حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ، يَقُولُ لِهَؤُلاءِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : " لَيْسَ لَهُمْ بَصَرٌ بشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ ، مَا هُوَ إِلا الْجُرْأَةُ " ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : فَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مَنْ يَتَعَصَّبُ لَهُ لِيُمَوِّهَ عَلَى أَهْلِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلاةً ، وَهِيَ الْوِتْرُ " . فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ : " زَادَكُمْ صَلاةً " . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ . فَيُقَالَ لَهُ : هَذَا حَدِيثٌ لا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلاةَ أَنْوَاعٌ ، مِنْهَا فَرِيضَةٌ مَكْتُوبَةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَمِنْهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ ، وَلَكِنَّهَا نَافِلَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا ، مُرَغَّبٌ فِيهَا ، يُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا ، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَمِنْهَا نَافِلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ ، وَلَكِنَّهَا تَطَوُّعٌ ، مَنْ عَمِلَ بِهَا أُثِيبَ عَلَيْهَا ، وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ تَرْكُهَا ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلاةً " . وَ" إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ " . إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَعْنِي : زَادَكُمْ وَأَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ هِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ وَلا مَكْتُوبَةٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا الأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ الْمُوَظَّفَاتِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَتَطَوُّعٌ ، ثُمَّ اتِّفَاقُ الأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ هِيَ خَمْسٌ لا أَكْثَرُ ، وَدَلِيلٌ آخَرُ : وَهُوَ وِتْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ ، وَبِخَمْسٍ ، وَسَبْعٍ ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا لَكَانَ مُوَقَّتًا مَعْرُوفًا عَدَدُهُ ، لا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُ ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَاتِ ، وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَوْتَرُوا وِتْرًا مُخْتَلِفًا فِي الْعَدَدِ ، وَكَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْوِتْرَ بِثَلاثٍ بِلا تَسْلِيمٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَرَاهَةَ أَنْ يُشَبِّهُوا التَّطَوُّعَ بِالْفَرِيضَةِ ، وَدَلِيلٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ " . قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَفَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ الْمَفْرُوضَةَ لا يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَنَّ الْوِتْرَ تَطَوُّعٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ ، وَدَلِيلٌ رَابِعٌ : هُوَ أَنَّ الْوِتْرَ يَعْمَلُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ، فَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا خَفِيَ وُجُوبُهُ عَلَى الْعَامَّةِ ، كَمَا لَمْ يَخْفَ وُجُوبُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، وَلَنَقَلُوا عِلْمَ ذَلِكَ ، كَمَا نَقَلُوا عِلْمَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّهَا مَفْرُوضَاتٌ ، وَقَدْ تَوَارَثُوا عِلْمَ ذَلِكَ بِنَقْلِهِ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ ، مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ، لا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ ، وَلا يَتَنَازَعُونَ ، فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، لَتَوَارَثُوا عِلْمَهُ ، وَنَقْلَهُ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ كَذَلِكَ ، كَيْفَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : " الْوِتْرُ تَطَوَّعٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ " . مِنْهُمْ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ عَلِيٍّ يَجْهَلُ فَرِيضَةَ صَلاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ، حَتَّى يَجْحَدَ فَرْضَهَا ، فَيَزْعُمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَتْمٍ ! ! مَنْ ظَنِّ هَذَا بِعَلِيٍّ فَقَدْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مُفَسَّرًا : " أَنَّ الْوِتْرَ تَطَوَّعٌ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |