حَدَّثَنِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : بَيْنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا ابْنِ عَبَّاسٍ , سَمِعْتُ الْعَجَبَ مِنْ كَعْبٍ الْحَبْرِ ، يَذْكُرُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ ، ثُمَّ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : زَعَمَ أَنَّهُ يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ ، قَالَ عِكْرِمَةُ : فَطَارَتْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شِقَّةٌ وَوَقَعَتْ أُخْرَى غَضَبًا ، ثُمَّ قَالَ كَذَبَ كَعْبٌ , كَذَبَ كَعْبٌ , كَذَبَ كَعْبٌ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ , بَلْ هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الإِسْلامِ ، اللَّهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ , أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ سورة إبراهيم آية 33 ، إِنَّمَا يَعْنِي : دءوبِهِمَا فِي الطَّاعَةِ ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ عَبْدَيْنِ يُثْنِي عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتِهِ ؟ قَاتَلَ اللَّهُ هَذَا الْحَبْرَ وَقَبَّحَ حَبْرِيَّتَهُ , مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمُطِيعَيْنِ لِلَّهِ ، قَالَ : ثُمَّ اسْتَرْجَعَ مِرَارًا وَأَخَذَ عُوَيْدًا مِنَ الأَرْضِ فَجَعَلَ يَنْكُتُهُ فِي الأَرْضِ ، فَظَلَّ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَمَى بِالْعُوَيْدِ ، قَالَ : أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَبَدْءِ خَلْقِهِمَا وَمَصِيرُ أَمْرِهِمَا ؟ فَقُلْنَا : بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُوَلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَبْرَمَ خَلْقَهُ إِحْكَامًا فَلَمْ يَبْقَ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرُ آدَمَ ، خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَدَعُهَا شَمْسًا ، فَإِنَّهُ خَلَقَهَا مِثْلَ الدُّنْيَا مَا بَيْنَ مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَطْمِسُهَا وَيُحَوِّلُهَا قَمَرًا فَإِنَّهُ دُونَ الشَّمْسِ فِي الْعِظَمِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يُرَى صِغَرُهُمَا مِنْ شِدَّةِ ارْتِفَاعِ السَّمَاءِ وَبُعْدِهَا مِنَ الأَرْضِ . قَالَ : فَلَوْ تَرَكَ اللَّهُ الشَّمْسَيْنِ كَمَا كَانَ خَلَقَهُمَا فِي بَدْءِ الأَمْرِ ، لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ وَلا النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ لا يَدْرِي الأَجِيرُ إِلَى مَتَى يَعْمَلُ وَمَتَى يَأْخُذُ أَجْرَهُ وَلا يَدْرِي الصَّائِمُ إِلَى مَتَى يَصُومُ ، وَلا تَدْرِي الْمَرْأَةُ كَيْفَ تَعْتَدُّ ، وَلا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَتَى وَقْتُ الْحَجِّ ، وَلا يَدْرِي الدُّيَّانُ مَتَى تَحِلُّ دُيُونُهُمْ ، وَلا يَدْرِي النَّاسُ مَتَى يَنْصَرِفُونَ لِمَعَايِشِهِمْ ، وَمَتَى يَسْكُنُونَ لِرَاحَةِ أَجْسَادِهِمْ ، وَكَانَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ , أَنْظَرَ لِعِبَادِهِ وَأَرْحَمَ بِهِمْ , فَأَرْسَلَ جِبرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَأَمَرَ جِنَاحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات , فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله عز وجل : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً سورة الإسراء آية 12 ، قال : فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو . ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلاث مائة وستون عروة ، ووكل بالشمس وعجلتها ثلاث مائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرى ، ووكل بالقمر وعجلته ثلاث مائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء ، قد تعلق بكل عروة من تلك العرى ملك منهم . ثم قال : وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماء ، ثمانين ومائة عين في المغرب طينة سوداء ، فذلك قوله عز وجل : وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ سورة الكهف آية 86 ، إنما هي حمئة سوداء من طين ، وثمانين ومائة عين في المشرق ، مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلي القدر إذا ما اشتد غليها ، قال : فكل يوم وليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد , ما بين أولها مطلعا وآخرها مغربا أطول ما يكون النهار في الصيف , إلى آخرها مطلعا وأولها مغربا أقصر ما يكون النهار في الشتاء , فذلك قوله تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ سورة الرحمن آية 17 ، يعني : آخرها ههنا وآخرها ثم ، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب ثم جمعهما ، فقال : بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ سورة المعارج آية 40 ، فذكر عدة تلك العيون كلها ، قال : وخلق الله بحرا فجرى دون السماء مقدار ثلاث فراسخ ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل ، لا يقطر منه قطرة ، والبحار كلها ساكنة ، وذلك البحر جار في سرعة السهم ، ثم انطلاقه في الهواء مستويا ، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب ، فتجري الشمس والقمر والخنس في لجة غمر ذلك البحر ، فذلك قوله تعالى : كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ سورة الأنبياء آية 33 ، والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر ، والذي نفس محمد بيده ، لو بدت الشمس من ذلك البحر ، لأحرقت كل شيء في الأرض حتى الصخور والحجارة ، ولو بدا القمر من ذلك لافتتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه ، قال ابْنُ عَبَّاسٍ : فقال علي بن أبي طالب , رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر ، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك , فما الخنس ؟ قال : يا علي , هن خمسة كواكب : البرجيس وزحل وعطارد وبهرام والزهرة ، فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات مثل الشمس والقمر العاديات معهما ، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد ، وهي تحوم مع السماء دورانا بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، قال النبي , صلى الله عليه وسلم : " فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك فانظروا إلى دوران الفلك مرة ههنا ومرة ههنا " ، فذلك دوران السماء ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة ودورانها اليوم كما ترون , وتلك صلاتها ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله ، فذلك قوله , عز وجل , يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا { 9 } وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا { 10 } فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ { 11 } سورة الطور آية 9-11 ، قال : فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض العيون على عجلتها , ومعها ثلاث مائة وستون ملكا ناشري أجنحتهم ، يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ، ليلا كان أو نهارا , فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات , فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته ، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر ، وهو الفلك ، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد ، وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء ، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم وهو المنتهى من كسوفها ، فإذا أراد أن يجعل آية دون آية ، وقع منها النصف ، أو الثلث ، أو الثلثان في الماء ، ويبقى سائر ذلك على العجلة ، فهو كسوف دون كسوف ، وبلاء للشمس ، أو للقمر ، وتخويف للعباد واستعتاب من الرب عز وجل ، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين : فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة ، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس ، وهم في ذلك يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، على قدر ساعات النهار ، أو ساعات الليل ، ليلا كان أو نهارا ، في الصيف كان ذلك ، أو في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع لكيلا يزيد في طولهما شيء ، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك , وجعل لهم تلك القوة ، والذي ترون من خروج الشمس ، أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما ، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة , فيحمدون الله على ما قواهم لذلك . ويتعلقون بعرا العجلة ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب ، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين ، فتسقط من أفق السماء في العين ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : وعجب من خلق الله وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك ، وذلك قول جبرائيل عليه السلام لسارة : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سورة هود آية 73 ، وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين , إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم ، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح ، اسم التي بالمشرق بالسريانية : مرقيسيا , وبالعربية : جابلق ، واسم التي بالمغرب بالسريانية : برجيسيا , وبالعربية : جابرس ، ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب ما بين كل بابين فرسخ ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراسة عليهم السلاح ، ولما يلحقهم نوبة الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور ، فوالذي نفس محمد بيده لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم ، لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب ، ومن ورائهم ثلاث أمم : منسك وتافيل وتاريس ، ومن دونهم يأجوج ومأجوج . وإن جبرائيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسري بي في المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل ، فأبوا أن يجيبوني , ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين ، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل , وإلى عبادته فأجابوا وأنا بوافيهم في الدين من أحسن منهم فهو مع محسنكم ومن أساء منهم ، فأولئك مع المسيئين منكم . ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث ، فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته ، فأنكروا ما دعوتهم إليه , فكفروا بالله عز وجل , وكذبوا رسله فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار ، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة ، حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا ، حتى تكون تحت العرش ، فتخر ساجدة ويسجد معها الملائكة الموكلون بها ، فتنحدر بها من سماء إلى سماء ، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر , فإذا انحدرت من بعض تلك العيون ، فذاك حين يضيء الصبح ، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء ، فذاك حين يضيء النهار ، قال : وجعل الله عند المشرق حجابا من الظلمة على البحر السابع , مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم ، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل ، فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ، ثم يستقبل المغرب ، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل أصابعه قليلا قليلا ، وهو يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها , ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء ، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء ، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، حتى يبلغ المغرب ، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق ، فضم جناحيه ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ، ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته ، إذا تناولها من الحجاب بالمشرق ، فيضعها عند المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل ، فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب ، نفخ في الصور , وانقضت الدنيا , فضوء النهار من قبل المشرق ، وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب ، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما ، إلى ارتفاعهما إلى السماء السابعة العليا ، إلى محبسهما تحت العرش ، حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد ، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد . فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش ، فكلما سجدت واستأذنت من أين تطلع ، لم يحر إليها جواب حتى يوافيها القمر , ويسجد معها ويستأذن من أين يطلع ، فلا يحار إليه جواب حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض ، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين ، في هوان من الناس وذلة من أنفسهم ، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي ، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه , فيصلي ورده كما كان يصلي قبل ذلك ، ثم يخرج فلا يرى الصبح فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ، ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت قبل حيني ، قال : ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل ورده الليلة الثانية , ثم يخرج فلا يرى الصبح ، فيزيده ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من الشر ، ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت من أول الليل ، ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة , فيصلي أيضا مثل ورده الليلة الثالثة ، ثم يخرج , فإذا هو بالليل مكانه , والنجوم قد استدارت , وصارت إلى مكانها من أول الليل ، فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة ، فيستلحمه الخوف ويستخفه البكاء ، ثم ينادي بعضهم بعضا ، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون ، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها ، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة ، والغافلون في غفلتهم ، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين ، أتاهما جبرائيل ، فيقول : إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور ، قال : فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما ، وأهل سرادقات العرش , وحملة العرش من فوقهما ، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت وخوف يوم القيامة ، قال : فبينا الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين مكورين كالغرابين ، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك ، فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها ، والأحبة عن ثمرة قلوبها ، فتشتغل كل نفس بما أتاها ، قال : فأما الصالحون والأبرار ، فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك لهم عبادة ، وأما الفاسقون والفجار ، فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم خسارة ، قال : فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ، ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا ، حتى إذا بلغا سرة السماء وهو منصفها ، أتاهما جبرائيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ولكن يغربهما في باب التوبة ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله , فما باب التوبة ؟ قال : يا عمر , خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب ، له مصراعين من ذهب مكللا بالدر والجوهر ، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع ، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب ، ثم ترفع إلى الله عز وجل ، قال معاذ بن جبل : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , وما التوبة النصوح ؟ قال : أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله , ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، قال : فيرد جبرائيل بالمصراعين فيلأم بينهما , ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط ، فإذا غلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة ، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسنا ، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك ، قال : فذلك قوله عز وجل : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا سورة الأنعام آية 158 ، قال أُبي بن كعب : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك ؟ وكيف بالناس والدنيا ؟ فقال : يا أبي , إن الشمس والقمر بعد ذلك يكسيان النور والضوء ، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك ، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية ، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الشجر ويبنوا فيها البنيان ، وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها ، إلى يوم ينفخ في الصور ، فقال حذيفة بن اليمان : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله ، فكيف هم عند النفخ في الصور ؟ فقال : يا حذيفة , والذي نفس محمد بيده ، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه ، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه ولا يتبايعانه ، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها ، ولتقومن الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ سورة العنكبوت آية 53 ، فإذا نفخ في الصور وقامت الساعة وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ، ولما يدخلوهما بعد إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر ، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال ترعد فرائصهما ، من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن ، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين ، فيقولان : إلهنا قد علمت طاعتنا ودءوبنا في عبادتك وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا ، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا ، فإنا لم ندع إلى عبادتنا ولم نذهب عن عبادتك ، قال : فيقول الرب تبارك وتعالى : صدقتما وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد ، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه , فارجعا إلى ما خلقتما منه ، قالا : إلهنا , ومم خلقتنا ؟ قال : خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه ، قال : فيلتمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا فتختلط بنور العرش فذلك قوله عز وجل : يُبْدِئُ وَيُعِيدُ سورة البروج آية 13 قال عكرمة : فقمت مع النفر الذين حدثوا به حتى أتينا كعبا ، فأخبرناه بما كان من وجد ابْنِ عَبَّاسٍ من حديثه وما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقام كعب معنا حتى أتينا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فقال : قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي , وأستغفر الله وأتوب إليه ، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي , ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود ، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل ، وعن سيد الأنبياء وخير النبيين ، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول ، قال عكرمة : فأعاد عليه ابْنِ عَبَّاسٍ الحديث وأنا أستقريه في قلبي بابا بابا ، فما زاد شيئا ولا نقص , ولا قدم شيئا ولا أخر ، فزادني ذلك في ابْنِ عَبَّاسٍ رغبة وللحديث حفظا , ومما روي عن السلف في ذلك .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
ابْنِ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
عِكْرِمَةَ | عكرمة مولى ابن عباس / ولد في :20 / توفي في :104 | ثقة |
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ | مقاتل بن حيان النبطي / توفي في :149 | صدوق فاضل عالم صالح |
أَبُو نُعَيْمٍ | عمر بن صبح العدوي | متروك الحديث |
خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ | خلف بن واصل | متهم بالوضع |
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ | محمد بن أبي منصور الآملي | مجهول الحال |