حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ ، قَالَ : " مَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَاتَ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ ، يَعْنِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ " . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَأَمَّا مَا يَهِيجُ مِنَ الْحَيَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ دَوَامِ النِّعَمِ ، وَكَثْرَةِ الإِحْسَانِ ، وَتَضْيِيعِ الشُّكْرِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْفِطَرِ أَنَّ مَنْ دَامَ إِحْسَانُهُ إِلَيْكَ ، وَكَثُرَتْ أَيَادِيهِ عِنْدَكَ ، وَقَلَّتْ مُكَافَأَتُكَ لَهُ ، غَضَضْتَ طَرْفَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ حَيَاءً مِنْهُ ، فَكَيْفَ بِمَنْ خَلَقَكَ ، وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ، وَلَمْ يَزَلْ مُحْسِنًا إِلَيْكَ مُنْذُ خَلَقَكَ يَتَبَغَّضُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ ، وَيَتَهَتَّكُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَهُوَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ لا ذَنْبَ لَهُ ، لَمْ يَتَهَاوَنْ بِنَظَرِهِ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ دَائِمَةٌ ، وَإِحْسَانُهُ إِلَيْهِ مُتَوَاصِلٌ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ تَضْيِيعِ الشُّكْرِ ، بَلْ مَا رَضَى بِالتَّقْصِيرِ عَنِ الشُّكْرِ ، حَتَّى نَالَ مَعَاصِيَ رَبِّهِ بِنِعَمِهِ ، وَاسْتَعَانَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ بِأَيَادِيهِ ، فَإِذَا ذَكَرَ الْمُسْتَحِي دَوَامَ النِّعَمِ ، وَتَضْيِيعَ الشُّكْرِ ، وَكَثْرَةَ الإِسَاءَةِ مَعَ فَقْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ ، هَاجَ مِنْهُ الْحَيَاءَ ، وَالْحَصْرَ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى كَادَ أَنْ يَذُوبَ حَيَاءً مِنْهُ ، فَإِذَا هَاجَ ذَلِكَ مِنْهُ ، اسْتَعْظَمَ كُلَّ نِعْمَةٍ ، وَإِنْ صَغُرَتْ ، إِذْ عَرَفَ تَضْيِيعَهُ لِلشُّكْرِ ، فَيَسْتَكْثِرُ وَيَسْتَعْظِمُ أَقَلَّ النِّعَمِ لَهُ ، إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُزَالَ عَنْهُ النِّعَمُ ، فَكَيْفَ بِأَنْ يُدَامَ عَلَيْهِ ، وَيَزْدَادَ فِيهَا ، لأَنَّ مَنْ أَسَأْتَ إِلَيْهِ ، فَعَلِمْتَ أَنَّكَ قَدِ اسْتَأْهَلْتَ مِنْهُ الْغَضَبَ ، فَأَلْطَفَكَ لِكَلِمَةٍ اسْتَكْثَرْتَهَا ، لِعِلْمِكَ بِمَا قَدِ اسْتَوْجَبْتَ مِنْهُ مِنَ الْغَضَبِ ، وَالْعُقُوبَةِ ، فَإِنْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى دَوَامَ النِّعَمِ ، وَالزِّيَادَةِ فِيهَا سَأَلَهُ بِحَيَاءٍ وَانْكِسَارِ قَلْبٍ ، لَوْلا مَعْرِفَتُهُ بِجُودِهِ ، وَكَرَمِهِ ، وَتَفَضُّلِهِ مَا سَأَلَهُ ، فَيَكَادُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنِ الدُّعَاءِ ، حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ يَذْكُرُ تَفَضُّلَهُ ، وَجُودَهُ ، وَكَرَمَهُ ، فَيَدْعُوهُ بِقَلْبٍ مُنْكَسِرٍ مِنَ الْحَيَاءِ ، خَوْفًا أَنْ لا يُجَابَ . وَيَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى الشُّكْرِ لَمَّا لَزِمَ قَلْبَهُ الْحَيَاءُ مِنْ تَضْيِيعِ الشُّكْرِ ، فَإِذَا لَزِمَتْ هَذِهِ الذُّكُورُ قَلْبَهُ ، وَأَهْجَنَ الْحَيَاءُ مِنْهُ ، فَاسْتَعْمَلَهُنَّ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَقِيقَةِ الْحَيَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لا غَايَةَ لِحَقِيقَةِ الْحَيَاءِ ، إِذِ الْمُسْتَحْيَى مِنْهُ لا غَايَةَ لِعَظَمَتِهِ عِنْدَ الْمُسْتَحْيِي مِنْهُ أَلا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " ، قَالُوا : إِنَّا لَنَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ ذَاكَ " . فَدَلَّ أَنَّ لِلْحَيَاءِ حَقِيقَةً فَوْقَ مَا أُوتُوا مِنَ الْحَيَاءِ ، فَقَالَ : لَيْسَ ذَاكَ حَقُّ الْحَيَاءِ ، وَلَكِنَّهُ حَيَاءٌ دُونَ الْحَقِيقَةِ ، ثُمَّ قَالَ : " وَلَكِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقُّ الْحَيَاءِ أَنْ لا تَنْسُوا الْمَقَابِرَ ، وَالْبِلَى " ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيَاءَ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ يَسْتَحِيَ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرَاهُ نَاسِيًا لِلْمَقَابِرِ وَالْبِلَى ، فَإِذَا اسْتَحْيَى مِنْ ذَلِكَ دَامَ مِنْهُ الذِّكْرُ لِلْمَقَابِرِ وَالْبِلَى ، لا يَنْسَى ذَلِكَ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ : " وَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى " ، يَعْنِي مَا احْتَوَى عَلَيْهِ الرَّأْسُ مِنْ سَمْعٍ ، وَبَصَرٍ ، وَلِسَانٍ " وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى " ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ : الْجَوْفُ وَمَا وَعَى ، وَذَلِكَ يَجْمَعُ كُلَّ مَا أَضْمَرَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ ، وَكُلَّ مَا دَخَلَ جَوْفَهُ فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْخَيْرُ كُلُّهُ مِنَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَأَمَّا الْحَيَاءُ مِنَ النَّاسِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |