تفسير

رقم الحديث : 19

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثنا عَمِّي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : ثنا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : " كَانَ لِدَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِحْرَابٌ يَتَوَحَّدُ فِيهِ لِتِلاوَةِ الزَّبُورِ ، وَلِصَلاتِهِ إِذَا صَلَّى ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْطِي اللَّهُ فِيمَا يَذْكُرُونَ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا مِثْلَ صَوْتِهِ ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ فِيمَا يَذْكُرُونَ تَرَايَا لَهُ الْوَحْشُ حَتَّى يُؤْخَذَ بِأَعْنَاقِهَا ، وَأَنَّهَا لَمُصْغِيَةٌ تَسْتَمِعُ صَوْتَهُ ، وَمَا صَنَعَتِ الشَّيَاطِينُ الْمَزَامِيرَ وَالْبَرَابِطَ وَالصُّنُوجَ إِلا عَلَى أَصْنَافِ صَوْتِهِ ، وَكَانَ أَسْفَلَ مِنْهُ جُنَيْنَةٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَانَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَصَابَ دَاوُدُ فِيهَا مَا أَصَابَ ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ دَاوُدَ حِينَ دَخَلَ مِحْرَابَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، قَالَ : لا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدٌ حَتَّى اللَّيْلِ ، فَلا يَشْغَلُنِي شَيْءٌ خَلَوْتُ لَهُ حَتَّى أُمْسِيَ ، فَدَخَلَ مِحْرَابَهُ وَنَشَرَ زَبُورَهُ يَقْرَأُ ، وَفِي الْمِحْرَابِ كُوَّةٌ تُطْلِعُهُ عَلَى تِلْكَ الْجُنَيْنَةِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ زَبُورَهُ ، إِذْ أَقْبَلَتْ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْكُوَّةِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَآهَا ، فَأَعْجَبَتْهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَ : لا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَمَّا دَخَلَ لَهُ ، فَنَكَّسَ رَأْسَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى زَبُورِهِ ، فَتَصَوَّبَتِ الْحَمَامَةُ لِلْبَلاءِ وَالاخْتِبَارِ مِنَ الْكُوَّةِ ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ ، فَاسْتَأْخَرَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ ، فَأَتْبَعَهَا بِبَصَرِهِ أَيْنَ تَقَعُ ، فَنَهَضَ إِلَى الْكُوَّةِ لِتَنَاوُلِهَا مِنَ الْكُوَّةِ ، فَتَصَوَّبَتْ إِلَى الْجُنَيْنَةِ ، فَأَتْبَعَهَا بَصَرَهُ أَيْنَ يَقَعُ ، فَإِذَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ تَغْتَسِلُ بِهَيْئَةٍ ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ وَالْخَلْقِ ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُ نَقَضَتْ رَأْسَهَا فَوَارَتْ بِهِ جَسَدَهَا مِنْهُ ، فَاخْتَطَفَتْ قَلْبَهُ ، فَرَجَعَ إِلَى زَبُورِهِ وَمَجْلِسِهِ وَهِيَ مِنْ شَأْنِهِ لا يُفَارِقُ قَلْبَهُ ذِكْرُهَا ، وَتَمَادَى بِهِ الْبَلاءُ حَتَّى أَغْزَى زَوْجَهَا أُورَيَا ، ثُمَّ أَمَرَ صَاحِبَ جَيْشِهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَى الْمَهَالِكِ ، حَتَّى أَصَابَهُ مَا أَرَادَ بِهِ مِنَ الْهَلاكِ ، وَلِدَاوُدَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً ، فَلَمَّا أُصِيبَ صَاحِبُهَا خَطَبَهَا دَاوُدُ ، فَنَكَحَهَا ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ مَلَكَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ ، مِثْلا ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ ، فَلَمْ يُرَعْ بِهِمَا إِلا وَاقِفَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ فِي مِحْرَابِهِ ، فَقَالَ : مَا أَدْخَلَكُمَا عَلَيَّ ؟ فَقَالا : لا تَخَفْ ، لَمْ نَدْخُلْ لِبَأْسٍ وَلا لِرِيبَةٍ ، خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ، فَجِئْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا ، فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ ، وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ، فَقَالَ : تَكَلَّمَا ، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي يُكَلِّمُ عَنْ أُورَيَا زَوْجِ الْمَرْأَةِ : إِنَّ هَذَا أَخِي عَلَى دِينِي ، لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ، وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ : أَكْفِلْنِيهَا أَيِ احْمِلْنِي عَلَيْهَا ، ثُمَّ عَزَّنِي فِي الْخَطَّابِ ، أَيْ : قَهَرَنِي فِي الْخَطَّابِ ، وَكَانَ أَقْوَى مِنِّي وَأَعَزَّ ، فَحَازَ نَعْجَتِي إِلَى نِعَاجِهِ ، وَتَرَكَنِي لا شَيْءَ لِي ، فَنَظَرَ دَاوُدُ إِلَى خَصْمِهِ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ ، فَقَالَ : لَئِنْ كَانَ صَدَقَنِي لأَفْعَلَنَّ بِكَ ، ثُمَّ ارْعَوَى دَاوُدُ ، فَعَرَفَ أَنَّهُ الَّذِي يُرَادُ بِمَا صَنَعَ فِي امْرَأَةِ أُورَيَا ، فَوَقَعَ سَاجِدًا تَائِبًا مُنِيبًا بَاكِيًا ، فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، مَا يَأْكُلُ وَمَا يَشْرَبُ ، حَتَّى أَنْبَتَتْ دَمْعُهُ الْخُضَرَ تَحْتَ وَجْهِهِ ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ مِنْهُ ، فَيَزْعُمُونَ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَبِّ ، هَذَا غَفَرْتَ لِي مَا جَنَيْتُ فِي شَأْنِ الْمَرْأَةِ ، فَكَيْفَ بِدَمِ الْقَتِيلِ الْمَظْلُومِ ؟ فَقِيلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ : يَا دَاوُدُ ، أَمَا إِنَّ رَبَّكَ لَنْ يَظْلِمَهُ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ سَيَسْأَلَهُ إِيَّاهُ فَيُعْطِيَهُ ، فَيَضَعَهُ عَنْكَ ، فَلَمَّا فُرِّجَ عَنْ دَاوُدَ مَا كَانَ فِيهِ ، وَشَمَ خَطِيئتَهُ فِي كَفِّهِ الْيُمْنَى فِي بَاطِنِ رَاحَتِهِ ، فَمَا رَفَعَ إِلَى فِيهِ طَعَامًا وَلا شَرَابًا ، إِلا بَكَى إِذَا رَآهَا ، وَمَا قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ قَطُّ ، إِلا نَشَرَ كَفَّهُ ، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ لِيَرَوْا وَشْمَ خَطِيئَتِهِ فِي يَدِهِ " .

الرواه :

الأسم الرتبة