فَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا النَّضْرُ ، عَنِ الأَشْعَثَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : " إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ صَلاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا ، فَإِنَّهُ لا يَقْضِيَهَا " . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَقَوْلُ الْحَسَنِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِ الصَّلاةِ مُتَعَمِّدًا ، فَذَلِكَ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ ، لأَنَّ الْكَافِرَ لا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كُفْرِهِ ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِهَا ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلاةِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، فَإِذَا تَرَكَهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْمَعْصِيَةُ ، لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ فِي الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ ، فَإِذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ ، فَلا يَنْفَعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي النَّظَرِ لَوْلا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى خِلافِهِ . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا ، قَالَ فِي النَّاسِي لِلصَّلاةِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا وَفَى النَّائِمِ أَيْضًا : إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ ، أَوْ نَسِيَهَا ، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ ، أَوْ ذَكَرَ " ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ ، فَقَضَاهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ ، قَضَاؤُهَا أَيْضًا ، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا ، وَبَطُلَ حَظُّ النَّظَرِ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَأَمَّا اقْتِيَاسُهُمْ تَرْكَ الصَّلاةِ ، عَلَى تَرْكِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا الدَّلِيلَ عَلَى تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلاةِ وَمُبَايَنَتِهَا سَائِرَ الأَعْمَالِ فِي الْفَضْلِ ، وَعِظَمِ الْقَدْرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ ، وَمَنْ قَبِلَ أَنَّ الصَّلاةَ لَمْ تَزَلْ مِفْتَاحَ شَرَائِعِ دِينِ الإِسْلامِ وَعَقْدَهُ لا تَزُولُ عَنْهُ أَبَدًا ، لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً بِالإِيمَانِ فِي دِينِ الْمَلائِكَةِ ، وَالأَنْبِيَاءِ ، وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دِينٌ بِغَيْرِهَا قَطُّ ، وَسَائِرُ الْفَرَائِضِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، لَيْسَ عَلَى الْمَلائِكَةِ زَكَاةٌ ، وَلا صِيَامٌ ، وَلا حَجٌّ ، وَالصَّلاةُ لا تَسْقُطُ عَنْهُمْ ، وَلا يُزَايِلُ التَّوْحِيدَ ، فَهِيَ أَعَمُّ الشَّرَائِعِ فَرْضًا ، بِهَا يَفْتَتِحُ اللَّهُ ذِكْرَهَا وَبِهَا يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلامَ الإِيمَانِ ، أَيْنَمَا ذَكَرَهَا ، وَهِيَ أَخَصُّ الْفَرَائِضِ لُزُومًا لِلدَّاخِلِ فِي الإِسْلامِ ، وَأَشْهَرِهَا مَنَارًا لِلدِّينِ ، وَمَعْلَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُشْرِكِينَ . أَلا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا ، لَمْ يَغْزُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا ، أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِكَ كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُ ، فَهِيَ أَشْهَرُ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ مَنَارًا بَيْنَ مِلَّةِ الإِسْلامِ ، وَمِلَّةِ الْكُفْرِ ، لَنْ يَسْتَحِقَّ دِينَ الإِسْلامِ ، وَمُشَارَكَةَ أَهْلِ الْمِلَّةِ ، وَمُبَايَنَةَ مِلَّةِ الْكُفْرِ إِلا بِإِقَامَتِهَا ، فَإِنْ تَرَكَتْهَا الْعَامَّةُ ، انْطَمَسَ مَنَارُ الدِّينِ كُلِّهِ فَلا يَبْقَى لِلدِّينِ رَسْمٌ وَلا عَلَمٌ يُعْرَفُ بِهِ ، فَلَيْسَ تَعْطِيلُ مَا لَوْ تَرَكَتْهُ الْعَامَّةُ ، شَمِلَهُمْ تَعْطِيلُ الدِّينِ حَتَّى لا يَبْقَى لَهُ رَسْمٌ كَتَرْكِ مَا لا يَشْمَلُ الْعَامَّةَ فَالصَّلاةُ شَامِلَةٌ لَهُمْ يَجْمَعُهُمْ إِقَامَتُهَا عَلَى مُبَايَنَةِ مِلَّةِ الْكُفْرِ ، شَهَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهَا بِالنِّدَاءِ إِلَيْهَا ، وَالتَّجَمُّعِ فِيهَا عَلَى إِقَامَتِهَا ، وَجَعَلَهَا الشَّرْعُ فِي الْمِلَّةِ فَمَنْ تَخَلَّى مِنْهَا ، فَمَا حَظُّهُ فِي الإِسْلامِ بِلا مِصْدَاقٍ ، وَلا عِلْمٍ تُحَقِّقُهُ بِهِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لا حَظَّ فِي الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لا دِينَ لِمَنْ لا صَلاةَ لَهُ . وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " . وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدْ تَلَوْنَاهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا مِنْ إِيعَادِهِ مُضَيِّعَ الصَّلاةِ ، وَتَارِكِهَا الْوَعِيدَ الْغَلِيظَ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ بِمُضَيِّعِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا سورة مريم آية 59 .
الأسم | الشهرة | الرتبة |