كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، بِإِسْنَادِهِمَا ، قَالا : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، بِإِسْنَادِهِمَا ، قَالا : كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى صَدَقَاتِ هَوَازِنَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فِيمَنْ كَتَبَ إِلَيْهِ بِانْتِخَابِ ذَوِي الرَّأْيِ وَالنَّجْدَةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ سِلاحٌ أَوْ فَرَسٌ ، فَجَاءَهُ كِتَابُ سَعْدٍ : إِنِّي قَدِ انْتَخَبْتُ لَكَ أَلْفَ فَارِسٍ مؤد كُلَّهُمْ لَهُ نَجْدَةٌ وَرَأْيٌ ، وَصَاحَبُ حِيطَةٍ يَحُوطُ حَرِيمَ قَوْمِهِ وَيَمْنَعُ ذمَارَهُمْ إِلَيْهِمْ ، انْتَهَتْ أَحْسَابُهُمْ وَرَأْيُهُمْ فَشَأْنُكَ بِهِمْ ، وَوَافَقَ كِتَابُهُ مَشُورَتَهُمْ ، فَقَالُوا : قَدْ وَجَدْتُهُ . قَالَ : فَمَنْ ؟ قَالُوا : الأَسَدُ عَادِيًا . قَالَ : مَنْ ؟ قَالُوا : سَعْدٌ ، فَانْتَهَى إِلَى قَوْلِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ ، فَأَمَّرَهُ عَلَى حَرْبِ الْعِرَاقِ ، وَأَوْصَاهُ فَقَالَ : يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي وُهَيْبٍ لا يَغُرَّنَّكَ مِنَ اللَّهِ ، أَنْ قِيلَ : خَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ ، وَلَكِنَّهُ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ نَسَبٌ إِلا طَاعَتَهُ ، فَالنَّاسُ شَرِيفُهُمْ وَوَضِيعُهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ سَوَاءٌ ، اللَّهُ رَبُّهُمْ وَهُمْ عِبَادُهُ يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ وَيُدْرِكُونَ مَا عِنْدَهُ بِالطَّاعَةِ ، فَانْظُرِ الأَمْرَ الَّذِي رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُنْذُ بُعِثَ إِلَى أَنْ فَارَقَنَا فَالْزَمْهُ ، فَإِنَّهُ الأَمْرُ هَذِهِ عِظَتِي إِيَّاكَ ، إِنْ تَرَكْتَهَا وَرَغِبْتَ عَنْهَا حَبِطَ عَمَلُكَ وَكُنْتَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُسَرِّحَهُ ، دَعَاهُ فَقَالَ : إِنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ حَرْبَ الْعِرَاقِ فَاحْفَظْ وَصِيَّتِي ، فَإِنَّكَ تُقْدِمُ عَلَى أَمْرٍ شَدِيدٍ كَرِيهٍ لا يَخْلُصُ مِنْهُ إِلا الْحَقُّ ، فَعَوِّدْ نَفْسَكَ وَمَنْ مَعَكَ الْخَيْرَ وَاسْتَفْتِحْ بِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ عَادَةً عَتَادًا ، فَعَتَادُ الْخَيْرِ الصَّبْرُ فَالصَّبْرَ الصَّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكَ أَوْ نَابَكَ ، يَجْتَمِعُ لَكَ خَشْيَةُ اللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ فِي أَمْرَيْنِ : فِي طَاعَتِهِ ، وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ ، وَإِنَّمَا أَطَاعَهُ مَنْ أَطَاعَهُ بِبُغْضِ الدُّنْيَا وَحُبِّ الآخِرَةِ ، وَعَصَاهُ مَنْ عَصَاهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا وَبُغْضِ الآخِرَةِ ، وَلِلْقُلُوبِ حَقَائِقُ يُنْشِئُهَا اللَّهُ إِنْشَاءً ، مِنْهَا السِّرُّ وَمِنْهَا الْعَلانِيَةُ ، فَأَمَّا الْعَلانِيَةُ فَأَنْ يَكُونَ حَامِدُهُ وَذَامُّهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ ، وَأَمَّا السِّرُّ فَيُعْرَفُ بِظُهُورِ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَبِمَحَبَّةِ النَّاسِ ، فَلا تَزْهَدْ فِي التَّحَبُّبِ ، فَإِنَّ النَّبِيِّينَ قَدْ سَأَلُوا مَحَبَّتَهُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا حَبَّبَهُ ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا بَغَّضَهُ ، فَاعْتَبِرْ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَتِكَ عِنْدَ النَّاسِ مِمَّنْ يَشْرَعُ مَعَكَ فِي أَمْرِكَ ، ثُمَّ سَرَّحَهُ فِيمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ نَفِيرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَاصِدًا الْعِرَاقَ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ ، ثَلاثَةٍ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْيَمَنِ وَالسُّرَاةِ ، وَعَلَى أَهْلِ السَّرَوَاتِ حُمَيْضَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْضَةَ الْبَارِقِيُّ ، وَهُمْ بَارِقُ وَأَلْمَعُ وَغَامِدُ وَسَائِرُ إِخْوَتِهِمْ فِي سَبْعِ مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ السُّرَاةِ ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ أَلْفَانِ وَثَلاثُ مِائَةٍ ، مِنْهُمُ النَّخَعُ بْنُ عَمْرٍو وَجَمِيعُهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةُ آلافِ مُقَاتِلَتُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاءُهُمْ ، وَأَتَاهُمْ عُمَرُ فِي عَسْكَرِهِمْ فَأَرَادَهُمْ جَمِيعًا عَلَى الْعِرَاقِ ، فَأَبَوْا إِلا الشَّامَ وَأَبَى إِلا الْعِرَاقَ ، فَسَرَّحَ نِصْفَهُمْ فَأَمْضَاهُمْ نَحْوَ الْعِرَاقِ ، وَأَمْضَى النِّصْفَ الآخَرَ نَحْوَ الشَّامِ . .