حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيَّ ، يَذْكُرُ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ تَنَسَّكَ ، ثُمَّ مَالَ إِلَى الدُّنْيَا وَالسُّلْطَانِ ، فَبَنَى دَارًا وَشَيَّدَهَا ، وَأَمَرَ بِهَا فَفُرِشَتْ لَهُ ، وَاتَّخَذَ مَائِدَةً ، وَوَضَعَ طَعَامًا ، وَدَعَا النَّاسَ ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ ، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ ، وَيَنْظُرُونَ إِلَى بُنْايَانِهِ ، فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَدْعُونَ لَهُ وَيَتَفَرَّقُونَ ، قَالَ : فَمَكَثَ بِذَلِكَ أَيَّامًا ، حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ ، ثُمَّ حَبَسَ نَفَرًا مِنْ خَاصَّةِ إِخْوَانِهِ ، فَقَالَ : قَدْ تَرَوْنَ سُرُورِي بِدَارِي هَذِهِ ، وَقَدْ حَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنْ أَتَّخِذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِي مِثْلَهَا ، فَأَقِيمُوا عِنْدِي أَيَّامًا أَسْتَمْتِعْ بِحَدِيثِكُمْ ، وَأُشَاوِرْكُمْ فِيمَا أُرِيدُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ لِوَلَدِي ، فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَيَّامًا يَلْهُونَ وَيَلْعَبُونَ ، وَيُشَاوِرُهُمْ كَيْفَ يَبْنِي لِوَلَدِهِ وَكَيْفَ يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ ، قَالَ : فَبَيْنَا هُمْ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي لَهْوِهِمْ ، إِذْ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ مِنْ أَقْصَى الدَّارِ : يَا أَيُّهَا الْبَانِي النَّاسِي مَنِيَّتَهُ لَا تَأْمَنَنَّ فَإِنَّ الْمَوْتَ مَكْتُوبُ عَلَى الْخَلَائِقِ إِنْ سُرُّوا وَإِنْ فَرِحُوا فَالْمَوْتُ حَتْفٌ لَدَى الْآمَالِ مَنْصُوبُ لَا تَبْنِيَنَّ دِيَارًا لَسْتَ تَسْكُنُهَا وَرَاجِعْ لِنَفْسِكَ فِيمَا يُغْفَرُ الْحُوبُ قَالَ : فَفَزِعَ لِذَلِكَ ، وَفَزِعَ أَصْحَابُهُ فَزَعًا شَدِيدًا ، وَرَاعَهُمْ مَا سَمِعُوا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ تَجِدُونَ مَا أَجِدُ ؟ قَالُوا : وَمَا تَجِدُ ؟ قَالَ : أَجِدُ وَاللَّهِ مَسْكَةً عَلَى فُؤَادِي ، وَمَا أَرَاهَا إِلَّا عِلَّةَ الْمَوْتِ ، قَالُوا : كَلَّا . . . الْبَقَاءَ وَالْعَافِيَةَ ، قَالَ : فَبَكَى ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : " أَنْتُمْ أَخِلَائِي وَإِخْوَانِي ، فَمَاذَا لِي عِنْدَكُمْ ؟ " ، قَالُوا : مُرْنَا بِمَا أَحْبَبْتَ مِنْ أَمْرِكَ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِالشَّرَابِ فَأُهْرِيقَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْمَلَاهِي فَأُخْرِجَتْ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ عِبَادِكَ ، أَنِّي تَائِبٌ إِلَيْكَ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِي ، وَنَادِمٌ عَلَى مَا فَرَّطْتُ أَيَّامَ مُهْلَتِي ، فَإِيَّاكَ أَسْأَلُ إِنْ أَفْلَتَّنِي أَنْ تُتِمَّ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ بِالْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَتِكَ ، وَإِنْ أَنْتَ قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِيَ تَفَضُّلًا مِنْكَ عَلَيَّ ، قَالَ : وَاشْتَدَّ بِهِ الْأَمْرُ ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ : الْمَوْتُ ، الْمَوْتُ وَاللَّهِ ، الْمَوْتُ وَاللَّهِ ، حَتَّى خَرَجَتْ نَفْسُهُ " . فَكَانَ الْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ أَنَّهُ قُبِضَ عَلَى تَوْبَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .