فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَيَزِيدَ بْنَ رُومَانَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَغَيْرِهِمْ ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَةَ تَبُوكَ مَا بَلَغَهُ عَنْهَا ، وَبَعَضُ الْقَوْمِ يُحَدِّثُ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بَعْضٌ ، وَكُلٌّ قَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ وَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ ، وَشِدَّةٍ مِنَ الْحَرِّ وَجَدْبٍ مِنَ الْبِلادِ ، وَحِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَأُحِبَّتِ الظِّلالُ ، فَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمُقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلالِهِمْ وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ عَنْهَا عَلَى الْحَالِ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إِلا كَنَّى عَنْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ الَّذِي يَصْمُدُ لَهُ ، إِلا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ وَشِدَّةِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ الَّذِي يَصْمُدُ لَهُ لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ . وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّومَ ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُرْهِ لِذَلِكَ الْوَجْهِ ، لِمَا فِيهِ مَعَ مَا عَظَّمُوا مِنْ ذِكْرِ الرُّومِ وَغَزْوِهِمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ فِي جِهَازِهِ ذَلِكَ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ أَخِي بَنِي سَلِمَةَ : " هَلْ لَكَ يَا جَدُّ الْعَامَ فِي جِلادِ بَنِي الأَصْفَرِ ؟ " فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَأْذَنُ لِي وَلا تَفْتِنِّي ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي مَا رَجُلٌ أَشَدُّ عَجَبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الأَصْفَرِ أَلا أَصْبِرَ عَنْهُنَّ . فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : " قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ؟ " . فَفِي الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي سورة التوبة آية 49 الآيَةَ ، أَيْ إِنْ كَانَ إِنَّمَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الأَصْفَرِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِهِ ، فَمَا سَقَطَ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَالرَّغْبَةِ بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَعْظَمُ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمِنْ وَرَائِهِ ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِبَعْضٍ : لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ زَهَادَةً فِي الْجِهَادِ ، وَشَكًّا فِي الْحَقِّ وَإِرْجَافًا بِالرَّسُولِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ إِلَى قَوْلِهِ : جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ سورة التوبة آية 81 - 82 ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَرِهِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ وَالانْكِمَاشِ ، وَحَضَّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النَّفَقَةِ وَالْحُمْلانِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَرَغَّبَهُمْ فِي ذَلِكَ . فَحَمَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى فَاحْتَسَبُوا ، وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً عَظِيمَةً لَمْ يُنْفِقْ أَحَدٌ أَعْظَمَ مِنْ نَفَقَتِهِ . ثُمَّ إِنَّ رِجَالا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمُ الْبَكَّاءُونَ وَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَغَيْرُهُمْ ، فَاسْتَحْمَلُوا رَسُولَ اللَّهِ وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ ، فَقَالَ : " لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ سورة التوبة آية 92 " ، قَالَ : فَبَلَغَنِي أَنَّ يَامِينَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ كَعْبِ النَّضَرِيَّ ، لَقِيَ أَبَا لَيْلَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ وَهُمَا يَبْكِيَانِ ، فَقَالَ لَهُمَا : مَا يُبْكِيكُمَا ؟ قَالا : جِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ لِيَحْمِلَنَا فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ ، فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا فَارْتَحَلاهُ وَزَوَّدَهُمَا شَيْئًا مِنْ تَمْرٍ ، فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : وَجَاءَ الْمُعَذَّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ ، فَلَمْ يَعْذُرْهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، مِنْهُمْ : خُفَافُ بْنُ إِيمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ . ثُمَّ اسْتَتَبَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرُهُ وَأُجْمِعَ السَّيْرُ ، وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمُ النِّيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تَخَلَّفُوا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلا ارْتِيَابٍ ، مِنْهُمْ : كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو بَنِي وَاقِفٍ ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، وَكَانُوا نَفَرَ صِدْقٍ لا يُتَّهَمُونَ فِي إِسْلامِهِمْ . فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ عَسْكَرَهُ عَلَى حِدَةٍ أَسْفَلَ مِنْهُ بِحِذَاءِ ذُبَابِ جَبَلٍ بِالْجَبَّانَةِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ ، وَكَانَ ، فِيمَا يَزْعُمُونَ ، لَيْسَ بِأَقَلَّ الْعَسْكَرَيْنِ . فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَخَا بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ أَخَا بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَكَانُوا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَكَانُوا مِمَّنْ يَكِيدُ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ | عاصم بن عمر الأنصاري | ثقة |
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ | عبد الله بن أبي بكر الأنصاري / ولد في :65 / توفي في :135 | ثقة ثبت |
وَيَزِيدَ بْنَ رُومَانَ | يزيد بن رومان الأسدي / توفي في :130 | ثقة |
الزُّهْرِيِّ | محمد بن شهاب الزهري / ولد في :52 / توفي في :124 | الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه |
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ | ابن إسحاق القرشي / توفي في :150 | صدوق مدلس |
سَلَمَةُ | سلمة بن الفضل الأنصاري | صدوق كثير الخطأ |
ابْنُ حُمَيْدٍ | محمد بن حميد التميمي / توفي في :248 | متروك الحديث |