فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السَّرِيُّ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، قَالا : كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لا يَغْشَاهُ ، إِلا نَازِلَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَوُجُوهُ أَهْلِ الأَيَّامِ ، وَأَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ ، وَقُرَّاءُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَالْمُتَسَمِّتُونَ ، وَكَانَ هَؤُلاءِ دخلته إِذَا خَلا ، فَأَمَّا إِذَا جَلَسَ النَّاسُ ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ ، فَجَلَسَ لِلنَّاسِ يَوْمًا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَبَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ يَتَحَدَّثُونَ ، قَالَ خُنَيْسُ بْنُ فُلانٍ : مَا أَجْوَدَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ : إِنَّ مَنْ لَهُ مِثْلُ النَّشَاسْتَجَ لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ جَوَادًا ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَهُ لأَعَاشَكُمُ اللَّهُ عَيْشًا رَغْدًا ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خُنَيْسٍ ، وَهُوَ حَدَثٌ : وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْمِلْطَاطَ لَكَ ، يَعْنِي : مَا كَانَ لآلِ كِسْرَى عَلَى جَانِبِ الْفُرَاتِ الَّذِي يَلِي الْكُوفَةَ ، قَالُوا : فَضَّ اللَّهُ فَاكَ ، وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْنَا بِكَ . فَقَالَ خُنَيْسٌ : غُلامٌ فَلا تُجَازُوهُ . فَقَالُوا : يَتَمَنَّى لَهُ مِنْ سَوَادِنَا ، قَالَ : وَيَتَمَنَّى لَكُمْ أَضْعَافَهُ ، قَالُوا : لا يَتَمَنَّى لَنَا وَلا لَهُ ، قَالَ : مَا هَذَا بِكُمْ ؟ قَالُوا : أَنْتَ وَاللَّهِ أَمَرْتَهُ بِهَا ، فَثَارَ إِلَيْهِ الأَشْتَرُ وَابْنُ ذِي الْحُبْكَةِ ، وَجُنْدُبٌ ، وَصَعْصَعَةُ ، وَابْنُ الْكَوَّاءِ ، وَكُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ ، وَعُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ فَأَخَذُوهُ ، فَذَهَبَ أَبُوهُ لِيَمْنَعَ مِنْهُ فَضَرَبُوهُمَا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِمَا ، وَجَعَلَ سَعِيدٌ يُنَاشِدُهُمْ وَيَأْبَوْنَ حَتَّى قَضَوْا مِنْهُمَا وَطَرًا ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو أَسَدٍ فَجَاءُوا فِيهِمْ طُلَيْحَةُ ، فَأَحَاطُوا بِالْقَصْرِ ، وَرَكِبَتِ الْقَبَائِلُ فَعَاذُوا بِسَعِيدٍ ، وَقَالُوا : أَفْلَتْنَا وَتَخَلَّصْنَا ، فَخَرَجَ سَعِيدٌ إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ قَوْمٌ تَنَازَعُوا وَتَهَاوَوْا ، وَقَدْ رَزَقَ اللَّهُ الْعَافِيَةَ ، ثُمَّ قَعَدُوا وَعَادُوا فِي حَدِيثِهِمْ وَتَرَاجَعُوا ، فَسَأَلَهُمْ وِرْدَهُمْ ، وَأَفَاقَ الرَّجُلانِ ، فَقَالَ : أَبِكُمَا حَيَاةٌ ؟ قَالا : قَتَلَتْنَا غَاشِيَتُكَ ، قَالَ : لا يَغْشُونِي وَاللَّهِ أَبَدًا فَاحْفَظَا عَلَيَّ أَلْسِنَتَكُمَا ، وَلا تُجَرِّئَا عَلَيَّ النَّاسَ . فَفَعَلا وَلَمَّا انْقَطَعَ رَجَاءُ أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ ذَلِكَ ، قَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الإِذَاعَةِ ، حَتَّى لامَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي أَمْرِهِمْ ، فَقَالَ : هَذَا أَمِيرُكُمْ ، وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أُحَرِّكُ شَيْئًا فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُحَرِّكَ شَيْئًا ، فَلْيُحَرِّكْهُ ، فَكَتَبَ أَشْرَافُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَصُلَحَاؤُهُمْ إِلَى عُثْمَانَ فِي إِخْرَاجِهِمْ ، فَكَتَبَ : إِذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَلْحِقُوهُمْ بِمُعَاوِيَةَ ، فَأَخْرِجُوهُمْ ، فَذُلُّوا وَانْقَادُوا حَتَّى أَتَوْهُ وَهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ ، فَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ ، وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ : إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ أَخْرَجُوا إِلَيْكَ نَفَرًا خُلِقُوا لِلْفِتْنَةِ ، فَرَعْهُمْ وَقُمْ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ آنَسْتَ مِنْهُمْ ، رُشْدًا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَإِنْ أَعْيَوْكَ فَارْدُدْهُمْ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ رَحَّبَ بِهِمْ ، وَأَنْزَلَهُمْ كَنِيسَةً تُسَمَّى مَرْيَمَ ، وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ بِأَمْرِ عُثْمَانَ مَا كَانَ يُجْرَى عَلَيْهِمْ بِالْعِرَاقِ ، وَجَعَلَ لا يَزَالُ يَتَغَدَّى وَيَتَعَشَّى مَعَهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ يَوْمًا : إِنَّكُمْ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ لَكُمْ أَسْنَانٌ وَأَلْسِنَةٌ ، وَقَدْ أَدْرَكْتُمْ بِالإِسْلامِ شَرَفًا ، وَغَلَبْتُمُ الأُمَمَ وَحَوَيْتُمْ مَرَاتِبَهُمْ وَمَوَارِيثَهُمْ ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ نَقِمْتُمْ قُرَيْشًا ، وَأَنَّ قُرَيْشًا لَوْ لَمْ تَكُنْ عُدْتُمْ أَذِلَّةً كَمَا كُنْتُمْ ، إِنَّ أَئِمَّتَكُمْ لَكُمْ إِلَى الْيَوْمِ جُنَّةٌ ، فَلا تَسُدُّوا عَنْ جُنَّتِكُمْ ، وَإِنَّ أَئِمَّتَكُمُ الْيَوْمَ يَصْبِرُونَ لَكُمْ عَلَى الْجَوْرِ ، وَيَحْتَمِلُونَ مِنْكُمُ الْمَئُونَةَ ، وَاللَّهِ لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيَبْتَلِيَنَّكُمُ اللَّهُ بِمَنْ يَسُومُكُمْ ، ثُمَّ لا يَحْمِدُكُمْ عَلَى الصَّبْرِ ، ثُمَّ تَكُونُونُ شُرَكَاءَهُمْ فِيمَا جَرَرْتُمْ عَلَى الرَّعِيَّةِ فِي حَيَاتِكُمْ وَبَعْدَ مَوْتِكُمْ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ الْعَرَبِ وَلا أَمْنَعَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتُخَوِّفُنَا ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْجُنَّةِ ، فَإِنَّ الْجُنَّةَ إِذَا اخْتُرِقَتْ خَلَصَ إِلَيْنَا . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : عَرَفْتُكُمُ الآنَ ، عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَغْرَاكُمْ عَلَى هَذَا قِلَّةُ الْعُقُولِ ، وَأَنْتَ خَطِيبُ الْقَوْمِ وَلا أَرَى لَكَ عَقْلا ، أُعَظِّمُ عَلَيْكَ أَمْرَ الإِسْلامِ وَأُذَكِّرُكَ بِهِ ، وَتُذَكِّرُنِي الْجَاهِلِيَّةَ ! وَقَدْ وَعَظْتُكَ وَتَزْعُمُ لِمَا يَجِنُّكَ أَنَّهُ يُخْتَرَقُ ، وَلا يُنْسَبُ مَا يُخْتَرَقُ إِلَى الْجُنَّةِ ! أَخْزَى اللَّهُ أَقْوَامًا أَعْظَمُوا أَمْرَكُمْ ، وَرَفَعُوا إِلَى خَلِيفَتِكُمْ ، افْقَهُوا وَلا أَظُنُّكُمْ تَفْقَهُونَ أَنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَعِزَّ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ إِلا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَمْ تَكُنْ بِأَكْثَرِ الْعَرَبِ وَلا أَشَدَّهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَكْرَمَهُمْ أَحْسَابًا وَأَمْحَضَهُمْ أَنْسَابًا ، وَأَعْظَمَهُمْ أَخْطَارًا ، وَأَكْمَلَهُمْ مُرُوءَةً ، وَلَمْ يَمْتَنِعُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّاسُ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا بِاللَّهِ ، الَّذِي لا يُسْتَذَلُّ مَنْ أَعَزَّ ، وَلا يُوضَعُ مَنْ رَفَعَ ، فَبَوَّأَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُتَخَطَّفُ النَّاسَ مِنْ حَوْلِهِمْ ، هَلْ تَعْرِفُونَ عُرْبًا أَوْ عُجْمًا أَوْ سُودًا أَوْ حُمْرًا ، إِلا قَدْ أَصَابَهُ الدَّهْرُ فِي بَلَدِهِ وَحُرْمَتِهِ بِدَوْلَةٍ ، إِلا مَا كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِكَيْدٍ إِلا جَعَلَ اللَّهُ خَدَّهُ الأَسْفَلَ ، حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَنَقَّذَ مَنْ أَكْرَمَ وَاتَّبَعَ دِينَهُ مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا ، وَسُوءِ مَرَدِّ الآخِرَةِ ، فَارْتَضَى لِذَلِكَ خَيْرَ خَلْقِهِ ، ثُمَّ ارْتَضَى لَهُ أَصْحَابًا ، فَكَانَ خِيَارُهُمْ قُرَيْشًا ، ثُمَّ بَنَى هَذَا الْمُلْكَ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ هَذِهِ الْخِلافَةَ فِيهِمْ ، وَلا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِلا عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ اللَّهُ يَحُوطُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ، أَفَتَرَاهُ لا يَحُوطُهُمْ وَهُمْ عَلَى دِينِهِ ، وَقَدْ حَاطَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ كَانُوا يَدِينُونَكُمْ ! أُفٍّ لَكَ وَلأَصْحَابِكَ ، وَلَوْ أَنَّ مُتَكَلِّمًا غَيْرَكَ تَكَلَّمَ وَلَكِنَّكَ ابْتَدَأْتَ ، فَأَمَّا أَنْتَ يَا صَعْصَعَةُ ، فَإِنَّ قَرْيَتَكَ شَرُّ قُرَى عَرَبِيَّةً ، أَنْتَنُهَا نَبْتًا ، وَأَعْمَقُهَا وَادِيًا ، وَأَعْرَفُهَا بِالشَّرِّ ، وَأَلأَمُهَا جِيرَانًا ، لَمْ يَسْكُنْهَا شَرِيفٌ قَطُّ وَلا وَضِيعٌ إِلا سُبَّ بِهَا ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُجْنَةً ، ثُمَّ كَانُوا أَقْبَحَ الْعَرَبِ أَلْقَابًا ، وَأَلأَمَهُ أَصْهَارًا نُزَّاعَ الأُمَمِ ، وَأَنْتُمْ جِيرَانُ الْخَطِّ وَفَعَلَةُ فَارِسٍ ، حَتَّى أَصَابَتْكُمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَكَبَتْكَ دَعْوَتُهُ ، وَأَنْتَ نَزِيعُ شَطِيرٍ فِي عُمَانَ ، لَمْ تَسْكُنِ الْبَحْرَيْنَ فَتُشْرِكَهُمْ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْتَ شَرُّ قَوْمِكَ ، حَتَّى إِذَا أَبْرَزَكَ الإِسْلامُ ، وَخَلَطَكَ بِالنَّاسِ ، وَحَمَلَكَ عَلَى الأُمَمِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْكَ ، أَقْبَلْتَ تَبْغِي دِينَ اللَّهِ عِوَجًا ، وَتَنْزَعُ إِلَى اللآمة وَالذِّلَّةِ ، وَلا يَضَعُ ذَلِكَ قُرَيْشًا ، وَلَنْ يَضُرَّهُمْ ، وَلَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ تَأْدِيَةِ مَا عَلَيْهِمْ . إِنَّ الشَّيْطَانَ عَنْكُمْ غَيْرُ غَافِلٍ ، قَدْ عَرَفَكُمْ بِالشَّرِّ مِنْ بَيْنِ أُمَّتِكُمْ ، فَأَغْرَى بِكُمُ النَّاسَ ، وَهُوَ صَارِعُكُمْ ، لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّ بِكُمْ قَضَاءً قَضَاهُ اللَّهُ ، وَلا أَمْرًا أَرَادَهُ اللَّهُ ، وَلا تُدْرِكُونَ بِالشَّرِّ أَمْرًا أَبَدًا ، إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شَرًّا مِنْهُ وَأَخْزَى ، ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهُمْ فَتَذَامَرُوا ، فَتَقَاصَرَتْ إِلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُمْ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَاذْهَبُوا حَيْثُ شِئْتُمْ ، لا وَاللَّهِ لا يَنْفَعُ بِكُمْ أَحَدًا وَلا يَضُرُّهُ ، وَلا أَنْتُمْ بِرِجَالِ مَنْفَعَةٍ وَلا مَضَرَّةٍ ، وَلَكِنَّكُمْ رِجَالُ نَكِيرٍ وَبُعْدٍ ، فَإِنْ أَرَدْتُمُ النَّجَاةَ فَالْزَمُوا جَمَاعَتَكُمْ ، وَلِيَسَعَكُمْ مَا وَسِعَ الدَّهْمَاءَ ، وَلا يَبْطِرَنَّكُمُ الأَنْعَامُ ، فَإِنَّ الْبَطَرَ لا يَعْتَرِي الْخِيَارَ . اذْهَبُوا حَيْثُ شِئْتُمْ ، فَإِنِّي كَاتِبٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيكُمْ . فَلَمَّا خَرَجُوا دَعَاهُمْ ، فَقَالَ : إِنِّي مُعِيدٌ عَلَيْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْصُومًا ، فَوَلانِي وَأَدْخَلَنِي فِي أَمْرِهِ ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَلانِي ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَوَلانِي ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فَوَلانِي ، فَلَمْ أَلِ لأَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يُوَلِّنِي إِلا وَهُوَ رَاضٍ عَنِّي ، وَإِنَّمَا طَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَعْمَالِ أَهْلَ الْجَزَاءِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَالْغِنَاءِ ، وَلَمْ يَطْلُبْ لَهَا أَهْلَ الاجْتِهَادِ وَالْجَهْلِ بِهَا وَالضَّعْفِ عَنْهَا ، وَإِنَّ اللَّهَ ذُو سَطَوَاتٍ وَنَقَمَاتٍ ، يَمْكُرُ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ ، فَلا تَعْرِضُوا لأَمْرٍ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ غَيْرَ مَا تُظْهِرُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ غَيْرُ تَارِكُكُمْ حَتَّى يَخْتَبِرَكُمْ ، وَيُبْدِي لِلنَّاسِ سَرَائِرَكُمْ ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : الم { 1 } أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ { 2 } سورة العنكبوت آية 1-2 وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ : إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ أَقْوَامٌ ، لَيْسَتْ لَهُمْ عُقُولٌ وَلا أَدْيَانٌ ، أَثْقَلَهُمُ الإِسْلامُ وَأَضْجَرَهُمُ الْعَدْلُ ، لا يُرِيدُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ ، وَلا يَتَكَلَّمُونَ بِحُجَّةٍ ، إِنَّمَا هَمَّهُمُ الْفِتْنَةُ وَأَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَاللَّهُ مُبْتَلِيهِمْ وَمُخْتَبِرُهُمْ ثُمَّ فَاضِحُهُمْ وَمُخْزِيهِمْ ، وَلَيْسُوا بِالَّذِينَ يَنْكُونَ أَحَدًا إِلا مَعَ غَيْرِهِمْ ، فَانْهَ سَعِيدًا وَمَنْ قِبَلَهُ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا الأَكْثَرَ مِنْ شَغْبٍ أَوْ نَكِيرٍ . وَخَرَجَ الْقَوْمُ مِنْ دِمَشْقَ ، فَقَالُوا : لا تَرْجِعُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ يَشْمَتُونَ بِكُمْ ، وَمِيلُوا بِنَا إِلَى الْجَزِيرَةِ ، وَدَعُوا الْعِرَاقَ وَالشَّامَ . فَأَوَوْا إِلَى الْجَزِيرَةِ ، وَسَمِعَ بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ وَلاهُ حِمْصَ ، وَوَلَّى عَامِلَ الْجَزِيرَةِ حَرَّانَ وَالرُّقَّةَ ، فَدَعَا بِهِمْ ، فَقَالَ : يَا آلَةَ الشَّيْطَانِ لا مَرْحَبًا بِكُمْ وَلا أَهْلا ، قَدْ رَجَعَ الشَّيْطَانُ مَحْسُورًا ، وَأَنْتُمْ بَعْدُ نِشَاطٌ ، خَسَّرَ اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِنْ لَمْ يُؤَدِّبْكُمْ حَتَّى يُحَسِّرْكُمْ ، يَا مَعْشَرَ مَنْ لا أَدْرِي أَعُرْبٌ أَمْ عُجْمٌ ! لِكَيْ لا تَقُولُوا لِي مَا يَبْلُغُنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ لِمُعَاوِيَةَ ، أَنَا ابْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، أَنَا ابْنُ مَنْ قَدْ عَجِمَتْهُ الْعَاجِمَاتُ ، أَنَا ابْنُ فَاقِئِ الرِّدَّةِ ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِي يَا صَعْصَعَةُ بْنَ ذُلٍّ أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ مَعِي دَقَّ أَنْفَكَ ثُمَّ أَمَصَّكَ ، لأَطِيرَنَّ بِكَ طَيْرَةً بَعِيدَةَ الْمَهْوَى . فَأَقَامَهُمْ أَشْهُرًا ، كُلَّمَا رَكِبَ أَمْشَاهُمْ ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ صَعْصَعَةُ ، قَالَ : يَا ابْنَ الْحُطَيْئَةِ أَعَلِمْتَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ الْخَيْرُ أَصْلَحَهُ الشَّرُّ ؟ ! مَا لَكَ لا تَقُولُ كَمَا كَانَ يَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَقُولُ لِسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ ؟ ! فَيَقُولُ : وَيَقُولُونَ : نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ ، أَقِلَّنَا أَقَالَكَ اللَّهُ . فَمَا زَالُوا بِهِ ، حَتَّى قَالَ : تَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ . وَسَرَّحَ الأَشْتَرَ إِلَى عُثْمَانَ ، وَقَالَ لَهُمْ : مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ فَاخْرُجُوا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَأَقِيمُوا . وَخَرَجَ الأَشْتَرُ فَأَتَى عُثْمَانَ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالنُّزُوعِ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : سَلَّمَكُمُ اللَّهُ . وَقَدِمَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِلأَشْتَرِ : احْلِلْ حَيْثُ شِئْتَ . فَقَالَ : مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ ، وَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ . فَقَالَ : ذَاكَ إِلَيْكُمْ . فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
السَّرِيُّ | السري بن يحيى التميمي | ثقة |