يَصْفُو مِنَ الأَحْدَاثِ وَالْغير قذَاؤُهُ ، عَمَّا نَدَبَكَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ ، وَهَتَكَ لَكَ عَنْهُ حِجَابَ الْشكوكِ , لَعَلَّهُ قَعَدَ بِكَ عَنْ ذَلِكَ نَظَرُكَ فِي وَجْنَةِ مَيْتَةٍ , تَزِيدُ الأَمْرَاضُ غَضَارَةَ كَمَالِهَا ، وَتَبِترُهَا الأَحْدَاثُ شَكْلَ جَمَالِهَا ، وَيَبْلَى فِي التُّرَابِ غَصنُ جِدَّتِهَا ، وَيُعَفِّرُ الْبِلَى رَوْنَقَ صُورَتِهَا , أَفِيهَا كَلِفْتَ ، وَقَنَعْتَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا ؟ أَمْ بِدَارٍ خَلَقَتْ جِدَّةُ بَدَنِكَ فِي نَقشِ رِوَاقِهَا , وَجَهِدَتْ نَفْسُكَ وَتَعِبَتْ فِي تَزْوِيقِهَا ؟ وَسُتُورٍ تُعَفِّرُهَا الرِّيَاحُ , وَالأَيَّامُ مُوَكَّلَةٌ بِتَمْزِيقِهَا ؟ اعْتَضْتَ بِهَذَا وَلَيْسَ بِبَاقٍ لَكَ مِنْ دَارِ الْحَيَاةِ , وَمَحَلِّهِ نُفِيَتْ عَنْهَا الْمَنُونُ وَدَوَائِرُ الْغِيَرِ , وَحَجَبَهَا رَبُّكَ بِدَوَامِ النَّعِيمِ عَنِ التَّنَغُّصِ وَالْخَدَمِ , وَحَشَاهَا بِأَنْوَارِ سُرُورٍ لا يَبُورُ ، وَيْحَكَ , فَأَجِبْ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا دَعَاكَ إِلَى جِوَارِهِ , وَارْغَبْ إِلَيْهِ لِتُرَافِقَ أَوْلِيَاءَهُ فِي دَارِهِ , فِي عُرْضَةٍ حُفَّتْ بِالنَّعِيمِ , وَخُصَّ أَهْلُهَا بِالإِكْرَامِ , وَسَمَّاهَا رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ بَنَاهَا بِيَدِهِ دَارَ السَلامٍ , وَمَلأَهَا مِنْ خوَاطِرِ الْقُلُوبِ , فَظَفِرَ بِسُؤَالِ أَهْلِهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاخْتِصَاصِهَا , وَأَنْزَلَ مُنَى الشَّهَوَاتِ عَنْ أَكْنَافِ عُرَاصِهَا ، أَنْتَ دَارٌ وَافَتْ جَزَاءَ الأَبْرَارِ , الَّذِينَ خَلَعُوا لَهُ الرَّاحَةَ وَوَفَوْا بِالْمِيثَاقِ ، وَدَارٌ أَسَّسَهَا بِالذِّكْرِ إِذْ بَنَاهَا , وَرَفَعَ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ شَرَفَ ذُرَاهَا ، وَكَبسَ كُثْبَانَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ وَالْعَنْبَرِ الأَشْهَبِ فِي قِبَابِهَا , ونَجَّدَهَا بِالزَّرَابِيِّ مِنْ خِيَامِهَا , وَبَسَطَ الْعَبْقَرِيَّ فِي بَطْنِ رِحَابِهَا , وَزَيَّنَهَا بِرِفَافِ إِسْتَبْرَقِهَا , وَحُفَّ فَرْشُهَا بِالدِّيبَاجِ بِنَمَارِقِهَا , وَكَسَاهَا جِلْبَابًا مِنْ نُورِ عَرْشِهِ فَأَزْهَرَتْ وَمَا فِيهَا , فَلَوْ تُسْفِرُ الشَّمْسُ طَمَسْتَ لَيَالِيهَا وَلَوْ بَرَزَتْ هَذِهِ تَبْغِي أَنْ تُبَاهِيَهَا لانْكَدَرَتْ وَأَظْلَمَتْ فِي نُورِ عَلالِيهَا , وَصُفِّقَتْ فِي صُدُورِ تِلْكَ الْخِيَامِ أَسْرةُ مُكَلَّلَةٌ بِالْجَوْهَرِ , مُوَصَّلَةٌ بِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ , وَالْيَاقُوتِ الأَحْمَرِ , تَسِيرُ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ الْخَفِرَاتِ الأَوَانِسِ فِي أَرْاقَةِ اللُّؤْلُؤِ بَيْنَ تِلْكَ الْحُلَلِ عَلَى فُرُشِ الإِسْتَبْرَقِ وَطَرَائِفِ الْمَجَالِسِ , مَعَ اللَّوَاتِي يَكَادُ يَنْحَسِرُ عَنْ مَاءِ وِجَانِهِنَّ نَوَاظِرُ الْعُيُونِ , وَيَدُلُّهُ الْفِكْرُ دُونَ الظَّفَرُ بِصِفَةِ وِلْدَانِ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ , فَكَيْفَ بِالْبَيْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ فِي قِبَابِهَا , وَالْقَاصِرَةِ الطَّرْفِ الْمَحْبُوسَةِ فِي خِبَائِهَا , وَالآنِسَةِ الْمَلِكَةِ فِي قَصْرِهَا ؟ فَأَيْنَ مُشْتَاقٌ إِلَى نُزُولِ دَارِهَا , فَيَبْذُلَ الْجَهْدَ لِيَسْكُنَ الْجَنَّةَ مَعَ حُورِهَا ، وَيَنْعَمُ فِي غُرُفَاتِهَا وَمَنَازِلِ فِي مَقَاصِيرِهَا ، وَتَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ بِالْبِشَارَةِ مِنْ رَبِّهِ حِينَ يَفِدُ عَلَيْهَا ، وَتَبْدُرُهُ إِلَى زَوْجَتِهِ لِيَسُرَّهَا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا ، فَيُلْبِسْنَهَا الْوَصَائِفُ حُلَلًا حسب مِنْ أَكْمَامِ شَجَرِهَا ، وَيُحَلِّينَهَا بِمَرَاسِلَ مِنْ نَفِيسِ جَوْهَرِهَا فِي سُلُوكِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطِبِ ، يَسْطَعُ نُورُهُ فِي نَحْرِهَا وَيُشْرِقُ ، يَتَلَأْلَأُ لِحُسْنِ جِيدِهَا ، وَيَنْظِمُ الْيَاقُوتَ مَعَ فَاخِرِ زَبَرْجَدِهَا ، وَيُسْبِلُ سُتُورَ الدُّرِّ عَلَى ضَوْءِ خَدِّهَا ، وَالْوِشَاحُ قَدْ أُرْسِلَ عَلَى لِينِ صَدْرِهَا ، وَعَيْنُهَا تُبَارِي صَفَاءَ حُسْنِ دُرِّهَا ، وَكَأَنَّمَا النُّورُ أُسْكِنَ بَيْنَ مَفَارِقِ شَعْرِهَا ، إِذَا خَطَتْ خِلْتَ الْمِسْكَ يَفُورُ مِنْ أَذْيَالِهَا ، وَالْعَنْبَرَ الْأَشْهَبَ كَمُنَ بَيْنَ حُلَلِهَا ، فَمَنْ يَصِفُهَا مُلْتَحِفَةً فَوْقَ أَكَالِيلِهَا ، إِذَا اعْتَجَزَتْ بِالْأَرْدِيَةِ ، وَرِبَاطِ نُورِهَا ، وَرَفَلَتْ بَيْنَهُنَّ لِتَرْقَى عَلَى سَرِيرِهَا تَتَهَادَى , وَتَتَثَنَّى , وَتَسْحَبُ أَطْرَافَ ذَوَائِبِهَا ، وَتَمِيلُ وَتَرْنَحُ بَيْنَ كِرَامِ وُصَائِفِهَا ، وَتَصْعَدُ إِلَى الْمَحْبُورِ فَوْقَ سَرِيرِ مُلْكِهَا ، فَتُعَانِقُهُ ، وَيُعَانِقُهَا عُمْرَ الدُّنْيَا ، لَا يَمَلُّهَا كَلَّا وَرَبِّي ، بَلْ يَزْدَادُ عَجَبًا لَهَا ، كُلَّ مَا أَطَالَ اعْتِنَاقَهُ بِهَا ، لِأَنَّهَا تُضَاعَفُ حُسْنًا فِي عَيْنِهِ وَيُضَاعَفُ حُسْنًا فِي عَيْنِهَا ، فَكَيْفَ إِذَا نَازَعَهَا كَأْسَ مَعِينٍ عَلَى أَنْهَارِهَا ، وَحَيَّتْهُ بِضَبَائِرِ رَيْحَانٍ مُضَخَّمَةٍ بَعَنْبَرِهَا ، وَأَتَاهُ رَسُولٌ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتُحْفَةٍ فحي بِهَا ضَجِيعَة وَهَمَّ بِشَهْوَةٍ ، فَصَارَتْ فِي فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا ، وَأَحَبَّ أُخْرَى ، فَتَحَوَّلَتْ تِلْكَ عَلَى طَعْمِهَا ، وَخَطَرَتْ ثَالِثَةٌ فَوَجَدَ بَيْنَهُمَا لَذَّتَهَا ، فَلَمْ يَزَلْ طَعْمُ وَاحِدَةٍ مِنْ لَهْوَاتِهِ مِنْهُنَّ عَلَى حَالِهَا ، وَالْتَفَتَ إِلَى الرَّضِيَّةِ فَقَلَّبَ بِكَفِّهِ حُسْنَ كَفِّهَا ، وَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فِي ضَوْءِ سَوَالِفِهَا ، وَهَمَّ بِكُسْوَةٍ فَتَلَفَّتَتْ أَكْمَامُ شَجَرَةٍ دَانِيَةٍ عَلَيْهَا ، وَتَطَايَرَتْ مِنْهَا الْحُلَلُ فَتَهْوِي إِلَيْهِمَا ، وَقَدْ حَازَ نَاظِرُهُ جَمِيعَ أَلْوَانِ كِسَائِهَا ، مَزِيَّةَ لَوْنِ الْأَلْوَانِ الَّتِي تَلِيهَا ، وَطَيُّ تِلْكَ الْأَعْكَانِ تُزَيِّنُ مَا عَلَيْهَا ، وَضَوْءُ النُّورِ يَتَلَأْلَأُ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنِهَا ، وَيَحْسَبُ النُّورَ يَجِيءُ إِذَا اتَّكَأَتْ فِي صَدْرِ بَهْوِهَا ، ولجة نكنا هُنَاكَ مِنْ مَاءِ وَجْهِهَا , فَيَا مَغْرُورٌ يَلْهُو وَلَا يَرْغَبُ فِيهَا ، وَيَغْفَلُهَا جَهْلًا وَلَا يُطِيعُ رَبَّهَا ، لَوْ كَانَ لِي عَزْمٌ لَذُبْتُ خَوْفًا وَحَرَقًا ، وَلَطَارَ قَلْبِي إِلَى الْجَنَّةِ تَشَوُّقًا ، وَلَكِنِّي حَلِيفٌ ، أَمَا فِي عَزْمِي غُرُورٌ ، عَمِيت عَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْمُتَّقُونَ ، الَّذِينَ أَخْلَصُوا اللَّهَ تَعَالَى عَزْمَ نِيَّاتِهِمْ ، وَصَدَقُوا فِي مَجْهُودِ طَاعَتِهِمْ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالْإِخْلَاصِ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَنَاطُوا التَّعَبَ بِالدَّأْبِ فِي صِيَامِهِمْ ، وَأَوْصَلُوا لَهِيبَ الْجُوعِ إِلَى أَجْوَافِهِمْ ، مَعَ خَشِنٍ قَاسَوْهُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ ، وَحَمَوْا أَنْفُسَهُمْ عَنِ التَّمَتُّعِ بِمَا أُحِلَّ لَهُمْ ، وَيَمَّمُوا إِلَى خُلْدِ دَارِ نَظَرُوا إِلَى سُرُورِهَا بِأَبْصَارِ اعْتِبَارِهِمْ ، فَسَلَّمُوا جُفُونَ أَعْيُنِهِمْ عَلَى نَوَاظِرِ الْعُيُونِ ، وَقَدْ كَحَّلُوهَا بِمَضِيضِ السَّهَرِ ، وَسَلَوْا عَنِ الْغَمْضِ بِطُولِ الْفِكْرِ فِيمَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْأَهْوَالِ الْعِظَامِ , وَالْأَخْطَارِ الْجِسَامِ ، فَاسْتَكَنَّتْ كَنَائِزُ الْفِكْرِ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَكَادَتْ تَتَفَطَّرُ عِنْدَمَا ازْدَحَمَ عَلَيْهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْوَعِيدِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |