وَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ ، قَالَ : وَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَا إِذْلالُهُ لِنَفْسِهِ ؟ قَالَ : " يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ مَا لا يُطِيقُ " ، قُلْتُ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ! يَزِيدُ الضَّبِّيُّ ، وَمَقَامُهُ وَكَلامُهُ ، فَقَالَ الْحَسَنُ : " إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ ، حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ ، فَقُمْتُ مِنْ مَجْلِسِي فَأَتَيْتُ يَزِيدَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ : إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ آنِفًا ، فَذَكَرْتُكَ لَهُ ، فَقَالَ الْحَسَنُ : فَقُلْتُ : نَعَمْ ، حَتَّى نَصَبْتُكَ لَهُ نَصْبًا ، قَالَ : فَمَا قَالَ ؟ قُلْتُ : قَالَ : أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ ، فَقَالَ يَزِيدُ : مَا نَدِمْتُ عَلَى مَقَالَتِي ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ قُمْتُ مَقَامَاتٍ خَاطَرْتُ فِيهِ بِنَفْسِي ، وَمَا لَقِيتُ مِنْ إِخْوَانِي أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ مَقَامِي عِنْدِي ، إِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالُوا : مُرَاءٍ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : إِنِّي مَجْنُونٌ ثُمَّ حَدَّثَ يَزِيدُ ، فَقَالَ : أَتَيْتُ الْحَسَنَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ! قَدْ غُلِبْنَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَعَلَى صَلاتِنَا تُغْلَبُ ؟ ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ! إِنَّكَ لَنْ تُضَيِّعَ شَيْئًا ، إِنَّمَا تُعَرِّضُ نَفْسَكَ لَهُمْ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقُمْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ يَخْطُبُ النَّاسَ ، وَكَانَ خَتَنَ الْحَجَّاجِ وَابْنَ عَمِّهِ ، فَقُلْتُ : الصَّلاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، الصَّلاةَ ، فَمَا عَدَا أَنْ تَكَلَّمْتُ ، جَاءُونِي يَعْدُونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ، حَتَّى أَخَذُوا بِلِحْيَتِي ، وَرَأْسِي ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ وَجْهِي ، وَصَدْرِي ، وَسَكَتَ الْحَكَمُ ، وَجَاءُونِي ، وَفُتِحَ بَابُ الْمَقْصُورَةِ ، وَدَخَلْتُ وَقَدْ ضُرِبْتُ حَتَّى أَقَامُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ لِيَ الْحَكَمُ : أَمَجْنُونٌ أَنْتَ ؟ ! قُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ ، مَا بِي جُنُونٌ ، قَالَ : أَمَا كُنَّا فِي صَلاةٍ ؟ قُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ ، أَلَيْسَ أَفْضَلُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا صَلَّى الْغَدَاةَ ، ثُمَّ نَشَرَ مُصْحَفًا ، فَقَرَأَ حَتَّى يُمْسِي ، لا يُصَلِّي بَيْنَ ذَلِكَ أَكَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا عَنْهُ ؟ فَقَالَ الْحَكَمُ : وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسَبُكَ مَجْنُونًا ، قَالَ : وَأَنَسٌ ، وَاللَّهِ لَجَنْبُ الْمِنْبَرِ جَالِسٌ عَلَى ذَقْتِهِ خِرْفَةٌ فَنَادَيْتُ ، يَا أَنَسُ : يَا أَبَا حَمْزَةَ ! أُذَكِّرُكَ اللَّهَ ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، وَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَبِحَقٍّ قُلْتُ ، أَمْ بِبَاطِلٍ ، أَبِمَعْرُوفٍ قُلْتُ ، أَمْ بِمُنْكَرٍ ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَجَابَنِي بِكَلِمَةٍ ، قَالَ : يَقُولُ الْحَكَمُ : يَا أَنَسُ قَالَ : لَبَّيْكَ ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ ذَهَبَ مِيقَاتُ الصَّلاةِ ، قَالَ : يَقُولُ أَنَسٌ : قَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ ، فَقَالَ : احْبِسَاهُ ، وَذُهِبَ بِي إِلَى السِّجْنِ ، وَجَاءَ إِخْوَانِي وَالنَّاسُ ، فَشَهِدُوا أَنِّي مَجْنُونٌ ، فَكَتَبَ فِيَّ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي ضَبَّةَ قَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَتَكَلَّمَ ، وَقَدْ شَهِدَتْ عِنْدِي الشُّهُودُ الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْحَكَمِ إِنْ كَانَتْ شَهِدَتْ عِنْدَكَ الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ ، فَخَلِّ سَبِيلَهُ ، وَإِلا فَاقْطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَاصْلُبْهُ ، فَتُرِكْتُ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ مَاتَ أَخٌ لَنَا فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فَلا وَاللَّهِ مَا شَعَرَ إِلا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ ، وَإِذَا الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ قَدِ اطَّلَعَ فِي الْخَيْلِ ، فَلَمَّا رَأَوْا سَوَادَنَا تَوَجَّهُوا نَحْوَنَا ، فَهَرَبَ كُلُّهُمْ ، وَتُرِكْتُ وَحْدِي ، وَجَاءَ الأَمِيرُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ : أَخُونَا هَذَا مَاتَ فَدَفَنَّاهُ ، ثُمَّ قَعَدْنَا ، نَذْكُرُ مَعَادَنَا ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا ، وَنَذْكُرُ مَا صَارَ إِلَيْهِ أَخُونَا ، فَقَالَ : أَلا فَرَرْتَ ؟ كَمَا فَرُّوا ، قُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ ! مَا يَفِرُّ بِي ، أَنَا أَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ ، وَآمَنُ لِلأَمِيرِ مِنْ ذَاكَ ، قَالَ : فَمَا رَأَيْتُهُ عَرَفَنِي ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَرْبَةِ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ ، أَتَدْرِي مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا الْمُتَكَلِّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، قَالَ : وَالآنَ تَعُودَ تَعْرِضُ لِي ، إِنَّمَا عَلَيَّ يَجْتَرِئُ خُذَاهُ فَأُخِذْتُ ، فَضَرَبَنِي أَرْبَعَ مِائَةٍ ، حَتَّى مَا أَدْرِي مَتَى رَفَعَنِي ، وَلا مَتَى ضَرَبَنِي ، وَهُوَ وَاقِفٌ ، ثُمَّ بَعَثَ بِي إِلَى الْحَجَّاجِ ، فَبَعَثَنِي إِلَى الْحَبْسِ فَمَا زِلْتُ فِي الْحَبْسِ حَتَّى مَاتَ الْحَجَّاجُ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |