قَالَ هِشَامٌ : قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ : فَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ حَمْزَةُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، قَالَ هِشَامٌ : قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ : فَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ حَمْزَةُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، أَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيَّ سَارَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ : أَمِّرْنِي عَلَى مَنْ قَبْلِي مِنْ قَوْمِي ، أُقَاتِلُ مَنْ يَلِينِي مِنْ أَهْلِ فَارِسٍ وَأَكْفِيكَ نَاحِيَتِي ، فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَأَقْبَلَ فَجَمَعَ قَوْمَهُ وَأَخَذَ يُغِيرُ بِنَاحِيَةِ كَسْكَرٍ مَرَّةً وَفِي أَسْفَلِ الْفُرَاتِ مَرَّةً ، وَنَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ النِّبَاجَ وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ بِخَفَّانَ مُعَسْكِرًا ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِيَأْتِيَهُ ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِطَاعَتِهِ ، فَانْقَضَّ إِلَيْهِ جَوَادًا حَتَّى لَحِقَ بِهِ . وَقَدْ زَعَمَتْ بَنُو عِجْلٍ أَنَّهُ كَانَ خَرَجَ مَعَ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، يُقَالُ لَهُ : مَذْعُورُ بْنُ عَدِيٍّ ، فَنَازَعَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ فَتَكَاتَبَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ ، إِلَى الْعِجْلِيِّ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ مَعَ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ ، وَأَقَرَّ الْمُثَنَّى عَلَى حَالِهِ فَبَلَغَ الْعِجْلِيُّ مِصْرَ ، فَشَرُفَ بِهَا وَعَظُمَ شَأْنُهُ ، فَدَارُهُ الْيَوْمَ بِهَا مَعْرُوفَةٌ . وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَسِيرُ فَعَرَضَ لَهُ جَابَانُ صَاحِبُ أُلَيْسَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ ، وَقَتَلَ جُلَّ أَصْحَابِهِ إِلَى جَانِبِ نَهْرٍ ثَمَّ يُدْعَى : نَهْرَ دَمٍ ؛ لِتِلْكَ الْوَقْعَةِ ، وَصَالَحَ أَهْلَ أُلَيْسَ وَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْحِيرَةِ ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ خُيُولُ آزَاذْبَهْ صَاحِبِ خَيْلِ كِسْرَى الَّتِي كَانَتْ فِي مَسَالِحِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرَبِ ، فَلَقُوهُمْ بِمُجْتَمَعِ الأَنْهَارِ ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ . وَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْحِيرَةِ خَرَجُوا يَسْتَقْبِلُونَهُ ، فِيهِمْ : عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بُقَيْلَةَ وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ ، فَقَالَ خَالِدٌ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ : مِنْ أَيْنَ أَثَرُكَ ؟ قَالَ : مِنْ ظَهْرِ أَبِي . قَالَ : مِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ ؟ قَالَ : مِنْ بَطْنِ أُمِّي . قَالَ : وَيْحَكَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ ؟ قَالَ : عَلَى الأَرْضِ . قَالَ : وَيْلَكَ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ ؟ قَالَ : فِي ثِيَابِي . قَالَ : وَيْحَكَ تَعَقِلُ . قَالَ : نَعَمْ وأقيد . قَالَ : إِنَّمَا أَسْأَلُكَ . قَالَ : وَأَنَا أُجِيبُكَ . قَالَ : أَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ ؟ قَالَ : بَلْ سِلْمٌ . قَالَ : فَمَا هَذِهِ الْحُصُونُ الَّتِي أَرَى ؟ قَالَ : بَنَيْنَاهَا لِلسَّفِيهِ نَحْبِسُهُ حَتَّى يَجِيءَ الْحَلِيمُ فَيَنْهَاهُ . ثُمَّ قَالَ لَهُمْ خَالِدٌ : إِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَإِلَى الإِسْلامِ ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ ؛ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ ؛ فَالْجِزْيَةِ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ ؛ فَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ شُرْبَ الْخَمْرِ . فَقَالُوا : لا حَاجَةَ لَنَا فِي حَرْبِكَ ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَكَانَتْ أَوَّلُ جِزْيَةٍ حُمِلَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْعِرَاقِ ، ثُمَّ نَزَلَ عَلَى بَانِقْيَا فَصَالَحَهُ بصُبْهُرَى بْنُ صلُوبَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَطَيْلَسَانٍ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، وَكَانَ صَالَحَ خَالِدٌ أَهْلَ الْحِيرَةِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا لَهُ عُيُونًا فَفَعَلُوا " .