مَا حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَا حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : " سَمِعَ عُثْمَانُ أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ أَقْبَلُوا ، قَالَ : فَاسْتَقْبَلَهُمْ وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ لَهُ خَارِجَةً مِنَ الْمَدِينَةِ ، أَوْ كَمَا قَالَ : فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ . قَالَ : وَكَرِهَ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَأَتَوْهُ . فَقَالُوا لَهُ : ادْعُ بِالْمُصْحَفِ . قَالَ : فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ . قَالَ : فَقَالُوا لَهُ : افْتَحِ التَّاسِعَةَ . قَالَ : وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ التَّاسِعَةَ . قَالَ : فَقَرَأَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيةِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ سورة يونس آية 59 قَالَ : قَالُوا لَهُ : قِفْ . فَقَالُوا لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا حَمَيْتَ مِنَ الْحِمَى ، آللَّهُ أَذِنَ لَكَ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرِي ؟ قَالَ : فَقَالَ : امْضِهِ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا . قَالَ : وَأَمَّا الْحِمَى ، فَإِنَّ عُمَرَ حَمَى الْحِمَى قَبْلِي لإِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا وُلِّيتُ زَادَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ ، فَزِدْتُ فِي الْحِمَى لِمَا زَادَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ امْضِهِ . قَالَ : فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَهُ بِالآيَةِ . فَيَقُولُ : امْضِهِ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا . قَالَ : وَالَّذِي يَتَوَلَّى كَلامَ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ فِي سِنِّكَ . قَالَ : يَقُولُ أَبُو نَضْرَةَ : يَقُولُ ذَاكَ لِي أَبُو سَعِيدٍ . قَالَ أَبُو نَضْرَةَ : وَأَنَا فِي سِنِّكَ يَوْمَئِذٍ . قَالَ : وَلَمْ يَخْرُجْ وَجْهِي يَوْمَئِذٍ لا أَدْرِي . وَلَعَلَّهُ قَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى : وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاثِينَ سَنَةً ، ثُمَّ أَخَذُوهُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ . قَالَ : فَعَرَفَهَا . فَقَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ . قَالَ فَقَالَ لَهُمْ : مَا تُرِيدُونَ ؟ قَالَ : فَأَخَذُوا مِيثَاقَهُ . قَالَ : وَأَحْسَبُهُ ، قَالَ : وَكَتَبُوا عَلَيْهِ شَرْطًا . قَالَ : وَأَخَذَ عَلَهْيِمْ أَلا يَشُقُّوا عَصًا ، وَلا يُفَارِقُوا جَمَاعَةً ، مَا قَامَ لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ ، أَوْ كَمَا أَخَذُوا عَلَيْهِ . قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ : مَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ أَلا يَأْخُذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَطَاءً ، فَإِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ ، وَلِهَؤُلاءِ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَرَضُوا بِذَلِكَ ، وَأَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاضِينَ . قَالَ : فَقَامَ فَخَطَبَ . فَقَالَ : إِنِّي مَا رَأَيْتُ وَاللَّهِ وَفْدًا فِي الأَرْضِ هُمْ خَيْرٌ لِحَوْبَاتِي مِنْ هَذَا الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيَّ . وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى : خَشِيتُ مِنْ هَذَا الْوَفْدِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، أَلا مَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ فَلْيَلْحَقْ بِزَرْعِهِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ضَرْعٌ فَلْيَحْتَلِبْ إِلا إِنَّهُ لا مَالَ لَكُمْ عِنْدَنَا ، إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ ، وَلِهَؤُلاءِ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَغَضِبَ النَّاسُ ، وَقَالُوا : هَذَا مَكْرُ بَنِي أُمَيَّةَ . قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ الْوَفْدُ الْمِصْرِيُّونَ رَاضِينَ ، فَبَيْنَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ إِذَا هُمْ بِرَاكِبٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ وَيُشِيئُهُمْ . قَالَ : قَالُوا لَهُ : مَا لَكَ إِنَّ لَكَ لأَمْرًا ، مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : أَنَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ فَفَتَّشُوهُ ، فَإِذَا هُمْ بِالْكِتَابِ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ خَاتَمُهُ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ ، أَنْ يُصَلِّبَهُمْ ، أَوْ يُقَتِّلَهُمْ ، أَوْ يُقَطِّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ . قَالَ : فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ . قَالَ : فَأَتَوْا عَلِيًّا ، فَقَالُوا : أَلَمْ تَرَ إِلَى عَدُوِّ اللَّهِ إِنَّهُ كَتَبَ فِينَا بِكَذَا وَكَذَا ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ دَمَهُ ، قُمْ مَعَنَا إِلَيْهِ . قَالَ : وَاللَّهِ لا أَقُومُ مَعَكُمْ . إِلَى أَنْ قَالُوا : فَلِمَ كَتَبْتَ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ كِتَابًا قَطُّ ! قَالَ : فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ . ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَلِهَذَا تُقَاتِلُونَ أَوْ لِهَذَا تَغْضَبُونَ ؟ قَالَ : فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى قَرْيَةٍ . قَالَ : فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ . فَقَالُوا : كَتَبْتَ فِينَا بِكَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَقَالَ : إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ أَنْ تُقِيمُوا عَلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يَمِينِي بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ، مَا كَتَبْتُ ، وَلا أَمْلَلْتُ ، وَلا عَلِمْتُ ! قَالَ وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْكِتَابَ يُكْتَبُ عَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ ، وَقَدْ يُنْقَشُ الْخَاتَمُ عَلَى الْخَاتَمِ . قَالَ : فَقَالُوا : فَقَدْ وَاللَّهِ أَحَلَّ اللَّهُ دَمَكَ ، وَنَقَضْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ . قَالَ : فَحَاصَرُوهُ . وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي سَبَبِ مَسِيرِ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى عُثْمَانَ وَنُزُولِهِمْ ذَا خَشَبٍ أُمُورًا كَثِيرَةً ، مِنْهَا مَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَمِنْهَا مَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهِ كَرَاهَةً مِنِّي لِبَشَاعَتِهِ ، وَمِنْهَا مَا ذُكِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مَوْلَى الْمسورِ ، قَالَ : كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ عَامِلا لِعُثْمَانَ ، فَعَزَلَهُ عَنِ الْخَرَاجِ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّلاةِ ، وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ عَلَى الْخَرَاجِ ، ثُمَّ جَمَعَهُمَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الْمَدِينَةَ جَعَلَ يَطْعَنُ عَلَى عُثْمَانَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا عُثْمَانُ خَالِيًا بِهِ ، فَقَالَ : يَابْنَ النَّابِغَةِ مَا أَسْرَعَ مَا قَمِلَ جِرْبَانُ جُبَّتِكَ ، إِنَّمَا عَهْدُكَ بِالْعَمَلِ عَاما أَوَّل ، أَتَطْعَنُ عَلَيَّ وَتَأْتِينِي بِوَجْهٍ وَتَذْهَبُ عَنِّي بِآخَرَ ؟ وَاللَّهِ لَوْلا أَكْلَةٌ مَا فَعَلْتَ ذَلِكَ . قَالَ : فَقَالَ عَمْرٌو : إِنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ وَيَنْقُلُونُ إِلَى وُلاتِهِمْ بَاطِلٌ ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي رَعِيَّتِكَ . فَقَالَ عُثْمَانُ : وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى ظَلْعِكَ ، وَكَثْرَةِ الْقَالَةِ فِيكَ . فَقَالَ عَمْرٌو : قَدْ كُنْتُ عَامِلا لِعَمُرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَفَارَقَنِي وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ . قَالَ : فَقَالَ عُثْمَانُ : وَأَنَا وَاللَّهِ لَوْ آخَذْتُكَ بِمَا آخَذَكَ بِهِ عُمَرُ لاسْتَقَمْتَ ، وَلَكِنِّي لِنْتُ عَلَيْكَ فَاجْتَرَأْتَ عَلَيَّ ، أَمَا وَاللَّهِ لأَنَا أَعَزُّ مِنْكَ نَفَرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَبْلَ أَنْ أَلِيَ هَذَا السُّلْطَانَ . فَقَالَ عَمْرٌو : دَعْ عَنْكَ هَذَا ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَدَانَا بِهِ ، قَدْ رَأَيْتُ الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ ، وَرَأَيْتُ أَبَاكَ عَفَّانَ ، فَوَاللَّهِ لَلْعَاصُ كَانَ أَشْرَفَ مِنْ أَبِيكَ . قَالَ : فَانْكَسَرَ عُثْمَانُ ، وَقَالَ : مَا لَنَا وَلِذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ! قَالَ : وَخَرَجَ عَمْرٌو ، وَدَخَلَ مَرْوَانُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ بَلَغْتَ مَبْلَغًا يَذْكُرُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَبَاكَ ! فَقَالَ عُثْمَانُ : دَعْ هَذَا عَنْكَ ، مِنْ ذِكْرِ آبَاءِ الرِّجَالِ ذَكَرُوا أَبَاهُ . قَالَ : فَخَرَجَ عَمْرٌو مِنْ عِنْدِ عُثْمَانَ وَهُوَ مُحْتَقِدٌ عَلَيْهِ ، يَأْتِي عَلِيًّا مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلَى عُثْمَانَ ، وَيَأْتِي الزُّبَيْرَ مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلَى عُثْمَانَ ، وَيَأْتِي طَلْحَةَ مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلَى عُثْمَانَ ، وَيَعْتَرِضَ الْحَاجَّ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَحْدَثَ عُثْمَانُ ، فَلَمَّا كَانَ حَصْرُ عُثْمَانَ الأَوَّلُ ، خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ لَهُ بِفِلَسْطِينَ ، يُقَالُ لَهَا : السَّبْعُ ، فَنَزَلَ فِي قَصْرٍ لَهُ ، يُقَالُ لَهُ : الْعَجْلانُ . وَهُوَ يَقُولُ : الْعَجَبُ مَا يَأْتِينَا عَنِ ابْنِ عَفَّانَ . قَالَ : فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي قَصْرِهِ ذَلِكَ وَمَعَهُ ابْنَاهُ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَسَلامَةُ بْنُ رَوْحٍ الْجُذَامِيُّ ، إِذْ مَرَّ بِهِمْ رَاكِبٌ ، فَنَادَاهُ عَمْرٌو : مِنْ أَيْنَ قَدِمَ الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ : مِنَ الْمَدِينَةِ . قَالَ : مَا فَعَلَ الرَّجُلُ ؟ يَعْنِي عُثْمَانَ ، قَالَ : تَرَكْتُهُ مَحْصُورًا شَدِيدَ الْحِصَارِ . قَالَ عَمْرٌو : أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، قَدْ يَضْرُطُ الْعِيرُ وَالْمِكْوَاةُ فِي النَّارِ . فَلَمْ يَبْرَحْ مَجْلِسُهُ ذَلِكَ ، حَتَّى مَرَّ بِهِ رَاكِبٌ آخَرُ ، فَنَادَاهُ عَمْرٌو : مَا فَعَلَ الرَّجُلُ ؟ يَعْنِي عُثْمَانَ . قَالَ : قُتِلَ . قَالَ : أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً نَكَأْتُهَا ، إِنْ كُنْتُ لأُحَرِّضَ عَلَيْهِ ، حَتَّى إِنِّي لأُحَرِّضَ عَلَيْهِ الرَّاعِي فِي غَنَمِهِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ . فَقَالَ لَهُ سَلامَةُ بْنُ رَوْحٍ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّهُ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْعَرَبِ بَابٌ وَثِيقٌ فَكَسَرْتُمُوهُ ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَرَدْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ حَافِرَةِ الْبَاطِلِ ، وَأَنْ يَكُونَ النَّاسُ فِي الْحَقِّ شَرْعًا سَوَاءٌ . وَكَانَتْ عِنْدَ عَمْرٍو أُخْتُ عُثْمَانَ لأُمِّهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَفَارَقَهَا حِينَ عَزَلَهُ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِمِصْرَ ، يُحَرِّضَانِ عَلَى عُثْمَانَ ، فَقَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِمِصْرَ ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِصْرِيُّونَ خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ الْبَلَوِيُّ فِي خَمْسِ مِائَةٍ ، وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ ، وَخَرَجُوا فِي رَجَبَ ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ رَسُولا سَارَ إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً يُخْبِرُ عُثْمَانَ : أَنَّ ابْنَ عُدَيْسٍ وَأَصْحَابَهُ قَدْ وَجَّهُوا نَحْوَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ شَيَّعَهُمْ إِلَى عَجْرُودٍ ، ثُمَّ رَجَعَ ، وَأَظْهَرَ مُحَمَّدٌ إِنْ قَالَ : خَرَجَ الْقَوْمُ عَمَّارًا . وَقَالَ : فِي السِّرِّ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى إِمَامِهِمْ ، فَإِنْ نَزَعَ وَإِلا قَتَلُوهُ . وَسَارَ الْقَوْمُ الْمَنَازِلَ لَمْ يَعُدُّوهَا ، حَتَّى نَزَلُوا ذَا خَشَبٍ ، وَقَالَ عُثْمَانُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ ، حِينَ جَاءَهُ رَسُولُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ : هَؤُلاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، يُرِيدُونَ بِزَعْمِهِمُ الْعُمْرَةَ ، وَاللَّهِ مَا أَرَاهُمْ يُرِيدُونَهَا ، وَلَكِنَّ النَّاسَ قَدْ دَخَلَ بِهِمْ وَأَسْرَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ ، وَطَالَ عَلَيْهِمْ عُمْرَى ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ فَارَقْتُهُمْ لَيَتَمَنَّوْنَ أَنَّ عُمْرَى كَانَ طَالَ عَلَيْهِمْ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ بِسَنَةٍ مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوكَةِ ، وَالإِحَنِ وَالأَثْرَةِ الظَّاهِرَةِ وَالأَحْكَامِ الْمُغَيِّرَةِ . قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ ذَا خَشَبٍ ، جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَ قَتْلَ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَنْزَعْ ، وَأَتَى رَسُولُهُمْ إِلَى عَلِيٍّ لَيْلا ، وَإِلَى طَلْحَةَ ، وَإِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَهُمْ إِلَى عَلِيٍّ كِتَابًا ، فَجَاءُوا بِالْكِتَابِ إِلَى عَلِيٍّ فَلَمْ يَظْهَرَ عَلَى مَا فِيهِ ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانَ مَا رَأَى ، جَاءَ عَلِيًّا فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ ، فَقَالَ : يَابْنَ عَمِّ إِنَّهُ لَيْسَ لِي مترك ، وَإِنَّ قَرَابَتِي قَرِيبَةٌ ، وَلِي حَقٌّ عَظِيمٌ عَلَيْكَ ، وَقَدْ جَاءَ مَا تَرَى مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ وَهُمْ مُصَبِّحِي ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ لَكَ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرًا ، وَأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْكَ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيْهِمْ فَتَرُدَّهُمْ عَنِّي ، فَإِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَرْأَةً مِنْهُمْ عَلَيَّ ، وَلْيَسْمَعْ بِذَلِكَ غَيْرُهُمْ . فَقَالَ عَلِيٌّ : عَلامَ أَرُدُّهُمْ ؟ قَالَ : عَلَى أَنْ أَصِيرَ إِلَى مَا أَشَرْتَ بِهِ عَلَيَّ ، وَرَأَيْتَهُ لِي ، وَلَسْتُ أَخْرُجُ مِنْ يَدَيْكَ . فَقَالَ عَلِيٌّ : إِنِّي قَدْ كُنْتُ كَلَّمْتُكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، فَكُلُّ ذَلِكَ نَخْرُجُ فَتَكَلَّمَ ، وَنَقُولُ وَتَقُولُ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِعْلُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَابْنِ عَامِرٍ ، وَمُعَاوِيَةَ أَطَعْتَهُمْ وَعَصَيْتَنِي . قَالَ عُثْمَانُ : فَإِنِّي أَعْصِيهِمْ وَأُطِيعُكَ . قَالَ : فَأَمَرَ النَّاسَ فَرَكِبُوا مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارِ . قَالَ : وَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ يُكَلِّمُهُ أَنْ يَرْكَبَ مَعَ عَلِيٍّ فَأَبَى ، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَلَّمَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَمَّارًا ، فَيُكَلِّمُهُ أَنْ يَرْكَبَ مَعَ عَلِيٍّ . قَالَ : فَخَرَجَ سَعْدٌ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَمَّارٍ . فَقَالَ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ أَلا تَخْرُجُ فِيمَنْ يَخْرُجُ ، وَهَذَا عَلِيٌّ يَخْرُجُ فَاخْرُجْ مَعَهُ ، وَارْدُدْ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ عَنْ إِمَامِكَ ، فَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّكَ لَمْ تَرْكَبْ مَرْكَبًا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ . قَالَ : وَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ الْكِنْدِيِّ ، وَكَانَ مِنْ أَعْوَانِ عُثْمَانَ . فَقَالَ : انْطَلِقْ فِي إِثْرِ سَعْدٍ ، فَاسْمَعْ مَا يَقُولُ سَعْدٌ لِعَمَّارٍ ، وَمَا يَرُدُّ عَمَّارٌ عَلَى سَعْدٍ ، ثُمَّ ائْتِنِي سَرِيعًا . قَالَ : فَخَرَجَ كَثِيرٌ حَتَّى يَجِدَ سَعْدًا عِنْدَ عَمَّارٍ مَخْلِيًّا بِهِ ، فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ جُحْرَ الْبَابِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَمَّارٌ وَلا يَعْرِفُهُ وَفِي يَدِهِ قَضِيبٌ ، فَأَدْخَلَ الْقَضِيبُ الْجُحْرَ الَّذِي أَلْقَمَهُ كَثِيرٌ عَيْنَهُ ، فَأَخْرَجَ كَثِيرٌ عَيْنَهُ مِنَ الْجُحْرِ ، وَوَلَّى مُدْبِرًا مُتَقَنِّعًا ، فَخَرَجَ عَمَّارٌ فَعَرَفَ أَثَرَهُ ، وَنَادَى : يَا قَلِيلُ ابْنَ أُمِّ قَلِيلٍ أَعَلَيَّ تَطَّلِعُ ، وَتَسْتَمِعُ حَدِيثِي ؟ وَاللَّهِ لَوْ دَرِيتُ أَنَّكَ هُوَ لَفَقَأْتُ عَيْنَكَ بِالْقَضِيبِ ، فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَحَلَّ ذَلِكَ ! ثُمَّ رَجَعَ عَمَّارٌ إِلَى سَعْدٍ ، فَكَلَّمَهُ سَعْدٌ ، وَجَعَلَ يَفْتِلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ ، فَكَانَ آخَرُ ذَلِكَ أَنْ قَالَ عَمَّارٌ : وَاللَّهِ لا أَرُدُّهُمْ عَنْهُ أَبَدًا . فَرَجَعَ سَعْدٌ إِلَى عُثْمَانَ ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ عَمَّارٌ ، فَاتَّهَمَ عُثْمَانُ سَعْدًا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُنَاصِحْهُ ، فَأَقْسَمَ لَهُ سَعْدٌ بِاللَّهِ لَقَدْ حُرِّضَ ، فَقَبِلَ مِنْهُ عُثْمَانُ . قَالَ : وَرَكِبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى أَهْلِ مِصْرَ ، فَرَدَّهُمْ عَنْهُ ، فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |