حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : " كَانَ مِنْ أَقَلِّ أَعْمَالِهِمُ الصَّوْمُ " . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَهَلْ تَحُدُّ ، لِمَنْ أَحَبَّ إِلْزَامَ نَفْسِهِ مِنَ الصَّوْمِ النَّفَلِ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْلِ الصَّلاةِ وَقْتًا مِنْ بَعْضِ اللَّيْلِ ، حَدًّا لا يَكُونُ بِإِلْزَامِهِ نَفْسَهُ ذَلِكَ دَاخِلا فِي الَّذِي تَكْرَهُ لَهُ مِنْهُ ؟ قِيلَ : قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الَّذِيَ يَنْبَغِي لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْلِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ ، مَا كَانَ الأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ نَفْسَهُ لَهُ مُطِيقَةٌ ، وَهِيَ عَلَى الإِدْمَانِ عَلَيْهِ قَادِرَةٌ ، وَمَا يَخِفُّ عَلَيْهَا احْتِمَالُهُ ، وَلا يَثْقُلُ عَلَيْهَا تَكَلُّفُهُ ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا " ، وَكَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ الْمَرْءُ وَإِنْ قَلَّ " . فَإِنْ كَانَتْ نَفْسُ الْعَبْدِ مُطِيقَةٌ أَدَاءَ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، غَيْرُ ضَعِيفَةٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا ، نَشِيطَةٌ لِنَوَافِلِ الأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ ، وَلَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ يُضْعِفُهَا وَلا يُعْجِزُهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ أَحْسَنَ مَا تَكَلَّفُ مِنْ نَفْلِ الصَّوْمِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَرْبَى لِلْجِسْمِ الْقَوِيِّ أَنْ يُطِيقَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَتْ حَيَاتُهُ ، وَأَقْرَبُ لِلضَّعِيفِ إِلَى السَّلامَةِ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهِ ، بِتَكَلُّفِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ ، مِنْ تَضْيِيعِ فَرْضٍ ، أَوْ تَفْرِيطٍ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ نَفْلٍ ، وَرَجَوْنَا لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا مِنَ الشَّهْرِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ وَالأَجْرِ ، مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْهُ فِي الأَيَّامِ الَّتِي صَامَهَا ، لأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَظَاهَرَتِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَمِلَ بِهِ السَّلَفُ ، وَاخْتَارَهُ عَلَى سَائِرِ الصَّوْمِ غَيْرُهُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |