كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ يُوسُفَ ، عَنِ الْغُصْنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِنَحْوٍ مِنْهُ ، وَقَالا : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ يُوسُفَ ، عَنِ الْغُصْنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِنَحْوٍ مِنْهُ ، وَقَالا : فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ وَيُقَدِّمُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ مِنَ السِّنِينَ ، قَالَ : مئو سنين . قَالَ : فَمَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ . قَالَ : رَأَيْتُ الْقُرَى مَنْظُومَةً مَا بَيْنَ دِمَشْقَ وَالْحِيرَةِ ، تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحِيرَةِ فَلا تَزَوَّدُ إِلا رَغِيفًا . فَتَبَسَّمَ خَالِدٌ ، وَقَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ شَيْخِكَ إِلا عَقْلُهُ ؟ خَرِفْتَ وَاللَّهِ يَا عَمْرُو . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْحِيرَةِ ، فَقَالَ : أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكُمْ خَبَثَةٌ خَدَعَةٌ مَكَرَةٌ ، فَمَا لَكُمْ تَتَنَاوَلُونَ حَوَائِجَكُمْ بِخَرِفٍ لا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ جَاءَ ؟ فَتَجَاهَلَ لَهُ عَمْرٌو وَأَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَعْرِفُ بِهِ عَقْلُهُ ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ ، فَقَالَ : وَحَقِّكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ ؟ قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قَالَ : أَقْرَبُ أَمْ أَبْعَدُ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ . قَالَ : مِنْ بَطْنِ أُمِّي . قَالَ : فَأَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أَمَامِي . قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الآخِرَةَ . قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ أَقْصَى أَثَرِكَ ؟ قَالَ : مِنْ صُلْبِ أَبِي . قَالَ : فَفِيمَ أَنْتَ ؟ قَالَ : فِي ثِيَابِي . قَالَ : أَتَعْقِلُ ؟ قَالَ : إِي وَاللَّهِ وأقيدُ . قَالَ : فَوَجَدَهُ حِينَ فره عضا ، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِهِ أَعْلَمَ بِهِ ، فَقَالَ خَالِدٌ : قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا ، وَقَتَلَ أَرْضًا عَالِمُهَا ، وَالْقَوْمُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِمْ . فَقَالَ عَمْرٌو : أَيُّهَا الأَمِيرُ ، النَّمْلَةُ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِهَا مِنَ الْجَمَلِ بِمَا فِي بَيْتِ النَّمْلَةِ . وَشَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّفَرِ ، عَنْ ذِي الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيِّ . وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ ؛ فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ ، فَقَالَ : شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ مِنَ الضَّبَابِ . قَالُوا : وَكَانَ مَعَ ابْنِ بُقَيْلَةَ مُنْصِفٌ لَهُ ، فَعَلَّقَ كِيسًا فِي حَقْوِهِ ، فَتَنَاوَلَ خَالِدٌ الْكِيسَ وَنَثَرَ مَا فِيهِ فِي رَاحَتِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَمْرُو ؟ قَالَ : هَذَا وَأَمَانَةِ اللَّهِ سُمُّ سَاعَةٍ . قَالَ : وَلِمَ تَحْتَقِبِ السُّمَّ ؟ قَالَ : خَشِيتُ أَنْ تَكُونُوا عَلَى غَيْرِ مَا رَأَيْتُ ، وَقَدْ أَتَيْتُ عَلَى أَجَلِي وَالْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَكْرُوهٍ أُدْخِلُهُ عَلَى قَوْمِي وَأَهْلِ قَرْيَتِي . فَقَالَ خَالِدٌ : إِنَّهَا لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهَا ، وَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ رَبِّ الأَرْضِ وَرَبِّ السَّمَاءِ الَّذِي لَيْسَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَأَهْوَوْا إِلَيْهِ لِيَمْنَعُوهُ مِنْهُ وَبَادَرَهُمْ فَابْتَلَعَهُ . فَقَالَ عَمْرٌو : وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ ، لَتَمْلُكُنَّ مَا أَرَدْتُمْ مَا دَامَ مِنْكِم أَحَدٌ أَيُّهَا الْقرن ، وَأَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْحِيرَةِ ، فَقَالَ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ أَمْرًا أَوْضَحَ إِقْبَالا ، وَأَبَى خَالِدٌ أَنْ يُكَاتِبَهَمُ إِلا عَلَى إِسْلامِ كَرَامَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَسِيحِ إِلَى شُوَيْلٍ ، فَثَقَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَتْ : هَوِّنُوا عَلَيْكُمْ وَأَسْلِمُوني ؛ فَإِنِّي سَأَفْتَدِي ، فَفَعَلُوا . وَكَتَبَ خَالِدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : عَدِيًّا ، وَعَمْرًا ابْنَيْ عَدِيٍّ ، وَعَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ ، وَإِيَاسَ بْنِ قَبِيصَةَ وَحيريَّ بْنِ أَكَّالٍ ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ جبرى : وَهُمْ نُقَبَاءُ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْحِيرَةِ وَأَمَرُوهُمْ بِهِ ، عَاهَدَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَزَاءً عَنْ أَيْدِيهِمْ فِي الدُّنْيَا ، رُهْبَانِهِمْ وَقِسِّيسِهِمْ إِلا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِ ذِي يَدٍ حَبِيسًا عَنِ الدُّنْيَا تَارِكًا لَهَا ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : إِلا مَنْ كَانَ غَيْرَ ذِي يَدٍ حَبِيسًا عَنِ الدُّنْيَا تَارِكًا لَهَا ، أَوْ سَائِحًا تَارِكًا لِلدُّنْيَا ، وَعَلَى الْمَنْعَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَمْنَعَهُمْ ، وَإِنْ غَدَرُوا بِفِعْلٍ أَوْ بِقَوْلٍ فَالذِّمَّةُ مِنْهُمْ بَرِيئَةٌ . وَكَتَبَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا كَفَرَ أَهْلُ السَّوَادِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ اسْتَخَفُّوا بِالْكِتَابِ وَضَيَّعُوهُ ، وَكَفَرُوا فِيمَنْ كَفَرَ وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ فَارِسَ ، فَلَمَّا افْتَتَحَ الْمُثَنَّى ثَانِيَةً أَدْلَوا بِذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَيْهِ وَعَادَ بِشَرْطٍ آخَرَ ، فَلَمَّا غَلَبَ الْمُثَنَّى عَلَى الْبِلادِ كَفَرُوا وَأَعَانُوا وَاسْتَخَفُّوا وَأَضَاعُوا الْكِتَابَ ، فَلَمَّا افْتَتَحَهَا سَعْدٌ وَأَدْلَوا بِذَلِكَ سَأَلَهُمْ وَاحِدًا مِنَ الشَّرْطَيْنِ ، فَلَمْ يَجِيئُوا بِهِمَا فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ وَتَحَرَّى مَا يَرَى أَنَّهُمْ مُطِيقُونَ ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفٍ سِوَى الْحَرَزةِ ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : سِوَى الْخرزةِ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |