حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ ، عَنْ مِلْحَانِ بْنِ عَرَكِيِّ بْنِ حَلْبَسٍ الطَّائِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، وَكَانَ أَخَا عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لأُمِّهِ , قَالَ : قِيلَ لِلنَّوَارِ امْرَأَةِ حَاتِمٍ : حَدِّثِينَا عَنْ حَاتِمٍ ، قَالَتْ : " كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا ، أَصَابَتْنَا سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَاقْشَعَرَّتْ لَهَا الأَرْضُ وَاغْبَرَّتْ لَهَا السَّمَاءُ ، وَخَنَتِ الْمَرَاضِعُ عَلَى أَوْلادِهَا ، وَرَاحَتِ الإِبِلُ جَدْبَاءَ حَدَابِيرَ مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ ، وَجَلَفَ الْمَالُ ، فَإِنَّا فِي لَيْلَةِ صَنْبَرَةٍ ، بَعِيدَةٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إِذْ تَضَاغَىَ الأَصْبِيَةُ بِي مِنَ الْجُوعِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَعَدِيُّ وَسُفَانَةُ ، فَوَاللَّهِ إِنْ وَجَدْنَا شَيْئًا نُعَلِّلُهُمْ بِهِ ، فَقَامَ إِلَى أَحَدِ الصَّبِيَّيْنِ فَحَمَلَهُ ، وَقُمْتُ إِلَى الصِّبْيَةِ فَعَلَّلْتُهَا ، فَوَاللَّهِ إِنْ سَكَتَا إِلا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ عُدْنَا إِلَى الصَّبِيِّ الآخَرِ فَعَلَّلْنَاهُ حَتَّى سَكَتَ وَمَا كَادَ ، ثُمَّ افْتَرَشْنَا قَطِيفَةً لَنَا شَامِيَّةً ذَاتَ خَمْلٍ ، فَأَضْجَعْنَا الصِّبْيَانَ عَلَيْهَا ، وَنِمْتُ أَنَا وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ ، وَالصِّبْيَانُ بَيْنَنَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ يُعَلِّلُنِي لأَنَامَ ، وَعَرَفْتُ مَا يُرِيدُ ، فَتَنَاوَمْتُ لَهُ ، فَقَالَ : " مَا لَكِ ؟ أَنِمْتِ ؟ " فَسَكَتُّ ، فَقَالَ : " مَا أُرَاهَا إِلا قَدْ نَامَتْ ، وَمَا بِي مِنْ نَوْمٍ " ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ ، وَتَهَوَّرَتِ النُّجُومُ ، وَهَدَأَتِ الأَصْوَاتُ ، وَسَكَنَتِ الرِّجْلُ ، إِذْ جَانِبُ الْبَيْتِ قَدْ رُفِعَ ، فَقَالَ : " مَنْ هَذَا ؟ " فَوَلَّى حَتَّى إِذَا قُلْتُ : قَدْ أَسْحَرْنَا أَوْ كِدْنَا عَادَ ، فَقَالَ : " مَنْ هَذَا ؟ " قَالَتْ : جَارَتُكَ فُلانَةُ يَا أَبَا عَدِيٍّ ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى أَحَدٍ مِعْوَلا غَيْرَكَ ، أَتَيْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَصْبِيَةٍ يَتَعَاوَوْنَ عُوَاءَ الذَّئْبِ مِنَ الْجُوعِ ، قَالَ : " أَعْجِلِيهِمْ عَلَيَّ " ، قَالَتِ النَّوَارُ : فَوَثَبْتُ فَقُلْتُ : مَاذَا صَنَعْتَ ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَضَاغَا أَصْبِيَتُكَ فَمَا وَجَدْتَ مَا تُعَلِّلُهُمْ بِهِ ، فَكَيْفَ بِهَذِهِ وَبِوَلَدِهَا ؟ فَقَالَ : " اسْكُتِي ، فَوَاللَّهِ لأُشْبِعَنَّكِ وَإِيَّاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ، فَأَقْبَلَتْ تَحْمِلُ اثْنَيْنِ وَيَمْشِي جَنْبَتَيْهَا أَرْبَعَةٌ ، كَأَنَّمَا نَعَامَةٌ حَوْلَهَا رِئَالُهَا ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ فَوَجَأَ بِحَرْبَتِهِ فِي لَبَّتِهِ ، ثُمَّ قَدَحَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى نَارَهُ ، ثُمَّ جَاءَ بِمُدْيَةٍ فَكَشَطَ عَنْ جِلْدِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُدْيَةَ إِلَى الْمَرْأَةِ ، فَقَالَ : " دُونَكِ " ، ثُمَّ قَالَ : " دُونَكُمْ " ، ثُمَّ قَالَ : " ابْعَثِي صِبْيَانَكِ " ، فَبَعَثَتْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : " سُوءَةٌ ، تَأْكُلُونَ شَيْئًا دُونَ أَهْلِ الصِّرْمِ " ، فَجَعَلَ يَطُوفُ فِيهِمْ حَتَّى هَبُّوا ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَالْتَفَعَ بَيْتُهُ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ نَاحِيَةً يَنْظُرُ إِلَيْنَا ، لا وَاللَّهِ مَا ذَاقَ مُزْعَةً وَإِنَّهُ لأَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ ، وَأَصْبَحْنَا وَمَا عَلَى الأَرْضِ مِنْهُ ، إِلا عَظْمٌ أَوْ حَافِرٌ , قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : الصِّرْمُ الأَبْيَاتُ الْعَشْرُ أَوْ نَحْوُهَا يُنْزِلُونَ فِي جَانِبٍ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |