القول في تاويل قوله تعالى فويل سورة البقرة اية


تفسير

رقم الحديث : 1221

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثنا سَلَمَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى : " يَا مُوسَى قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَسْمِعْنَا كَلامَهُ حِينَ يُكَلِّمُكَ ، فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَمُرْهُمْ فَلْيَتَطَهَّرُوا ، وَلِيُطَهِّرُوا ثِيَابَهُمْ ، وَيَصُومُوا ، فَفَعَلُوا ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى الطُّورَ ، فَلَمَّا غَشِيَهُمُ الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَوَقَعُوا سُجُودًا ، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ، فَسَمِعُوا كَلامَهُ يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ ، حَتَّى عَقَلُوا مَا سَمِعُوا ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِهِمْ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلَمَّا جَاءُوهُمْ حَرَّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ، وَقَالُوا حِينَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا ، قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيقُ الَّذِي ذَكَرَهُمُ اللَّهُ : إِنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا خِلافًا لِمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ ، فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ بِالآيَةِ وَأَشْبَهُهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التِّلاوَةِ ، مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ، وَالَّذِي حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ سَمِعَ كَلامَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَمَاعَ مُوسَى إِيَّاهُ مِنْهُ ، ثُمَّ حَرَّفَ ذَلِكَ وَبَدَّلَ مِنْ بَعْدِ سَمَاعِهِ وَعِلْمِهِ بِهِ وَفَهْمِهِ إِيَّاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيفَ كَانَ مِنْ فَرِيقٍ مِنْهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، اسْتِعْظَامًا مِنَ اللَّهِ لِمَا كَانُوا يَأْتُونَ مِنَ الْبُهْتَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَالْبُرْهَانِ ، وَإِيذَانًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَطَعَ أَطْمَاعَهُمْ مِنْ إِيمَانِ بَقَايَا نَسْلِهِمْ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَقِّ وَالنُّورِ وَالْهُدَى ، فَقَالَ لَهُمْ : كَيْفَ تَطْمَعُونَ فِي تَصْدِيقِ هَؤُلاءِ الْيَهُودِ إِيَّاكُمْ ، وَإِنَّمَا تُخْبِرُونَهُمْ ، بِالَّذِي تُخْبِرُونَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، عَنْ غَيْبٍ لَمْ يُشَاهِدُوهُ وَلَمْ يُعَايِنُوهُ ؟ وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ مِنَ اللَّهِ كَلامَهُ ، وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ، ثُمَّ يُبَدِّلُهُ وَيُحَرِّفُهُ وَيَجْحَدُهُ ، فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مِنْ بَقَايَا نَسْلِهِمْ أَحْرَى أَنْ يَجْحَدُوا مَا أَتَيْتُمُوهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَهُمْ لا يَسْمَعُونَهُ مِنَ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْكُمْ ، وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُحَرِّفُوا مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ ، وَيُبَدِّلُوهُ وَهُمْ بِهِ عَالِمُونَ ، فَيَجْحَدُوا وَيُكَذِّبُوا ، مِنْ أَوَائِلُهُمُ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَلامَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، ثُمَّ حَرَّفُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَعَلِمُوهُ ، مُتَعَمِّدِينَ التَّحْرِيفَ . وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ سورة البقرة آية 75 : يَسْمَعُونَ التَّوْرَاةَ ، لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ : يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ سورة البقرة آية 75 ، مَعْنَى مَفْهُومٌ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ سَمِعَهُ الْمُحَرِّفُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْمُحَرِّفِ ، فَخُصُوصُ الْمُحَرِّفِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ كَلامَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ يَسْمَعُ ذَلِكَ سَمَاعُهُمْ ، لا مَعْنَى لَهُ ، فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ : يُحَرِّفُونَهُ سورة البقرة آية 75 ، فَقَدْ أَغْفَلَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يُحَرِّفُونَ كَلامَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ؛ وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ خَاصٍّ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا أُعْطُوا ، مِنْ مُبَاشَرَتِهِمْ سَمَاعَ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ غَيْرُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ، ثُمَّ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا مَا سَمِعُوا مِنْ ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لِلْخُصُوصِ الَّذِي كَانَ خَصَّ بِهِ هَؤُلاءِ الْفَرِيقَ الَّذِي ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ، ويعني بقوله : ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ سورة البقرة آية 75 : ثم يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه ، وأصله من انحراف الشيء عَنْ جهته ، وهو ميله عَنْهَا إلى غيرها ، فكذلك قوله : يُحَرِّفُونَهُ سورة البقرة آية 75 ، أي : يميلونه عَنْ وجهه ومعناه الَّذِي هُوَ معناه إلى غيره ، فأخبر اللَّه جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذَلِكَ عَلَى علم منهم بتأويل ما حرفوا ، وأنه بخلاف ما حرفوه إلَيْهِ ، فقال : يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ سورة البقرة آية 75 ، يعني : من بعد ما عقلوا تأويله ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ سورة البقرة آية 75 ، أي : يعلمون أنهم فِي تحريفهم ما حرفوا من ذَلِكَ مبطلون كاذبون ، وذلك إخبار من اللَّه جل ثناؤه عَنْ إقدامهم عَلَى البهت ، ومناصبتهم العداوة لَهُ ولرسوله مُوسَى صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ، وأن بقاياهم ، من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بغيًا وحسدًا ، عَلَى مثل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أوائلهم من ذَلِكَ فِي عصر مُوسَى عَلَيْهِ الصلاة والسلام " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.