تفسير

رقم الحديث : 92

حَدَّثَنِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : بَيْنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا ابْنِ عَبَّاسٍ , سَمِعْتُ الْعَجَبَ مِنْ كَعْبٍ الْحَبْرِ ، يَذْكُرُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ ، ثُمَّ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : زَعَمَ أَنَّهُ يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ ، قَالَ عِكْرِمَةُ : فَطَارَتْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شِقَّةٌ وَوَقَعَتْ أُخْرَى غَضَبًا ، ثُمَّ قَالَ كَذَبَ كَعْبٌ , كَذَبَ كَعْبٌ , كَذَبَ كَعْبٌ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ , بَلْ هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الإِسْلامِ ، اللَّهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ , أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ سورة إبراهيم آية 33 ، إِنَّمَا يَعْنِي : دءوبِهِمَا فِي الطَّاعَةِ ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ عَبْدَيْنِ يُثْنِي عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتِهِ ؟ قَاتَلَ اللَّهُ هَذَا الْحَبْرَ وَقَبَّحَ حَبْرِيَّتَهُ , مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمُطِيعَيْنِ لِلَّهِ ، قَالَ : ثُمَّ اسْتَرْجَعَ مِرَارًا وَأَخَذَ عُوَيْدًا مِنَ الأَرْضِ فَجَعَلَ يَنْكُتُهُ فِي الأَرْضِ ، فَظَلَّ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَمَى بِالْعُوَيْدِ ، قَالَ : أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَبَدْءِ خَلْقِهِمَا وَمَصِيرُ أَمْرِهِمَا ؟ فَقُلْنَا : بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُوَلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَبْرَمَ خَلْقَهُ إِحْكَامًا فَلَمْ يَبْقَ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرُ آدَمَ ، خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَدَعُهَا شَمْسًا ، فَإِنَّهُ خَلَقَهَا مِثْلَ الدُّنْيَا مَا بَيْنَ مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَطْمِسُهَا وَيُحَوِّلُهَا قَمَرًا فَإِنَّهُ دُونَ الشَّمْسِ فِي الْعِظَمِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يُرَى صِغَرُهُمَا مِنْ شِدَّةِ ارْتِفَاعِ السَّمَاءِ وَبُعْدِهَا مِنَ الأَرْضِ . قَالَ : فَلَوْ تَرَكَ اللَّهُ الشَّمْسَيْنِ كَمَا كَانَ خَلَقَهُمَا فِي بَدْءِ الأَمْرِ ، لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ وَلا النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ لا يَدْرِي الأَجِيرُ إِلَى مَتَى يَعْمَلُ وَمَتَى يَأْخُذُ أَجْرَهُ وَلا يَدْرِي الصَّائِمُ إِلَى مَتَى يَصُومُ ، وَلا تَدْرِي الْمَرْأَةُ كَيْفَ تَعْتَدُّ ، وَلا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَتَى وَقْتُ الْحَجِّ ، وَلا يَدْرِي الدُّيَّانُ مَتَى تَحِلُّ دُيُونُهُمْ ، وَلا يَدْرِي النَّاسُ مَتَى يَنْصَرِفُونَ لِمَعَايِشِهِمْ ، وَمَتَى يَسْكُنُونَ لِرَاحَةِ أَجْسَادِهِمْ ، وَكَانَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ , أَنْظَرَ لِعِبَادِهِ وَأَرْحَمَ بِهِمْ , فَأَرْسَلَ جِبرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَأَمَرَ جِنَاحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات , فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله عز وجل : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً سورة الإسراء آية 12 ، قال : فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو . ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلاث مائة وستون عروة ، ووكل بالشمس وعجلتها ثلاث مائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرى ، ووكل بالقمر وعجلته ثلاث مائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء ، قد تعلق بكل عروة من تلك العرى ملك منهم . ثم قال : وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماء ، ثمانين ومائة عين في المغرب طينة سوداء ، فذلك قوله عز وجل : وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ سورة الكهف آية 86 ، إنما هي حمئة سوداء من طين ، وثمانين ومائة عين في المشرق ، مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلي القدر إذا ما اشتد غليها ، قال : فكل يوم وليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد , ما بين أولها مطلعا وآخرها مغربا أطول ما يكون النهار في الصيف , إلى آخرها مطلعا وأولها مغربا أقصر ما يكون النهار في الشتاء , فذلك قوله تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ سورة الرحمن آية 17 ، يعني : آخرها ههنا وآخرها ثم ، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب ثم جمعهما ، فقال : بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ سورة المعارج آية 40 ، فذكر عدة تلك العيون كلها ، قال : وخلق الله بحرا فجرى دون السماء مقدار ثلاث فراسخ ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل ، لا يقطر منه قطرة ، والبحار كلها ساكنة ، وذلك البحر جار في سرعة السهم ، ثم انطلاقه في الهواء مستويا ، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب ، فتجري الشمس والقمر والخنس في لجة غمر ذلك البحر ، فذلك قوله تعالى : كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ سورة الأنبياء آية 33 ، والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر ، والذي نفس محمد بيده ، لو بدت الشمس من ذلك البحر ، لأحرقت كل شيء في الأرض حتى الصخور والحجارة ، ولو بدا القمر من ذلك لافتتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه ، قال ابْنُ عَبَّاسٍ : فقال علي بن أبي طالب , رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر ، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك , فما الخنس ؟ قال : يا علي , هن خمسة كواكب : البرجيس وزحل وعطارد وبهرام والزهرة ، فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات مثل الشمس والقمر العاديات معهما ، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد ، وهي تحوم مع السماء دورانا بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، قال النبي , صلى الله عليه وسلم : " فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك فانظروا إلى دوران الفلك مرة ههنا ومرة ههنا " ، فذلك دوران السماء ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة ودورانها اليوم كما ترون , وتلك صلاتها ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله ، فذلك قوله , عز وجل , يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا { 9 } وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا { 10 } فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ { 11 } سورة الطور آية 9-11 ، قال : فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض العيون على عجلتها , ومعها ثلاث مائة وستون ملكا ناشري أجنحتهم ، يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ، ليلا كان أو نهارا , فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات , فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته ، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر ، وهو الفلك ، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد ، وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء ، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم وهو المنتهى من كسوفها ، فإذا أراد أن يجعل آية دون آية ، وقع منها النصف ، أو الثلث ، أو الثلثان في الماء ، ويبقى سائر ذلك على العجلة ، فهو كسوف دون كسوف ، وبلاء للشمس ، أو للقمر ، وتخويف للعباد واستعتاب من الرب عز وجل ، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين : فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة ، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس ، وهم في ذلك يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، على قدر ساعات النهار ، أو ساعات الليل ، ليلا كان أو نهارا ، في الصيف كان ذلك ، أو في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع لكيلا يزيد في طولهما شيء ، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك , وجعل لهم تلك القوة ، والذي ترون من خروج الشمس ، أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما ، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة , فيحمدون الله على ما قواهم لذلك . ويتعلقون بعرا العجلة ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب ، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين ، فتسقط من أفق السماء في العين ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : وعجب من خلق الله وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك ، وذلك قول جبرائيل عليه السلام لسارة : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سورة هود آية 73 ، وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين , إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم ، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح ، اسم التي بالمشرق بالسريانية : مرقيسيا , وبالعربية : جابلق ، واسم التي بالمغرب بالسريانية : برجيسيا , وبالعربية : جابرس ، ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب ما بين كل بابين فرسخ ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراسة عليهم السلاح ، ولما يلحقهم نوبة الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور ، فوالذي نفس محمد بيده لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم ، لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب ، ومن ورائهم ثلاث أمم : منسك وتافيل وتاريس ، ومن دونهم يأجوج ومأجوج . وإن جبرائيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسري بي في المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل ، فأبوا أن يجيبوني , ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين ، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل , وإلى عبادته فأجابوا وأنا بوافيهم في الدين من أحسن منهم فهو مع محسنكم ومن أساء منهم ، فأولئك مع المسيئين منكم . ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث ، فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته ، فأنكروا ما دعوتهم إليه , فكفروا بالله عز وجل , وكذبوا رسله فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار ، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة ، حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا ، حتى تكون تحت العرش ، فتخر ساجدة ويسجد معها الملائكة الموكلون بها ، فتنحدر بها من سماء إلى سماء ، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر , فإذا انحدرت من بعض تلك العيون ، فذاك حين يضيء الصبح ، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء ، فذاك حين يضيء النهار ، قال : وجعل الله عند المشرق حجابا من الظلمة على البحر السابع , مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم ، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل ، فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ، ثم يستقبل المغرب ، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل أصابعه قليلا قليلا ، وهو يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها , ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء ، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء ، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، حتى يبلغ المغرب ، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق ، فضم جناحيه ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ، ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته ، إذا تناولها من الحجاب بالمشرق ، فيضعها عند المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل ، فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب ، نفخ في الصور , وانقضت الدنيا , فضوء النهار من قبل المشرق ، وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب ، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما ، إلى ارتفاعهما إلى السماء السابعة العليا ، إلى محبسهما تحت العرش ، حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد ، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد . فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش ، فكلما سجدت واستأذنت من أين تطلع ، لم يحر إليها جواب حتى يوافيها القمر , ويسجد معها ويستأذن من أين يطلع ، فلا يحار إليه جواب حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض ، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين ، في هوان من الناس وذلة من أنفسهم ، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي ، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه , فيصلي ورده كما كان يصلي قبل ذلك ، ثم يخرج فلا يرى الصبح فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ، ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت قبل حيني ، قال : ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل ورده الليلة الثانية , ثم يخرج فلا يرى الصبح ، فيزيده ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من الشر ، ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت من أول الليل ، ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة , فيصلي أيضا مثل ورده الليلة الثالثة ، ثم يخرج , فإذا هو بالليل مكانه , والنجوم قد استدارت , وصارت إلى مكانها من أول الليل ، فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة ، فيستلحمه الخوف ويستخفه البكاء ، ثم ينادي بعضهم بعضا ، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون ، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها ، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة ، والغافلون في غفلتهم ، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين ، أتاهما جبرائيل ، فيقول : إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور ، قال : فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما ، وأهل سرادقات العرش , وحملة العرش من فوقهما ، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت وخوف يوم القيامة ، قال : فبينا الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين مكورين كالغرابين ، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك ، فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها ، والأحبة عن ثمرة قلوبها ، فتشتغل كل نفس بما أتاها ، قال : فأما الصالحون والأبرار ، فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك لهم عبادة ، وأما الفاسقون والفجار ، فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم خسارة ، قال : فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ، ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا ، حتى إذا بلغا سرة السماء وهو منصفها ، أتاهما جبرائيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ولكن يغربهما في باب التوبة ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله , فما باب التوبة ؟ قال : يا عمر , خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب ، له مصراعين من ذهب مكللا بالدر والجوهر ، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع ، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب ، ثم ترفع إلى الله عز وجل ، قال معاذ بن جبل : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , وما التوبة النصوح ؟ قال : أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله , ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، قال : فيرد جبرائيل بالمصراعين فيلأم بينهما , ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط ، فإذا غلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة ، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسنا ، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك ، قال : فذلك قوله عز وجل : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا سورة الأنعام آية 158 ، قال أُبي بن كعب : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك ؟ وكيف بالناس والدنيا ؟ فقال : يا أبي , إن الشمس والقمر بعد ذلك يكسيان النور والضوء ، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك ، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية ، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الشجر ويبنوا فيها البنيان ، وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها ، إلى يوم ينفخ في الصور ، فقال حذيفة بن اليمان : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله ، فكيف هم عند النفخ في الصور ؟ فقال : يا حذيفة , والذي نفس محمد بيده ، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه ، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه ولا يتبايعانه ، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها ، ولتقومن الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ سورة العنكبوت آية 53 ، فإذا نفخ في الصور وقامت الساعة وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ، ولما يدخلوهما بعد إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر ، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال ترعد فرائصهما ، من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن ، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين ، فيقولان : إلهنا قد علمت طاعتنا ودءوبنا في عبادتك وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا ، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا ، فإنا لم ندع إلى عبادتنا ولم نذهب عن عبادتك ، قال : فيقول الرب تبارك وتعالى : صدقتما وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد ، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه , فارجعا إلى ما خلقتما منه ، قالا : إلهنا , ومم خلقتنا ؟ قال : خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه ، قال : فيلتمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا فتختلط بنور العرش فذلك قوله عز وجل : يُبْدِئُ وَيُعِيدُ سورة البروج آية 13 قال عكرمة : فقمت مع النفر الذين حدثوا به حتى أتينا كعبا ، فأخبرناه بما كان من وجد ابْنِ عَبَّاسٍ من حديثه وما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقام كعب معنا حتى أتينا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فقال : قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي , وأستغفر الله وأتوب إليه ، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي , ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود ، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل ، وعن سيد الأنبياء وخير النبيين ، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول ، قال عكرمة : فأعاد عليه ابْنِ عَبَّاسٍ الحديث وأنا أستقريه في قلبي بابا بابا ، فما زاد شيئا ولا نقص , ولا قدم شيئا ولا أخر ، فزادني ذلك في ابْنِ عَبَّاسٍ رغبة وللحديث حفظا , ومما روي عن السلف في ذلك .

الرواه :

الأسم الرتبة
ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

عِكْرِمَةَ

ثقة

مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ

صدوق فاضل عالم صالح

أَبُو نُعَيْمٍ

متروك الحديث

خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ

متهم بالوضع

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ

مجهول الحال

Whoops, looks like something went wrong.