كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ السَّرِيِّ ، عَنِ الأَغَرِّ الْعِجْلِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ السَّرِيِّ ، عَنِ الأَغَرِّ الْعِجْلِيِّ ، قَالَ : أَقْبَل ذُو الْحَاجِبِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ بِقُسِّ النَّاطِفِ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مُعَسْكِرٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ بِالْمَرْوَحَةِ ، فَقَالَ : إِمَّا أَنْ تَعْبُرُوا إِلَيْنَا وَإِمَّا أَنْ نَعْبُرَ إِلَيْكُمْ . فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : بَلْ نَعْبُرُ إِلَيْكُمْ ، فَعَقَدَ ابْنُ صَلُوبَا الْجِسْرَ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا قَدْ رَأَتْ دَوْمَةُ امْرَأَةُ أَبِي عُبَيْدٍ رُؤْيَا ، وَهِيَ بِالْمَرْوَحَةِ : أَنَّ رَجُلا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ ، فَشَرِبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَبْرٌ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِهِ ، فَأَخْبَرَتْ بِهَا أَبَا عُبَيْدٍ ، فَقَالَ : هَذِهِ الشِّهَادَةُ ، وَعَهِدَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : إِنْ قُتِلْتُ فَعَلَى النَّاسِ جَبْرٌ ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَيْكُمْ فُلانٌ حَتَّى أَمَّرَ الَّذِينَ شَرِبُوا مِنَ الإِنَاءِ عَلَى الْوَلاءِ مِنْ كَلامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ قُتِلَ أَبُو الْقَاسِمِ فَعَلَيْكُمُ الْمُثَنَّى ، ثُمَّ نَهَدَ بِالنَّاسِ فَعَبَرَ وَعَبَرُوا إِلَيْهِمْ ، وَعَضِلَتِ الأَرْضُ بِأَهْلِهَا ، وَأَلْحَمَ النَّاسُ الْحَرْبَ ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْخُيُولُ إِلَى الْفِيَلَةِ عَلَيْهَا النَّخلُ ، وَالْخَيْلُ عَلَيْهَا التَّجَافِيفُ وَالْفِرْسَانُ عَلَيْهِمُ الشُّعُرُ ، رَأَتْ شَيْئًا مُنْكَرًا لَمْ تَكُنْ تَرَى مِثْلَهُ ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا حَمَلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ تَقَدَّمْ خُيُولُهُمْ ، وَإِذَا حَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْفِيَلَةِ وَالْجَلاجِلِ فَرَّقَتْ بَيْنَ كَرَادِيسِهِمْ ، لا تَقُومُ لَهَا الْخَيْلُ إِلا عَلَى نِفَارٍ ، وَخَزَقَهُمُ الْفُرْسُ بِالنُّشَّابِ ، وَعَضَّ الْمُسْلِمِينَ الأَلَمُ ، وَجَعَلُوا لا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ ، فَتَرَجَّلَ أَبُو عُبَيْدٍ وَتَرَجَّلَ النَّاسُ ، ثُمَّ مَشَوْا إِلَيْهِمْ فَصَافَحُوهُمْ بِالسُّيُوفِ ، فَجَعَلَتِ الْفِيَلَةُ لا تَحْمِلُ عَلَى جَمَاعَةٍ إِلا دَفَعَتْهُمْ ، فَنَادَى أَبُو عُبَيْدٍ : احْتَوِشُوا الْفِيلَةَ ، وَقَطِّعُوا بَطْنَهَا ، وَاقْلِبُوا عَنْهَا أَهْلَهَا ، وَوَاثَبَ هُوَ الْفِيلَ الأَبْيَضَ ، فَتَعَلَّقَ بِبِطَانِهِ ، فَقَطَعَهُ وَوَقَعَ الَّذِينَ عَلَيْهِ ، وَفَعَلَ الْقَوْمُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَمَا تَرَكُوا فِيلا إِلا حَطُّوا رَحْلَهُ ، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ ، وَأَهْوَى الْفِيلُ لأَبِي عُبَيْدٍ فَنَفَحَ مِشْفَرَهُ بِالسَّيْفِ ، فَاتَّقَاهُ الْفِيلُ بِيَدِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ يَتَجَرْثَمُهُ فَأَصَابَهُ بِيَدِهِ ، فَوَقَعَ فَخَبَطَهُ الْفِيلُ وَقَامَ عَلَيْهِ . فَلَمَّا بَصرَ النَّاسُ بِأَبِي عُبَيْدٍ تَحْتَ الْفِيلِ خَشَعَتْ أَنْفُسُ بَعْضِهِمْ ، وَأَخَذَ اللِّوَاءَ الَّذِي كَانَ أَمَّرَهُ بَعْدَهُ فَقَاتَلَ الْفِيلَ حَتَّى تَنَحَّى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، فَاجْتَرَّهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوا شِلْوَهُ ، وَتَجَرْثَمَ الْفِيل فَاتَّقَاهُ الْفِيلُ بِيَدِهِ دَأْبَ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَخَبَطَهُ الْفِيلُ وَقَامَ عَلَيْهِ ، وَتَتَابَعَ سَبْعَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ كُلُّهُمْ يَأْخُذُ اللِّوَاءَ فَيُقَاتِلُ حَتَّى يَمُوتَ ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ الْمُثَنَّى وَهَرَبَ النَّاسُ ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْثَدٍ الثَّقَفِيُّ مَا لَقِيَ أَبُو عُبَيْدٍ وَخُلَفَاؤُهُ وَمَا يَصْنَعُ النَّاسُ ، بَادَرَهُمْ إِلَى الْجِسْرِ فَقَطَعَهُ ، وَقَالَ : يَأَيُّهَا النَّاسُ مُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أُمَرَاؤُكُمْ أَوْ تَظْفُرُوا ، وَحَازَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْجِسْرِ ، وَخَشَعَ نَاسٌ فَتَوَاثَبُوا فِي الْفُرَاتِ ، فَغَرِقَ مَنْ لَمْ يَصْبِرْ ، وَأَسْرَعُوا فِيمَنْ صَبَرَ ، وَحَمَى الْمُثَنَّى وَفِرْسَانٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ النَّاسَ ، وَنَادَى : يَأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّا دُونَكُمْ فَاعْبُرُوا عَلَى هَيِّنَتِكُمْ وَلا تَدْهَشُوا ، فَإِنَّا لَنْ نُزَايِلَ حَتَّى نَرَاكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ ، وَلا تُغْرِقُوا أَنْفُسَكُمْ فَعَبَرُوا الْجِسْرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْثَدٍ قَائِمٌ عَلَيْهِ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الْعُبُورِ ، فَأَخَذُوهُ فَأَتَوْا بِهِ الْمُثَنَّى فَضَرَبَهُ ، وَقَالَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ ؟ قَالَ : لِيُقَاتِلُوا ، وَنَادَى مِنْ عَبَرَ فَجَاءُوا بِعُلُوجٍ ، فَضُمُّوا إِلَى السَّفِينَةِ الَّتِي قُطِعَتْ سَفَائِنُهَا وَعَبَرَ النَّاسُ ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ قُتِلَ عِنْدَ الْجِسْرِ سُلَيْطُ بْنُ قَيْسٍ ، وَعَبَرَ الْمُثَنَّى وَحَمَى جَانِبَهُ ، فَاضْطَرَبَ عَسْكَرُهُ وَرَامَهُمْ ذُو الْحَاجِبِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ . فَلَمَّا عَبَرَ الْمُثَنَّى وَحَمَى جَانِبَهُ ارْفَضَّ عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَحِقُوا بِالْمَدِينَةِ ، وَتَرَكَهَا بَعْضُهُمْ وَنَزَلُوا الْبَوَادِي وَبَقِيَ الْمُثَنَّى فِي قِلَّةٍ . .