كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ يُدْعَى الْوَازِعَ بْنَ زَيْدِ بْنِ خُلَيْدَةَ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ يُدْعَى الْوَازِعَ بْنَ زَيْدِ بْنِ خُلَيْدَةَ ، قَالَ : لَمَّا بَلَغَ عُمَرُ غَلَبَةَ الأَحْنَفِ عَلَى الْمَرْوَيْنِ وَبَلْخَ ، قَالَ : وَهُوَ الأَحْنَفُ ، وَهُوَ سَيِّدُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ الْمُسَمَّى بِغَيْرِ اسْمِهِ ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الأَحْنَفِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَلا تَجُوزَنَّ النَّهْرَ ، وَاقْتَصِرْ عَلَى مَا دُونَهُ ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ بِأَيِّ شَيْءٍ دَخَلْتُمْ عَلَى خُرَاسَانَ ، فَدَاوِمُوا عَلَى الَّذِي دَخَلْتُمْ بِهِ خُرَاسَانَ ، يَدُمْ لَكُمُ النَّصْرُ ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَعْبُرُوا فَتَنْفَضُّوا . وَلَمَّا بَلَغَ رَسُول يَزْدَجَرْد خَاقَان وَغَوْزَك ، لَمْ يَسْتَتِبْ لَهُمَا إِنْجَادُهُ حَتَّى عَبَرَا إِلَيْهِمَا النَّهْرَ مَهْزُومًا ، وَقَدِ اسْتَتَبَ فَأَنْجَدَهُ خَاقَانُ ، وَالْمُلُوكُ تَرَى عَلَى أَنْفُسِهَا إِنْجَادَ الْمُلُوكِ ، فَأَقْبَلَ فِي التُّرْكِ ، وَحَشَرَ أَهْلُ فَرْغَانَةَ وَالصُّغْدِ ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ ، وَخَرَجَ يَزْدَجَرْدُ رَاجِعًا إِلَى خُرَاسَانَ ، حَتَّى عَبَرَ إِلَى بَلْخَ ، وَعَبَرَ مَعَهُ خَاقَانُ ، فَأَرَزَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى مَرْوِ الرُّوذِ إِلَى الأَحْنَفِ ، وَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ بَلْخَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الأَحْنَفِ بِمَرْوِ الرُّوذِ ، وَكَانَ الأَحْنَفُ حِينَ بَلَغَهُ عُبُورُ خَاقَانَ الصُّغْدَ وَنَهْرَ بَلْخَ غَازِيًا لَهُ ، خَرَجَ فِي عَسْكَرِهِ لَيْلا يَتَسَمَّعُ ، هَلْ يَسْمَعُ بِرَأْيٍ يَنْتَفِعُ بِهِ ؟ فَمَرَّ بِرَجُلَيْنِ يُنَقِّيَانِ عَلَفًا إِمَّا تِبْنًا وَإِمَّا شَعِيرًا ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : لَوْ أَنَّ الأَمِيرَ أَسْنَدَنَا إِلَى هَذَا الْجَبَلِ ، فَكَانَ النَّهْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا خَنْدَقًا ، وَكَانَ الْجَبَلُ فِي ظُهُورِنَا مِنْ أَنْ نُؤْتَى مِنْ خَلْفِنَا ، وَكَانَ قِتَالُنَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، رَجَوْتُ أَنْ يَنْصُرَنَا اللَّهُ ، فَرَجَعَ وَاجْتَزَأَ بِهَا ، وَكَانَ فِي لَيْلَةٍ مِظْلِمَةٍ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَمَعَ النَّاسَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّكُمْ قَلِيلٌ وَإِنَّ عَدُوَّكُمْ كَثِيرٌ ، فَلا يَهُولَنَّكُمْ فَ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ سورة البقرة آية 249 ، ارْتَحِلُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا فَأَسْنِدُوا إِلَى هَذَا الْجَبَلِ ، فَاجْعَلُوهُ فِي ظُهُورِكُمْ ، وَاجْعَلُوا النَّهْرَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ ، وَقَاتِلُوهُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، فَفَعَلُوا وَقَدْ أَعَدُّوا مَا يُصْلِحُهُمْ ، وَهُوَ فِي عَشَرَةَ آلافٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ نَحْوٌ مِنْهُمْ ، وَأَقْبَلَتِ التُّرْكُ وَمَنْ أَجْلَبَتْ حَتَّى نَزَلُوا بِهِمْ ، فَكَانُوا يُغَادُونَهُمْ وَيُرَاوِحُونَهُمْ وَيَتَنَحَّوْنَ عَنْهُمْ بِاللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَطَلَبَ الأَحْنَفُ عِلْمَ مَكَانِهِمْ بِاللَّيْلِ ، فَخَرَجَ لَيْلَةً بَعْدَ مَا عَلِمَ عِلْمَهُمْ طَلِيعَةً لأَصْحَابِهِ ، حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَسْكَرِ خَاقَانَ ، فَوَقَفَ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ ، خَرَجَ فَارِسٌ مِنَ التُّرْكِ بِطَوْقِهِ وَضَرَبَ بِطَبْلِهِ ، ثُمَّ وَقَفَ مِنَ الْعَسْكَرِ مَوْقِفًا يَقِفُهُ مِثْلُهُ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَحْنَفُ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ ، فَطَعَنَهُ الأَحْنَفُ فَقَتَلَهُ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ عَلَى كُلِّ رَئِيسٍ حَقَّا أَنْ يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا إِنَّ لَنَا شَيْخًا بِهَا مُلَقَّى سَيْفُ أَبِي حَفْصِ الَّذِي تَبَقَّى ثُمَّ وَقَفَ مَوْقِفَ التُّرْكِيِّ وَأَخَذَ طَوْقَهُ ، وَخَرَجَ آخَرُ مِنَ التُّرْكِ فَفَعَلَ فِعْلَ صَاحِبِهِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ وَقَفَ دُونَهُ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَحْنَفُ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَطَعَنَهُ الأَحْنَفُ فَقَتَلَهُ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ : إِنَّ الرَّئِيسِ يَرْتَبِي وَيَطْلَعُ وَيَمْنَعُ الْخَلاءَ إِمَّا أَرْبَعُوا ثُمَّ وَقَفَ مَوْقِفَ التُّرْكِيِّ الثَّانِي ، وَأَخَذَ طَوْقَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ ثَالِثٌ مِنَ التُّرْكِ ، فَفَعَلَ فِعْلَ الرَّجُلَيْنِ ، وَوَقَفَ دُونَ الثَّانِي مِنْهُمَا ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَحْنَفُ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ ، فَطَعَنَهُ الأَحْنَفُ فَقَتَلَهُ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ : جَرْيُ الشُّمُوسِ نَاجِزًا بِنَاجِزِ مُحْتَفِلا فِي جَرْيِهِ مُشَارِزِ ثُمَّ انْصَرَفَ الأَحْنَفُ إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى دَخَلَهُ وَاسْتَعَدَّ ، وَكَانَ مِنْ شِيمَةِ التُّرْكِ أَنَّهُمْ لا يَخْرُجُونَ ، حَتَّى يَخْرُجُ ثَلاثَةٌ مِنْ فُرْسَانِهِمْ كَهُؤلاءِ كُلِّهِمْ ، يَضْرِبُ بِطَبْلِهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّالِثِ ، فَخَرَجَتِ التُّرْكُ لَيْلَتَئِذٍ بَعْدَ الثَّالِثِ ، فَأَتَوْا عَلَى فُرْسَانِهِمْ مُقَتَّلِينَ ، فَتَشَاءَمَ خَاقَانُ وَتَطَيَّرَ ، فَقَالَ : قَدْ طَالَ مُقَامُنَا ، وَقَدْ أُصِيبَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ بِمَكَانٍ لَمْ يُصَبْ بِمِثْلِهِ قَطُّ ، مَا لَنَا فِي قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ مِنْ خَيْرٍ ، فَانْصَرَفُوا بِنَا فَكَانَ وُجُوهُهُمْ رَاجِعِينَ ، وَارْتَفَعَ النَّهَارُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلا يَرَوْنَ شَيْئًا ، وَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِانْصِرَافِ خَاقَانَ إِلَى بَلْخَ ، وَقَدْ كَانَ يَزْدَجَرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ كِسْرَى ، تَرَكَ خَاقَانَ بِمَرْوِ الرُّوذِ ، وَخَرَجَ إِلَى مَرْوِ الشَّاهِجَانِ ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ وَمَنْ مَعَهُ ، فَحَصَرَهُمْ وَاسْتَخْرَجَ خَزَائِنَهُ مِنْ مَوْضِعِهَا ، وَخَاقَانُ بِبَلْخَ مُقِيمٌ لَهُ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلأَحْنَفِ : مَا تَرَى فِي اتِّبَاعِهِمْ ؟ فَقَالَ : أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ وَدَعُوهُمْ ، وَلَمَّا جَمَعَ يَزْدَجَرْدُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِمَّا وَضَعَ بِمَرْوَ ، فَأَعْجَلَ عَنْهُ ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ مِنْهَا ، إِذْ هُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ خَزَائِنِ أَهْلِ فَارِسَ ، وَأَرَادَ اللِّحَاقَ بِخَاقَانَ ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ فَارِسَ : أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ ؟ فَقَالَ : أُرِيدُ اللِّحَاقَ بِخَاقَانَ ، فَأَكُونُ مَعَهُ أَوْ بِالصِّينِ . فَقَالُوا لَهُ : مَهْلا فَإِنَّ هَذَا رَأْيُ سُوءٍ ، إِنَّكَ إِنَّمَا تَأْتِي قَوْمًا فِي مَمْلَكَتِهِمْ ، وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَقَوْمَكَ ، وَلَكِنِ ارْجِعْ بِنَا إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَنُصَالِحَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ أَوْفِيَاءُ وَأَهْلُ دِينٍ وَهُمْ يَلُونَ بِلادَنَا ، وَإِنَّ عَدُوًّا يَلِينَا فِي بِلادِنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مَمْلَكَةً ، مِنْ عَدُوٍّ يَلِينَا فِي بِلادِهِ ، وَلا دِينَ لَهُمْ ، وَلا نَدْرِي مَا وَفَاؤُهُمْ ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا عَلَيْهِ ، فَقَالُوا : فَدَعْ خَزَائِنَنَا نَرُدَّهَا إِلَى بِلادِنَا وَمَنْ يَلِيهَا ، وَلا تُخْرِجْهَا مِنْ بِلادِنَا إِلَى غَيْرِهَا ، فَأَبَى . فَقَالُوا : فَإِنَّا لا نَدَعُكَ ، فَاعْتَزَلُوا وَتَرَكُوهُ فِي حَاشِيَتِهِ ، فَاقْتَتَلُوا فَهَزَمُوهُ ، وَأَخَذُوا الْخَزَائِنَ وَاسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَنَكَبُوهُ ، وَكَتَبُوا إِلَى الأَحْنَفِ بِالْخَبَرِ ، فَاعْتَرَضَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بِمَرْوَ يَثْفِنُونَهُ فَقَاتَلُوهَ ، وَأَصَابُوهُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ ، وَأَعْجَلُوهُ عَنِ الأَثْقَالِ ، وَمَضَى مُوَائِلا حَتَّى قَطَعَ النَّهْرَ إِلَى فَرْغَانَةَ وَالتُّرْكِ ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا زَمَانَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّهُ ، يُكَاتِبُهُمْ وَيُكَاتِبُونَهُ ، أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ ، فَكَفَرَ أَهْلُ خُرَاسَانَ زَمَانَ عُثْمَانَ ، وَأَقْبَلَ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى الأَحْنَفِ فَصَالَحُوهُ وَعَاقَدُوهُ ، وَدَفَعُوا إِلَيْهِ تِلْكَ الْخَزَائِنَ وَالأَمْوَالَ ، وَتَرَاجَعُوا إِلَى بُلْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَلَى أَفْضَلِ مَا كَانُوا فِي زَمَانِ الأَكَاسِرَةِ فَكَانُوا كَأَنَّمَا هُمْ فِي مُلْكِهِمْ ، إِلا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْفَى لَهُمْ وَأَعْدَلُ عَلَيْهِمْ ، فَاغْتَبَطُوا وَغُبِطُوا ، وَأَصَابَ الْفَارِسُ يَوْمَ يَزْدَجَرْدَ كَسَهْمِ الْفَارِسِ يَوْمِ الْقَادِسِيَّةِ ، وَلَمَّا خَلَعَ أَهْلُ خُرَاسَانَ زَمَانَ عُثْمَانَ ، أَقْبَلَ يَزْدَجَرْدُ حَتَّى نَزَلَ بِمَرْوَ ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَأَهْلُ خُرَاسَانَ ، أَوَى إِلَى طَاحُونَةٍ فَأَتَوْا عَلَيْهِ يَأْكُلُ مِنْ كُرْدٍ حَوْلَ الرَّحَى ، فَقَتَلُوهُ ثُمَّ رَمَوْا بِهِ فِي النَّهْرِ ، وَلَمَّا أُصِيبَ يَزْدَجَرْدُ بِمَرْوَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُخْتَبِئٌ فِي طَاحُونَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَ اللِّحَاقَ بِكَرْمَانَ ، فَاحْتَوَى فَيْئَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الأَحْنَفَ ، فَسَارَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ فِي النَّاسِ إِلَى بَلْخَ يُرِيدُ خَاقَانَ ، وَيَتْبَعُ حَاشِيَةَ يَزْدَجَرْدَ وَأَهْلَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ ، وَخَاقَانُ وَالتُّرْكُ بِبَلْخَ ، فَلَمَّا سَمِعَ بِمَا لَقِيَ يَزْدَجَرْدُ ، وَبِخُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الأَحْنَفِ مِنْ مَرْوِ الرُّوذِ نَحْوَهُ ، تَرَكَ بَلْخَ وَعَبَرَ النَّهْرَ ، وَأَقْبَلَ الأَحْنَفُ حَتَّى نَزَلَ بَلْخَ ، وَنَزَلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي كُوَرِهَا الأَرْبَعِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرْوِ الرُّوذِ فَنَزَلَ بِهَا ، وَكَتَبَ بِفَتْحِ خَاقَانَ وَيَزْدَجَرْدَ إِلَى عُمَرَ ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالأَخْمَاسِ ، وَوَفَدَ إِلَيْهِ الْوُفُودُ ، قَالُوا : وَلَمَّا عَبَرَ خَاقَانُ النَّهْرَ ، وَعَبَرَتْ مَعَهُ حَاشِيَةُ آلِ كِسْرَى ، أَوْ مَنْ أَخَذَ نَحْوَ بَلْخَ مِنْهُمْ مَعَ يَزْدَجَرْدَ ، لَقُوا رَسُولَ يَزْدَجَرْدَ الَّذِي كَانَ بُعِثَ إِلَى مَلِكِ الصِّينِ ، وَأُهْدِيَ إِلَيْهِ مَعَهُ ، وَمَعَهُ جَوَابُ كِتَابِهِ مِنْ مَلِكِ الصِّينِ ، فَسَأَلُوهُ عَمَّا وَرَاءَهُ ، فَقَالَ : لَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالْهَدَايَا ، كَافَأْنَا بِمَا تَرَوْنَ وَأَرَاهُمْ هَدِيَّتَهُ ، وَأَجَابَ يَزْدَجَرْدُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِهَذَا الْكِتَابِ ، بَعْدَ مَا كَانَ ، قَالَ لِي : قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ حَقًّا عَلَى الْمُلُوكِ إِنْجَادُ الْمُلُوكِ عَلَى مَنْ غَلَبَهُمْ ، فَصِفْ لِي صِفَةَ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ ، فَإِنِّي أَرَاكَ تَذْكُرُ قِلَّةً مِنْهُمْ ، وَكَثْرَةً مِنْكُمْ ، وَلا يَبْلُغُ أَمْثَالُ هَؤُلاءِ الْقَلِيلِ الَّذِينَ تَصِفُ مِنْكُمْ فِيمَا أَسْمَعُ مِنْ كَثْرَتِكُمْ ، إِلا بِخَيْرٍ عِنْدَهُمْ وَشَرٍّ فِيكُمْ ، فَقُلْتُ : سَلْنِي عَمَّا أَحْبَبْتَ ، فَقَالَ : أَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ ؟ قُلْتُ : يَدْعُونَنَا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلاثٍ : إِمَّا دِينُهُمْ فَإِنْ أَجَبْنَاهُمْ أَجْرُونَا مُجْرَاهُمْ ، أَوِ الْجِزْيَةُ وَالْمَنَعَةُ ، أَوِ الْمُنَابَذَةُ ، قَالَ : فَكَيْفَ طَاعَتُهُمْ أُمَرَاءَهُمْ ؟ قُلْتُ : أَطْوَعُ قَوْمٍ لِمُرْشِدِهِمْ . قَالَ : فَمَا يُحِلُّونَ وَمَا يُحَرِّمُونَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : أَيُحَرِّمُونَ مَا حُلِّلَ لَهُمْ ، أَوْ يُحِلُّونَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ ؟ قُلْتُ : لا ، قَالَ : فَإِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَهْلِكُونَ أَبَدًا حَتَّى يُحِلُّوا حَرَامَهُمْ وَيُحَرِّمُوا حَلالَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ لِبَاسِهِمْ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، وَعَنْ مَطَايَاهُمْ فَقُلْتُ : الْخَيْلُ الْعِرَابُ وَوَصَفْتُهَا . فَقَالَ : نِعْمَتِ الْحُصُونُ هَذِهِ ، وَوَصَفْتُ لَهُ الإِبِلَ وَبُرُوكَهَا وَانْبِعَاثَهَا بِحَمْلِهَا ، فَقَالَ : هَذِهِ صِفَةُ دَوَابٍّ طِوَالِ الأَعْنَاقِ ، وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى يَزْدَجَرْدَ : أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْكَ بِجَيْشٍ أَوَّلُهُ بِمَرْوَ وَآخِرُهُ بِالصِّينِ ، الْجَهَالَةُ بِمَا يَحِقُّ عَلَيَّ ، وَلَكِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَ لِي رَسُولُكَ صِفَتَهُمْ ، لَوْ يُحَاوِلُونَ الْجِبَالَ لَهَدُّوَها ، وَلَوْ خُلِّيَ لَهُمْ سِرْبُهُمْ أَزَالُونِي مَا دَامُوا عَلَى مَا وَصَفَ ، فَسَالِمْهُمْ وَارْضَ مِنْهُمْ بِالْمُسَاكَنَةِ ، وَلا تُهِجْهُمْ مَا لَمْ يُهِيجُوكَ ، وَأَقَامَ يَزْدَجَرْدُ وَآلُ كِسْرَى بِفَرْغَانَةَ مَعَهُمْ عَهْدٌ مِنْ خَاقَانَ ، وَلَمَّا وَقَعَ الرَّسُولُ بِالْفَتْحِ ، وَالْوَفْدُ بِالْخَبَرِ وَمَعَهُمُ الْغَنَائِمُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ قِبَلِ الأَحْنَفِ ، جَمَعَ النَّاسَ وَخَطَبَهُمْ ، وَأَمَرَ بِكِتَابِ الْفَتْحِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ذَكَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَعَثَهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى ، وَوَعَدَ عَلَى أَتْبَاعِهِ مِنْ عَاجِلِ الثَّوَابِ وَآجِلِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، فَقَالَ : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ سورة التوبة آية 33 فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ جُنْدَهُ ، أَلا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مُلْكَ الْمَجُوسِيَّةِ وَفَرَّقَ شَمْلَهُمْ ، فَلَيْسُوا يَمْلِكُونَ مِنْ بِلادِهِمْ شِبْرًا يَضُرُّ بِمُسْلِمٍ ، أَلا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ ، لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، أَلا وَإِنَّ الْمِصْرَيْنِ مِنْ مَسَالِحِهَا الْيَوْمَ كَأَنْتُمْ ، وَالْمِصْرَيْنِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْبُعْدِ ، وَقَدْ وَغَلُوا فِي الْبِلادِ وَاللَّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ ، وَمُنْجِزٌ وَعْدَهُ ، وَمُتْبِعٌ آخِرَ ذَلِكَ أَوَّلَهُ ، فَقُومُوا فِي أَمْرِهِ عَلَى رَجُلٍ يُوفِ لَكُمْ بِعَهْدِهِ وَيُؤْتِكُمْ وَعْدَهُ ، وَلا تَبَدَّلُوا وَلا تُغَيِّرُوا ، فَيَسْتَبْدِلَ اللَّهُ بِكُمْ غَيْرَكُمْ ، فَإِنِّي لا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ تُؤْتَى إِلا مِنْ قِبَلَكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : ثُمَّ إِنْ أَدَّانِي أَهْلُ خُرَاسَانَ وَأَقَاصِيهِ اعْتَرَضُوا زَمَانَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِسَنَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ إِمَارَتِهِ ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ خَبَرِ انْتِقَاضِهِمْ ، فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ مَقْتَلِ يَزْدَجَرْدَ ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَكَانَتْ عُمَّالُهُ عَلَى الأَمْصَارِ فِيهَا ، عُمَّالَهُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَيْهَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَيْرَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ، فَإِنَّ عَامِلَهُ عَلَى الْكُوفَةِ وَعَلَى الأَحْدَاثِ كَانَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |