كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، وَالْمُهَلَّبِ ، قَالُوا : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، وَالْمُهَلَّبِ ، قَالُوا : وَلَمَّا رَجَعَ خَالِدٌ مِنْ حَجِّهِ وَافَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِالْخُرُوجِ فِي شَطْرِ النَّاسِ ، وَأَنْ يُخَلِّفَ عَلَى الشَّطْرِ الْبَاقِي الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ ، وَقَالَ : لا تَأْخُذَنَّ نَجْدًا إِلا خَلَّفْتَ لَهُ نَجْدًا ، فَإِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَارْدُدْهُمْ إِلَى الْعِرَاقِ وَأَنْتَ مَعَهُمْ ، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى عَمَلِكَ . وَأَحْضَرَ خَالِدٌ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَأْثَرَ بِهِمْ عَلَى الْمُثَنَّى ، وَتَرَكَ لِلْمُثَنَّى أَعْدَادَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ ، ثُمَّ نَظَرَ فِيمَنْ بَقِيَ فَاخْتَلَجَ مَنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافِدًا أَوْ غَيْرِ وَافِدٍ ، وَتَرَكَ لِلْمُثَنَّى أَعْدَادَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ ، ثُمَّ قَسَّمَ الْجُنْدَ نِصْفَيْنِ ، فَقَالَ الْمُثَنَّى : وَاللَّهِ لا أُقِيمُ إِلا عَلَى إِنْفَاذِ أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ كُلِّهِ فِي اسْتِصْحَابِ نِصْفِ الصَّحَابَةِ أَوْ بَعْضِ النِّصْفِ ، وَبِاللَّهِ مَا أَرْجُو النَّصْرَ إِلا بِهِمْ ، فَأَنَّى تُعْرِينِي مِنْهُمْ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِدٌ بَعْدَ مَا تَلَكَّأَ عَلَيْهِ أَعَاضَهُ مِنْهُمْ حَتَّى رَضِيَ ، وَكَانَ فِيمَنْ أَعَاضَهُ مِنْهُمْ : فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ الْعِجْلِيُّ ، وَبَشِيرُ بْنُ الْخَصَّاصِيَّةِ ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَسَّانٍ الذُّهْلِيَّانِ ، وَمَعْبَدُ ابْنُ أُمِّ مَعْبَدٍ الأَسْلَمِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيُّ ، وَالْحَارِثُ بْنُ بِلالٍ الْمُزَنِيُّ ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو التَّمِيمِيُّ ، حَتَّى إِذَا رَضِيَ الْمُثَنَّى وَأَخَذَ حَاجَتَهُ انْجَذَبَ خَالِدٌ فَمَضَى لِوَجْهِهِ ، وَشَيَّعَهُ الْمُثَنَّى إِلَى قُرَاقِرَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحِيرَةِ فِي الْمُحَرَّمِ فَأَقَامَ فِي سُلْطَانِهِ ، وَوَضَعَ فِي الْمَسْلَحَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا عَلَى السَّيْبِ أَخَاهُ ، وَمَكَانَ ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ عُتَيْبَةَ بْنَ النَّهَّاسِ ، وَمَكَانَ ضِرَارِ بْنِ الأَزْوَرِ مَسْعُودًا أَخَاهُ الآخَرَ ، وَسَدَّ أَمَاكِنَ كُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الأُمَرَاءِ بِرِجَالٍ أَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْغِنَاءِ ، وَوَضَعَ مَذْعُورَ بْنَ عَدِيٍّ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَمَاكِنِ . وَاسْتَقَامَ أَهْلُ فَارِسٍ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ مِنْ مَقْدَمِ خَالِدٍ الْحِيرَةِ بَعْدَ خُرُوجِ خَالِدٍ بِقَلِيلٍ ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ عَلَى شهربرازَ بْنِ أردشيرَ بْنِ شَهْرَيَارِ مِمَّنْ يُنَاسَبُ إِلَى كِسْرَى ثُمَّ إِلَى سَابُورَ ، فَوَجَّهَ إِلَى الْمُثَنَّى جُنْدًا عَظِيمًا عَلَيْهِمْ هُرْمُزُ جَاذُوَيْهِ فِي عَشَرَةِ آلافٍ وَمَعَهُ فِيلٌ ، وَكَتَبَتِ الْمَسَالِحُ إِلَى الْمُثَنَّى بِإِقْبَالِهِ ، فَخَرَجَ الْمُثَنَّى مِنَ الْحِيرَةِ نَحْوَهُ ، وَضَمَّ إِلَيْهِ الْمَسَالِحَ ، وَجَعَلَ عَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ الْمُعَنَّى وَمَسْعُودًا ابْنَيْ حَارِثَةَ ، وَأَقَامَ لَهُ بِبَابِلَ ، وَأَقْبَلَ هُرْمُزُ جَاذُوَيْهِ وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ الكوكبدُ والخوكبذُ ، وَكَتَبَ إِلَى الْمُثَنَّى : مِنْ شهربرازَ إِلَى الْمُثَنَّى : إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جُنْدًا مِنْ وَحْشِ أَهْلِ فَارِسَ ، إِنَّمَا هُمْ رُعَاةُ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُكَ إِلا بِهِمْ . فَأَجَابَهُ الْمُثَنَّى : مِنَ الْمُثَنَّى إِلَى شهربرازَ : إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ : إِمَّا بَاغٍ فَذَلِكَ شَرٌّ لَكَ وَخَيْرٌ لَنَا ، وَإِمَّا كَاذِبٌ فَأَعْظَمُ الْكَذَّابِينَ عُقُوبَةً وَفَضِيحَةً عِنْدَ اللَّهِ فِي النَّاسِ الْمُلُوكُ ، وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّنَا عَلَيْهِ الرَّأْيُ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِمْ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَكُمْ إِلَى رُعَاةِ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ . فَجَزِعَ أَهْلُ فَارِسَ مِنْ كِتَابِهِ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا أُتِي شهربرازُ مِنْ شُؤمِ مَوْلِدِهِ وَلُؤْمِ مَنْشَئِهِ ، وَكَانَ يَسْكُنُ مَيْسَانَ ، وَبَعْضُ الْبُلْدَانِ شَيْنٌ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهُ ، وَقَالُوا لَهُ : جَرَّأْتَ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا بِالَّذِي كَتَبْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا كَاتَبْتَ أَحَدًا فَاسْتَشِرْ . فَالْتَقَوْا بِبَابِلَ فَاقْتَتَلُوا بِعَدْوَةِ الصَّرَاةِ الدُّنْيَا عَلَى الطَّرِيقِ الأَوَّلِ قِتَالا شَدِيدًا ، ثُمَّ إِنَّ الْمُثَنَّى وَنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اعْتَوَرُوا الْفِيلَ ، وَقَدْ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالْكَرَادِيسِ ، فَأَصَابُوا مَقْتَلَهُ فَقَتَلُوهُ ، وَهَزَمُوا أَهْلَ فَارِسَ وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى جَازُوا بِهِمْ مَسَالِحَهُمْ ، فَأَقَامُوا فِيهَا وَتَتَبَّعَ الطَّلَبُ الْفَالَةَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْمَدَائِنِ . وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ السَّعْدِيُّ ، وَكَانَ عَبْدَةُ قَدْ هَاجَرَ لِمُهَاجِرَةٍ حَلِيلَةٍ لَهُ ، حَتَّى شَهِدَ وَقْعَةَ بَابِلَ ، فَلَمَّا آيَسَتْهُ رَجَعَ إِلَى الْبَادِيَةِ ، فَقَالَ : هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الْبَيْنِ مَوْصُولُ أَمْ أَنْتَ عَنْهَا بَعِيدُ الدَّارِ مَشْغُولُ وَلِلأَحِبَّةِ أَيَّامٌ تَذَكَّرُهَا وَللِنَّوَى قَبْلَ يَوْمِ الْبَيْنِ تَأْوِيلُ حَلَّتْ خُوَيْلَةُ فِي حَيٍّ عَهِدْتُهُمُ دُونَ الْمَدَائِنِ فِيهَا الدِّيكُ وَالْفِيلُ يُقَارِعُونَ رُءُوسَ الْعُجْمِ ضَاحِيَةً مِنْهُمْ فَوَارِسُ لا عُزْلٌ وَلا مِيلُ الْقَصِيدَةَ . وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يُعَدِّدُ بُيُوتَاتِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَذَكَرَ الْمُثَنَّى وَقَتْلَهُ الْفِيلَ : وَبَيْتُ الْمُثَنَّى قَاتِلِ الْفِيلِ عَنْوَةً بِبَابِلَ إِذْ فِي فَارِسٍ مُلْكُ بَابِلِ وَمَاتَ شهربرازُ مُنْهَزِمٌ هرمزُ جَاذُوَيْهِ ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ فَارِسَ ، وَبَقِيَ مَا دُونَ دِجْلَةَ وبُرْسَ مِنَ السَّوَادِ فِي يَدَيِ الْمُثَنَّى وَالْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ فَارِسَ اجْتَمَعُوا بَعْدَ شهربرازَ عَلَى دختَ زنانَ ابْنَةِ كِسْرَى ، فَلَمْ يَنْفُذْ لَهَا أَمْرٌ فَخُلِعَتْ ، وَمُلِّكَ سابورُ بْنُ شهر برازَ ، قَالُوا : وَلَمَّا مَلَكَ سَابورُ بْنُ شهر برازَ قَامَ بِأَمْرِهِ الْفرخزاذُ بْنُ الْبندوانِ فَسَأَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ آزرميدختَ ابْنَةَ كِسْرَى فَفَعَلَ ، فَغَضَبَتْ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ : يَابْنَ عَمِّ أَتُزَوِّجَنِي عَبْدِي ؟ قَالَ : اسْتَحْيِ مِنْ هَذَا الْكَلامِ وَلا تُعِيدِيهِ عَلَيَّ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ . فَبَعَثَتْ إِلَى سياوخشَ الرَّازِيِّ ، وَكَانَ مِنْ فُتَّاكِ الأَعَاجِمِ ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الَّذِي تَخَافُ ، فَقَالَ لَهَا : إِنْ كُنْتِ كَارِهَةً لِهَذَا فَلا تُعَاوِدِيهِ فِيهِ ، وَأَرْسِلِي إِلَيْهِ ، وَقُولِي لَهُ فَلْيَقُلْ لَهُ ، فَلْيَأْتِكِ فَأَنَا أُكْفِيَكِهِ فَفَعَلَتْ وَفَعَلَ وَاسْتَعَدَّ سياوخشُ ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ أَقْبَلَ الْفرخزاذُ حَتَّى دَخَلَ فَثَارَ بِهِ سياوخشُ فَقَتَلَهُ وَمَنْ مَعَهُ ، ثُمَّ نَهَدَ بِهَا مَعَهُ إِلَى سَابُورَ فَحَضَرَتْهُ ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ، وَمَلَكَتْ آزرميدختُ بِنْتُ كِسْرَى وَتَشَاغَلُوا بِذَلِكَ . وَأَبْطَأَ خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَخَلَّفَ الْمُثَنَّى عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَشِيرَ بْنَ الْخَصَّاصِيَّةِ ، وَوَضَعَ مَكَانَهُ فِي الْمَسَالِحِ سَعِيدَ بْنَ مُرَّةَ الْعِجْلِيَّ ، وَخَرَجَ الْمُثَنَّى نَحْوَ أَبِي بَكْرٍ لِيُخْبِرَهُ خَبَرَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَلِيَسْتَأْذِنَهُ فِي الاسْتِعَانَةِ بِمَنْ قَدْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ وَنَدَمُهُ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ مِمَّنْ يَسْتَطْعِمُهُ الْغَزْوُ ، وَلِيُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ أَحَدًا أَنْشَطَ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَحَرْبِهَا وَمَعُونَةِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَبُو بَكْرٍ مَرِيضٌ . وَقَدْ كَانَ مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَخْرَجِ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ مَرْضَتَهَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِأَشْهُرٍ ، فَقَدِمَ الْمُثَنَّى وَقَدْ أُشْفِيَ وَعَقَدَ لِعُمَرَ ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ : عَلَيَّ بِعُمُرَ فَجَاءَ ، فَقَالَ لَهُ : اسْمَعْ يَا عُمَرُ مَا أَقُولُ لَكَ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَمُوتَ مِنْ يَوْمِي هَذَا وَذَلِكَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ ، فَإِنْ أَنَا مِتُّ فَلا تُمْسِيَنَّ حَتَّى تَنْدُبَ النَّاسَ مَعَ الْمُثَنَّى ، وَإِنْ تَأَخَّرْتُ إِلَى اللَّيْلِ فَلا تُصْبِحَنَّ حَتَّى تَنْدُبَ النَّاسَ مَعَ الْمُثَنَّى ، وَلا تَشْغِلَنَّكُمْ مُصِيبَةٌ وَإِنْ عَظُمَتْ عَنْ أَمْرِ دِينِكُمْ وَوَصِيَّةِ رَبِّكُمْ ، وَقَدْ رَأَيْتَنِي مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا صَنَعْتُ ، وَلَمْ يُصَبِ الْخَلْقُ بِمِثْلِهِ ، وَبِاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَنِي عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ لَخَذَلَنَا وَلَعَاقَبَنَا فَاضْطَرَمَتِ الْمَدِينَةُ نَارًا ، وَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى أُمَرَاءِ الشَّامِ ، فَارْدُدْ أَصْحَابَ خَالِدٍ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُهُ وَوُلاةُ أَمْرِهِ وَحْدَهُ ، وَأَهْلُ الضَّرَاوَةِ مِنْهُمْ وَالْجَرَاءَةِ عَلَيْهِمْ . وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ اللَّيْلِ ، فَدَفَنَهُ عُمَرُ لَيْلا ، وَصَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَنَدَبَ النَّاسَ مَعَ الْمُثَنَّى بَعْدَمَا سَوِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَقَالَ عُمَرُ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسُوءُنِي أَنْ أُؤَمِّرَ خَالِدًا عَلَى حَرْبِ الْعِرَاقِ حِينَ أَمَرَنِي بِصَرْفِ أَصْحَابِي وَتَرْكِ ذِكْرِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَإِلَى آزرميدختَ انْتَهَى شَأْنُ أَبِي بَكْرٍ وَأَحَد شِقَّيِ السَّوَادِ فِي سُلْطَانِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَتَشَاغَلَ أَهْلُ فَارِسَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَنْ إِزَالَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ السَّوَادِ فِيمَا بَيْنَ مُلْكِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى قِيَامِ عُمَرَ ، وَرُجُوعِ الْمُثَنَّى مَعَ أَبِي عُبَيْدٍ إِلَى الْعِرَاقِ وَالْجُمْهُورِ مِنْ جُنْدِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْحِيرَةِ ، وَالْمَسَالِحِ بِالسَّيْبِ ، وَالْغَارَاتُ تَنْتَهِي بِهِمْ إِلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ ، وَدِجْلَةُ حِجَازٌ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، فَهَذَا حَدِيثُ الْعِرَاقِ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ مُبْتَدِئِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ وَهُوَ بِالْحِيرَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَمُدَّ أَهْلَ الشَّامِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ ، وَيَخْرُجُ فِيهِمْ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَى ضَعَفَةِ النَّاسِ رَجُلا مِنْهُمْ ، فَلَمَّا أَتَى خَالِدًا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ ، قَالَ خَالِدٌ : هَذا عَمَلُ الأُعَيْسِرِ ابْنِ أُمِّ شَملَةَ ، يَعْنِي : عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَسَدَنِي أَنْ يَكُونَ فَتْحُ الْعِرَاقِ عَلَى يَدِي ، فَسَارَ خَالِدٌ بِأَهْلِ الْقُوَّةِ مِنَ النَّاسِ ، وَرَدَّ الضُّعَفَاءَ وَالنِّسَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ ، وَاسْتَخْلَفَ خَالِدٌ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِالْعِرَاقِ مِنْ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمُ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيَّ ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى عَيْنِ التَّمْرِ فَأَغَارَ عَلَى أَهْلِهَا فَأَصَابَ مِنْهُمْ ، وَرَابَطَ حِصْنًا بِهَا فِيهِ مُقَاتِلَةٌ كَانَ كِسْرَى وَضَعَهُمْ فِيهِ حَتَّى اسْتَنْزَلَهُمْ ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ ، وَسَبَى مِنْ عَيْنِ التَّمْرِ ، وَمِنْ أَبْنَاءِ تِلْكَ الْمُرَابِطَةِ سَبَايَا كَثِيرَةٍ ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ مِنْ تِلْكَ السَّبَايَا : أَبُو عَمْرَةَ مَوْلَى شَبَّانَ ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الأَعْلَى بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَوْلَى الْمُعَلَّى مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى زَهْرَةَ ، وَخَيْرٌ مَوْلَى أَبِي دَاوُدَ الأَنْصَارِيِّ ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ ، وَيَسَارٌ ، وَهُوَ جَدُّ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مَوْلَى قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأَفْلَحُ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَحُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ . وَقَتَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ هِلالَ بْنَ عَقَّةَ بْنِ بِشْرٍ النَّمِرِيَّ وَصَلَبَهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ ، ثُمَّ أَرَادَ السَّيْرَ مُفَوِّزًا مِنْ قُرَاقِرَ ، وَهُوَ مَاءٌ لِكَلْبٍ إِلَى سَوَى ، وَهُوَ مَاءٌ لِبَهْرَاءَ بَيْنَهُمَا خَمْسُ لَيَالٍ ، فَلَمْ يَهْتَدِ خَالِدٌ الطَّرِيقَ ، فَالْتَمَسَ دَلِيلا فَدُلَّ عَلَى رَافِعِ بْنِ عُمَيْرَةَ الطَّائِيِّ ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : انْطَلِقْ بِالنَّاسِ . فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ : إِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ ذَلِكَ بِالْخَيْلِ وَالأَثْقَالِ ، وَاللَّهِ إِنَّ الرَّاكِبَ الْمُفْرَدَ لَيَخَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ ، وَمَا يَسْلُكُهَا إِلا مُغَرِّرًا ، إِنَّهَا لَخَمْسُ لَيَالٍ جِيَادٍ لا يُصَابُ فِيهَا مَاءٌ مَعَ مَضَلَّتِهَا . فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : وَيْحَكَ إِنَّهُ وَاللَّهِ إِنَّ لِي بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ إِنَّهُ قَدْ أَتَتْنِي مِنَ الأَمِيرِ عَزْمَةٌ بِذَلِكَ ، فَمُرْ بِأَمْرِكَ . قَالَ : اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْمَاءِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُرَّ أُذُنَ نَاقَتِهِ عَلَى مَاءٍ فَلْيَفْعَلْ ، فَإِنَّهَا الْمَهَالِكُ إِلا مَا دَفَعَ اللَّهُ ، ابْغِنِي عِشْرِينَ جَزُورًا عِظَامًا سِمَانًا مَسَانًّا ، فَأَتَاهُ بِهِنَّ خَالِدٌ فَعَمَدَ إِلَيْهِنَّ رَافِعٌ فَظَمَّأَهُنَّ حَتَّى إِذَا أَجْهَدَهُنَّ عَطَشًا ، أَوْرَدَهُنَّ فَشَرِبْنَ حَتَّى إِذَا تَمَلأَنَّ عَمَدَ إِلَيْهِنَّ فَقَطَعَ مَشَافِرَهُنَّ ، ثُمَّ كَعَمَهُنَّ لِئَلا يَجْتَرِرْنَ ، ثُمَّ أَخْلَى أَدْبَارَهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ لِخَالِدٍ : سِرْ فَسَارَ خَالِدٌ مَعَهُ مُغِذًّا بِالْخُيُولِ وَالأَثْقَالِ ، فَكُلَّمَا نَزَلَ مَنْزِلا افْتَظَّ أَرْبَعًا مِنْ تِلْكَ الشَّوَارِفِ ، فَأَخَذَ مَا فِي أَكْرَاشِهَا فَسَقَاهُ الْخَيْلَ ثُمَّ شَرِبَ النَّاسُ مِمَّا حَمَلُوا مَعَهُمْ مِنَ الْمَاءِ . فَلَمَّا خَشِيَ خَالِدٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الْمَفَازَةِ ، قَالَ لِرَافِعِ بْنِ عُمَيْرَةَ وَهُوَ أَرْمَدُ : وَيْحَكَ يَا رَافِعُ مَا عِنْدَكَ ؟ قَالَ : أَدْرَكْتُ الرَّيَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْعَلَمَيْنِ ، قَالَ لِلنَّاسِ : انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ شُجَيْرَةً مِنْ عَوْسَجٍ كَقَعْدَةِ الرَّجُلِ ؟ قَالُوا : مَا نَرَاهَا . قَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، هَلَكْتُمْ وَاللَّهِ إِذًا وَهَلَكْتُ لا أَبَا لَكُمُ انْظُرُوا فَطَلَبُوا ، فَوَجَدُوهَا قَدْ قُطِعَتْ ، وَبَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ ، فَلَمَّا رَآهَا الْمُسْلِمُونَ كَبَّرُوا وَكَبَّرَ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ ، ثُمَّ قَالَ : احْفُرُوا فِي أَصْلِهَا ، فَحَفَرُوا فَاسْتَخْرَجُوا عَيْنًا فَشَرِبُوا حَتَّى رُوِيَ النَّاسُ ، فَاتَّصَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِخَالِدٍ الْمَنَازِلُ . فَقَالَ رَافِعٌ : وَاللَّهِ مَا وَرَدْتُ هَذَا الْمَاءَ قَطُّ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَرَدْتُهُ مَعَ أَبِي وَأَنَا غُلامٌ ، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : لِلَّهِ دَرُّ رَافِعٍ أَنَّى اهْتَدَى فَوْز مِنْ قُرَاقِرَ إِلَى سَوَى خَمْسًا إِذَا مَا سَارَهَا الْجَيْشُ بَكَى مَا سَارَهَا قَبْلَكَ إِنْسِيٌّ يَرَى فَلَمَّا انْتَهَى خَالِدٌ إِلَى سَوَى أَغَارَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُمْ بهراء قبيل الصبح وناس منهم يشربون خمرا لهم في جفنة قد اجتمعوا عليها ومغنيهم ، يقول : أَلا عَلِّلانِي قَبْلَ جَيْشِ أَبِي بَكْرٍ لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَمَا نَدْرِي أَلا عَلِّلانِي بِالزّجَاجِ وَكَرِّرَا عَلَيَّ كميت اللَّوْنِ صَافِيةً تَجْرِي أَلا عَلِّلانِي مِنْ سُلافَةِ قَهْوَةٍ تُسْلِي هُمُومَ النَّفْسِ مِنْ جَيِّدِ الْخَمْرِ أَظُنُّ خُيُولَ الْمُسْلِمِينَ وَخَالِدًا سَتَطْرُقُكُمْ قَبْلَ الصَّبَاحِ مِنَ الْبشْرِ فَهَلْ لَكُمْ فِي السَّيْرِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَقَبْلَ خُرُوجِ الْمُعْصرَاتِ مِنَ الْخدْرِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ مُغَنِّيَهُمْ ذَلِكَ قُتِلَ تَحْتَ الْغَارَةِ فَسَالَ دَمُهُ فِي تِلْكَ الْجَفْنَةِ . ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ حَتَّى أَغَارَ عَلَى غَسَّانَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى قَنَاةِ بُصْرَى وَعَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهَا فَرَابَطُوهَا حَتَّى صَالَحَتْ بُصْرَى عَلَى الْجِزْيَةِ ، وَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوَّلَ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ فُتِحَتْ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ سَارُوا جَمِيعًا إِلَى فِلَسْطِينَ مَدَدًا لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَعَمْرٌو مُقِيمٌ بِالْعَرَبَاتِ مِنْ غَوْرِ فِلَسْطِينَ . وَسَمِعَتِ الرُّومُ بِهِمْ فَانْكَشَفُوا عَنْ جِلَّقَ إِلَى أَجْنَادِينَ وَعَلَيْهِمْ تذارقُ أَخُو هِرَقْلَ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَأَجْنَادِينُ بَلَدٌ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ جِبْرِينَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ . وَسَارَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ سَمِعَ بِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَشُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حَتَّى لِقِيَهُمْ ، فَاجْتَمَعُوا بِأَجْنَادِينَ حَتَّى عَسْكَرُوا عَلَيْهِمْ . .